lundi 21 décembre 2009

محاولة لإعادة النظر في كارثتنا الثقافية

مع أن « أهل مكة أدرى بشعابها»، أي أن اللبنانيين أدرى بطبيعة وإمكانية تقييم الأوضاع الثقافية في لبنان، إلا أني أختلف مع السيد رياض الريس، في مقالته بجريدة الأخبار، بأن « بيروت عاصمة عالمية للكتاب» هي تسمية لإرضاء غرور الشوفينية اللبنانية.

بداية أعتبر قيام دار الريس بطباعة روايتي الأولى، والثانية على الأبواب، حظّا أقدّره، وقد كُتب قليلا حول المساحة اللبنانية التي أُتيحت مؤخرا أمام الكتاب السوريين، حيث حازت الأعمال السورية الصادرة في لبنان، في داري الريّس والآداب، اهتماما لا بأس به، لم تكن لتحظى به، لو أنها صدرت في سوريا. أقول هذا الكلام، لأعبر عن تقديري للانفتاح الفكري والسياسي للسيد الريس الذي أعتبره شخصيا إحدى بوابات الأمل في الثقافة العربية الراهنة، ومواقفه مشهود بها. وليس المقال هنا للإطراء عليه، بل أوردت هذا المقطع، لأثبت حسن نواياي في الاختلاف معه حول نظرته لتسمية بيروت عاصمة عالمية للكتاب، وأرجو التفريق، والسيد رياض يعرف هذا دون شك، بين العاصمة العالمية للكتاب، وعاصمة الثقافة العربية، حيث الأولى صادرة عن منظمة اليونسكو العالمية، أما الثانية، فهي ناجمة عن اقتراح المجوعة العربية في اليونسكو. الأولى لها صبغة عالمية، بينما الثانية فهي تقريبا ذات ملامح عربية.

بما أن تسمية بيروت عاصمة عالمية للكتاب، حيث وردت التسمية من اليونسكو، التي تسمي سنويا مدينة ما، لا علاقة لها بأي نوازع سياسية أو جغرافية، لتخصصها عاصمة للثقافة. أي أنه تقليد عالمي، وليس عربياً.

في العام الفائت، كنت في أمستردام، حيث كانت عاصمة عالمية للكتاب، أعرف أن الكتاب الذين أعرفهم عن قرب، لم يشاركوا في الحفلات العامة، أو حتى في حفل الافتتاح، لما فيه من «مشهدية»، تخلط الحابل بالنابل « السياسي بالفني، المنصب بالثقافة، رجال الأعمال والواجهات مع الكتاب...»، ولكني أعرف أنه فيما بعد، تتم نشاطات متفرعة عن هذه التسمية العالمية، وتتيح لكثير من الكتاب المغمورين بالظهور، وتقديم أنفسهم.

فمثلا، تمت دعوتي، للمشاركة في حفل عشاء أقيم على شرف الروائي الهنغاري جورج كونراد، صحيح أن النشاط لم يكن أدبيا بحتا، بل كان مناسبة لتعارف الكتاب، من أجيال وجنسيات مختلفة.وهي فرصة لإطلاع على التقاليد الثقافية الغربية، التي لا تعاني من أمراضنا الثقافية.

لا شك أن تلك التقاليد، تقاليد الثقافة الغربية مختلفة عن الأخرى، العربية، وهذا لوحده يتطلب صفحات طويلة لعرضه، وعلى سبيل المثال، فقد لخص الريس الوضع الثقافي العربي بـ : الطائفية والشللية والمحسوبية....

الثقافة الغربية ليس فيها عقدة التعالي، أو الأجيال. لكل كاتب شخصيته وحضوره ومكانته، بغض النظر عن شهرته، أما الثقافة العربية، فهي لا تزال، في قسم كبير منها، خاضعة لعقلية «القطيع»، حيث المحاباة، والعلاقات الشخصية، ونبذ الآخر المختلف...

نعم، عزيزي السيد رياض الريس، أنت محق في غضبك من الثقافة العربية، ومحق في عدم تفاؤلك، وأنا، وغيري كثيرون، نقاسمك هذا اليأس، حيث «الفكر الجماعي» يلغي الفردية، التي هي من أول قواعد الإبداع، حيث تحول الكاتب العربي إلى لاهث وراء المال والشهرة والمنصب... وحيث لم تفرز الحداثة العربية، والتطور المعلوماتي والبنياني للمؤسسات العربية، إلا المزيد من القهر والنبذ للكاتب أو المثقف المختلف، الذي لا يزال خارج السرب، محلقا ـ مرغماـ إلى فضاءات أكثر بعدا... ولكن كل هذا، لا علاقة له بأن بيروت عاصمة للكتاب.

ما ذنب اليونسكو التي اختارت بيروت، كما اختارت الإسكندرية ومدريد ونيودلهي من سنوات سابقة، وأمستردام في العام المنصرم، وكما ستكون « لوبيانا « عاصمة للعام القادم، و« بوينس آيرس « في العام الذي يليه.

المشكلة فينا، لا في التسمية، لأن تسمية بيروت عاصمة عالمية للكتاب، وعدم قدرتنا « كعرب» إلا إظهار تفوق أحدنا على الآخر، كشكل من أشكال الاستعراض، لا القدرات الحقيقية، وإظهار « شوفينيتنا»، حيث أتفق مع السيد الريس، في أن الثقافة العربية تحمل الكثير من الشوفينية»، ولكن كل هذا لا يعيب التسمية. لتكن بيروت عاصمة للكتاب، حتى ولو لم يكن للكتاب عاصمة، وحتى لو كانت التسمية رمزية، كما نحتفل بأعياد ميلادنا، وعيد الأم والاستقلال... لتكن مناسبة للاحتفاء بالكتاب.

عزيزي رياض الريس، أن تكون بيروت عاصمة للكتاب أمر رائع برأيي، بيروت التي تحتمل كل تناقضاتنا، وخلافاتنا، وآفاتنا «كمثقفين عرب، وكسياسيين»، وأن يكون معرض الكتاب البيروتي فرصة لإعادة النظر في «الكارثة الثقافية» العربية، فهنا أشد على يدك بقوة، وأعتقد أن ثمة الكثير من الأسماء الشعرية والروائية والنقدية، وربما من المشاركين في المشهد الثقافي بتحفظ، متحمسون جميعا لدعوتك، لنحاول معا تفعيل المشهد الثقافي العربي، عبر ممارسة حقنا في كوننا موجودين، داخل السرب، دون تماهي، وبمسافات آمنة تبقينا، داخل المشهد، مع حذر الانزلاق في الحظيرة، حظيرة القطيع الثقافي.
عن نوافذ المستقبل