lundi 17 décembre 2012

http://www.alqabas.com.kw/node/449612

عن «طبول الحب» السورية




مها حسن: كيف نصدق أن ما يحدث «واقعي»؟

ليلاس سويدان

عن الثورة السورية وفي محاولة لرصد مواقف السوريين والمثقفين منها، أصدرت الروائية مها حسن، السورية المقيمة في فرنسا روايتها الأخيرة «طبول الحب»، وذلك من خلال رصد عدة نماذج ثقافية داخل الرواية وعرض وجهات نظرها عن الأحداث الدائرة من خلال الحوارات داخل النص.



تدور أحداث الرواية- التي صدرت عن دار الريس- كما قالت الكاتبة حول الأستاذة ريما التي قررت العودة لبلادها بعد سنوات عاشتها في باريس.



وتعيش ريما التي كانت قد تركت سوريا منذ سنوات واستقرت في فرنسا، قصة حب غريبة عبر الفيسبوك، ثم تقع أحداث الثورة في سوريا، وينشب خلاف بينها وبين الشاب الذي تحبه، حول موقف كل منهما من عسكرة الثورة، مما يدفعها للنزول إلى بلادها والتعرف إلى الوضع بدقة بعد سماعها الكثير عما يجري من بعيد. وتضيف مها حسن أن ريما تصل إلى دمشق حيث منزل عائلتها، لتلتقي بعدة نماذج هناك، محاولة التعرف إلى مواقف هؤلاء الأشخاص مما يحدث في سوريا، ثم ينتقل بها المطاف إلى حلب مسقط رأس الكاتبة نفسها، وذلك بهدف الاقتراب من ريف إدلب، حيث يعيش حبيبها، لتلتقي أثناء ذلك بنماذج أخرى من السوريين.


أصعب الأعمال



عن سؤال حول رؤيتها لتجربتها الحديثة مقارنة بتجاربها الروائية السابقة أجابت الكاتبة:



اعتبر هذه الرواية من أصعب الأعمال التي كتبتها، بسبب خصوصية الموضوع وحساسيته.



أن نكتب عن تجربة حقيقية، يختلف كثيراً عما نكتبه عن قصة متخيلة، وخصوصا حين يكون الموضوع مرتبطا بمصير شعب كامل. أن يحيا أحدنا ملحمة واقعية، يحاول في كل خمس دقائق وهو يحيا حوادثها ألا يقع في غيبوبة الحلم، ويحافظ على تماسكه، بأن مايحدث واقعي، أمر صعب. لقد عانيت كثيرا، ولا أزال أعاني فعل الكتابة ذاته في هذه الحرب الطاحنة. وأنا أسميها حربا.




معاناة الكتابة



وتتابع مها الحسن: معاناة الكتابة شعور متداخل هنا، فلا يكفي الأرق الإبداعي وهو يشعر بضآلته أمام الملحمة الشعبية، بل يأتي الحكم على الكتابة بحد ذاتها، كفعل تأثيمي أثناء الألم.



يعتقد البعض أننا نكتب من أجل فرص الظهور، وهذا ظلم كبير، لأن الظهور نفسه، والذي يخشاه المبدع، هو وجع كبير، في هذا الدم. ومن ناحية أخرى، وفي السياق ذاته، هناك أصوات تعتب على الكتابة غيابها عن الفعل الثوري. لهذا فالكاتب يعيش حالات من التقلّب الانفعالي، بين هاجس الكتابة، واستيعاب دهشة المشهد واحتوائه، وممارسة دوره النقدي الذي يؤمن به، ولا يكون على هامش الحدث أو مجرد متفرج حيادي، وأخيراً في القلق الفني حول إمكانية إنتاج نص بمستوى الحدث.







حكم مسبق



● ما هي محاذير الكتابة عن حدث تاريخي مستمر حتى الآن وتجربة ربما لم نستطع حتى هذه اللحظة استيعابها وقراءتها بشكل حيادي ونقدي متجرد؟



- اعتقد أن هذا السؤال يحمل فخّ الاتهام الذي تحدثت عنه للتو. وكأن الكتابة في زمن الثورة التي لم تحسم بعد، عمل ناقص، وهذا برأيي من حالات الحكم المسبق على حرية المبدع، أنا ككاتبة، ليس أمامي فعل سوى الكتابة ذاتها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، إن توصيف اللحظة الراهنة، والتقاطها بطزاجتها، إبداعيا، هو فعل إيجابي. الرواية ليست بحثا أو دراسة حتى ننتظر الوقت لتنضج التجربة.







مرحلة جديدة



● قلت في احد حواراتك الصحفية ان الأدب السوري بعد الثورة يدخل مرحلة جديدة. كيف ترين ملامح المرحلة؟



- هذا السؤال نقدي ولا يستطيع الروائي الإجابة عنه، هنا نستطيع الكلام عن انتظار اختمار التجربة وانتظار الكتابة القادمة.



حتى اللحظة، هناك ثلاث روايات عن الثورة بينها روايتي، لم أقرأ الروايتين الأخريين، لكنني أعتقد أن كلا من الروائيين الثلاثة عالج الرواية والثورة من وجهة نظر فنية مختلفة، أعتقد أنه على النقاد لاحقاً، دراسة سمات هذا الأدب، الذي اعتقد أنه سيسم الأدب السوري لمرحلة قادمة، وربما لفترة طويلة، بسبب ما خلفته آثار هذه الثورة من مشاعر كثيرة وجديدة في المجتمع السوري.







غير متفائلة



● عاشت الثقافة والأدب السوري ضمن ضوابط وقيود لعشرات السنوات. فهل تفتح هذه الأحداث ونجاح الثورة السورية المجال لإعادة كتابة التاريخ بشكل مختلف؟



- للأسف، لست متفائلة بهذا الخصوص، لا أعتقد أن ما يسمى بالربيع العربي سيصل ويتحقق قريبا، هذه الثورات تتم على مراحل، أخشى كثيرا على تراجع حرية الفكر والكتابة والتعبير، بسبب غياب الكثير من الجانب الثقافي في هذه الثورات، طبعا ويتحمل الاستبداد المسؤولية عن سوء الوضع الثقافي حالياً، وعن ازدياد سوئه لاحقاً.

http://www.alarabiya.net/articles/2012/11/01/247120.html

واشنطن - محمد زيد مستو


أصدرت كاتبة سورية رواية تدور أحداثها خلال الانتفاضة التي تشهدها بلادها منذ العام الماضي، في محاولة لتوصيف الثورة بسوريا ورصد المواقف المختلفة منها.



وتدور قصة رواية "طبول الحب"، حسبما صرحت به الكاتبة مها حسن لـ"العربية.نت"، حول الأستاذة "ريما" التي قررت العودة لبلادها بعد سنوات عاشتها بباريس.



وتعيش ريما، التي كانت قد تركت سوريا منذ سنوات واستقرت في فرنسا، قصة حب غريبة عبر الفيسبوك، ثم تقع أحداث الثورة في سوريا، وينشب خلاف بينها وبين الشاب الذي تحبه، حول موقف كل منهما من عسكرة الثورة، ما يدفعها للنزول إلى بلادها والتعرف إلى الوضع بدقة بعد سماعها الكثير عما يجري من بعيد.



وتضيف الكاتبة في روايتها التي صدرت مؤخراً عن دار الريس في بيروت، أن ريما تصل إلى دمشق حيث منزل عائلتها، لتلتقي بعدة نماذج هناك، محاولة التعرف إلى مواقف هؤلاء الأشخاص مما يحدث في سوريا، ثم ينتقل بها المطاف إلى حلب مسقط رأس الكاتبة نفسها، وذلك بهدف "الاقتراب من ريف إدلب، حيث يعيش حبيبها"، لتلتقي أثناء ذلك بنماذج أخرى من السوريين.



وتحاول الكاتبة توصيف مواقف السوريين من الثورة ولا سيما المثقفين منهم، وذلك من خلال رصد "عدة نماذج ثقافية داخل الرواية وعرض وجهات نظرها عن الأحداث الدائرة من خلال الحوارات داخل النص".



أدب الثورةوتأتي هذه الرواية التي تعتبر أول رواية تتناول الوضع الحالي في سوريا التي تشتهر بعدد كبير من الأدباء، بعد أسابيع من لقاء أجرته "العربية.نت" مع الشاعر السوري ياسر الأطرش، والذي كشف خلاله عن ديوانه الشعري الجديد تحت الطباعة "أنا إنسان"، والذي سيعد أول ديوان شعري عن الثورة السورية.



وعبرت الروائية مها حسن، التي تقيم في فرنسا، عن اعتقادها بأن "الأدب السوري يدخل مرحلة جديدة ومختلفة"، موضحة أنه إذا كان هناك "أدب السجن" الذي ميز بعض التجارب السورية، وفترة "أدب النكسة"، فإن أدب الثورة السورية سيكون "منعطفاً فنياً وفكرياً" في أدب المرحلة القادمة.



والروائية السورية مها حسن، مقيمة في فرنسا، وقدمت العديد من الروايات، من بينها "اللامتناهي ـ سيرة الآخر"، ورواية "تراتيل العدم"، و"حبل سُرّي"، كما حصلت على جائزة هيلمان التي تنظمها منظمة "هيومن رايتس وتش" لحقوق الإنسان عام 2005.

mercredi 15 août 2012

‮‬حبل سري‮ :‬‮ ‬حريتي من أجل وطني‮


د. شيرين أبو النجا ـ أخبار الأدب

تبدو المسألة الكردية أحد شظايا الاشتعال السوري وهي في القلب منه أيضا‮. ‬ولأنها من أكثر المسائل حساسية في العالم العربي بوصفها أحدي مسائل الهوية فإن مها حسن الروائية السورية‮ (‬الكردية؟‮) ‬تعبر عنها كما هي بدون تزييف أو تجميل في روايتها الثالثة‮ "‬حبل سري‮" (‬الكوكب رياض الريس،‮ ‬2010‮) ‬فتكتب عن‮ "‬الترحال الكردي،‮ ‬ولماذا لا يحس الكردي بالانتماء إلي المكان،‮ ‬وخاصة إذا كان ذلك الكردي امرأة‮. ‬أي لماذا لا ترتبط الكردية بالوجود،‮ ‬ولماذا تظل تحت الوجود،‮ ‬وخلفه،‮ ‬لا في العدم،‮ ‬بل علي حافة التواجد،‮ ‬لا موجودة ولا معدومة،‮ ‬بل منفية في الفيصل بين العالمين؟‮" ‬عبر قصة‮ ‬غاية في المحلية تسرد تفاصيل حياة أسرة كردية ممتدة تعيش في حلب،‮ ‬تتمكن مها حسن من توظيف هذه المحلية لتعيد طرح أسئلة قديمة في سياقات جديدة‮. ‬

تنشأ حنيفة في ظل أسرة كردية‮ ‬نمطية،‮ ‬فالأب متزوج من امرأتين‮ (‬كردية وعربية‮) ‬تشتعل بينهما المشاكل المعتادة فيقرر‮ (‬أو بالأحري تقرر له العائلة‮) ‬أن يطلق واحدة منهما،‮ ‬وهو ما يؤدي إلي رسم أقدار حنيفة التي تعاني من النبذ والإقصاء بعيدا عن جو الأسرة‮. ‬ولأنها لا تشبه أمها كثيرا تتحول العمة‮- ‬حنيفة أيضا‮- ‬إلي الأم الروحية الحقيقية،‮ ‬ولذلك ينفطر قلبها عندما تختفي حنيفة الصغيرة‮. ‬بهذه الواقعة تتشكل رؤية حنيفة للعالم من حولها،‮ ‬فيبدأ الترحال علي المستوي النفسي مع المحاولة الدائمة للامساك بجوهر المعني الغائب عنها‮. ‬بيد أن هذا النبذ والتهميش الأولي يتجلي في شكل تميز وتفرد يمسك عصب السرد من البداية حتي النهاية‮. ‬فالنبذ هو ما يدفع حنيفة إلي طرح الأسئلة منذ أن كانت تلميذة بالمدرسة،‮ ‬وإذا كانت الأسئلة حينها تدور حول‮ "‬لماذا‮" ‬فإن الأسئلة تطورت لاحقا‮- ‬بعد انتقالها إلي فرنسا‮- ‬لتحاول الوصول إلي‮ "‬كيف‮"‬،‮ ‬كيف يمكن تحديد الهوية الكردية التي لم يكن لها وطنا،‮ ‬كيف يمكن الشعور بالانتماء الذي لم يتوافر من قبل‮. ‬تدور أفكار حنيفة‮- ‬التي تتحول إلي صوفي في فرنسا‮- ‬بسرعة كبيرة وبشكل‮ ‬غير مترابط أحيانا في تلك المساحة الجدلية التي ترسم علاقة الهوية بالوطن،‮ ‬وإذا كانت هذه العلاقة تكمن في قلب المسألة الكردية،‮ ‬فإن الأمر يتضاعف مع حنيفة بوصفها امرأة‮. ‬

استفاضت الأدبيات النقدية النسوية في تحليل فكرة الهوية التي تتشكل بين ثقافتين،‮ ‬بين عالمين،‮ ‬كل منهما يحمل لغته وتراثه وتاريخه‮. ‬وقد أدت هذه الأدبيات وغيرها‮- ‬التي لم تعتمد علي التنظير فقط‮- ‬إلي تقويض الفكرة السائدة عن الهوية بوصفها ثابتة علي مر الزمان واختلاف المكان‮. ‬شكلت حنيفة هذه الهوية المتعددة برغبتها،‮ ‬أملا في الهروب من ماضي مؤلم،‮ ‬إلا أنها ظلت تتأرجح بين العالمين ولم يكن لها مكانا في النهاية سوي أن تقبع في المنطقة الفاصلة بينهما تحاول أن تمسك بخيط واحد ولا تنجح،‮ ‬يتمكن منها القلق الوجودي وتدرك أنه القدر‮: "‬لا أستطيع العودة إلي الوراء،‮ ‬ولا العيش في الآنية،‮ ‬لا مصير لي سوي الترحال الأزلي،‮ ‬الخروج الأبدي،‮ ‬وكأن البيوت لم تصمم لتكون لي‮...". ‬تترك كل شيء‮ ‬غير مكتمل لتبحث عن‮ ‬غيره يحقق لها المراد،‮ ‬ولا تجد ملاذا سوي السباق مع الريح‮- ‬وسيلة هروب‮- ‬في السيارة أو علي الدراجة،‮ ‬فتترك حياتها‮ ‬غير مكتملة وتفقدها في لحظة سرعة جنونية‮. ‬وكأن الموت‮- ‬ليس بمعني الانتحار‮- ‬هو ما كانت تبحث عنه صوفي/حنيفة‮. ‬تترك حياتها بشكل مفاجئ وتوكل الآخرين ليكملوا لها الأجزاء الناقصة من الصورة‮. ‬تموت صوفي لتصبح أكثر حضورا في السرد وفي حياة الشخصيات عبر كل وجودها السابق وبصماتها،‮ ‬وعلي المستوي المادي تترك أكبر مشروعين‮: ‬الأول هو رواية بدأتها تشتبك فيها مع‮ "‬الخيميائي‮" ‬لباولو كويلهو‮ (‬كيف تريد الشيء بشدة حتي تحصل عليه‮)‬،أما المشروع الثاني فهو ابنتها باولا التي تركتها صغيرة وقام آلان‮- ‬رفيق صوفي في حياتها‮- ‬بتربيتها‮. ‬

إذا كان التسلسل الأمومي قد بدأ بالعمة الكبيرة حنيفة ومر بصوفي فإنه يستمر مع باولا،‮ ‬التي تعلن‮: "‬أحس أحيانا أني شبح أمي،‮ ‬أني لست أنا بل جزءا اقتطعته أمي وتركته هنا،‮ ‬وها هو يكبر مع الأيام،‮ ‬ويصيرها،‮ ‬أنا لن أصبح أنا،‮ ‬وأحقق وجودي الخاص بي،‮ ‬ما لم أحل لها مشاكلها،‮ ‬لا تزال صوفي تنظر إلي العالم بعينين مفتوحتين،‮ ‬أريد أن تغمض عينيها وترتاح‮". ‬هكذا تعود باولا إلي الوراء متتبعة خطوات أمها ليحط بها الرحال في مسقط رأس أمها‮. ‬تعيد باولا كافة التفاصيل في وسط العائلة الممتدة،‮ ‬حتي ينتهي بها الأمر إلي الزواج من روني لتنجب الزا ويستمر التسلسل الأمومي‮. ‬في إقامة باولا في حلب تعيد مها حسن سرد التأرجح بين ثقافتين من منظور مختلف،‮ ‬وتضمن حكايات النساء هناك التي تستمع لها باولا،‮ ‬لتكشف عن الإشكالية الأزلية الكامنة في الثقافة‮: ‬الحرية،‮ ‬بمعناها الفلسفي الذي لابد وأن ينعكس علي الواقعي‮. ‬تفهم باولا المسألة الكردية في علاقتها بالديمقراطية الممنوعة،‮ ‬وتفهم أنه من أجل القضية الكبري لابد وأن تسحق الحريات‮ "‬الصغيرة‮"‬،‮ ‬وتتأكد أن حبها لروني قد بدأ ينقل حياتها من خانة الحرية المفروغ‮ ‬منها إلي خانة الخضوع طواعية،‮ "‬أنا كامرأة ما لم أستطع أن أكون حرة في تصرفاتي الصغيرة،‮ ‬كيف سأدافع عن الحريات الكبري،‮ ‬حريات الاعتقاد،‮ ‬الحريات السياسية،‮ ‬الحريات الوجودية‮...". ‬بتتبع خطوات أمها تجد باولا نفسها في ذات المأزق الذي مرت به صوفي وهو ما يدفعها إلي العودة مرة أخري إلي فرنسا لتضع حملها هناك‮. ‬

إن الأسئلة التي تطرحها رواية‮ "‬حبل سري‮" ‬تمس جوهر ومعني الحرية،‮ ‬حرية العيش في الأوطان،‮ ‬وحرية اختيار الانتماء‮. ‬وهي الأسئلة التي تعيد طرح العلاقة بين حقوق النساء وبين حقوق الأوطان،‮ ‬تلك الإشكالية التي بدأت منذ عهود الاستقلال ولم تنته حتي الآن‮. ‬فالأوطان دائما ما تؤجل حقوق وحريات النساء من أجل العمل علي‮ "‬القضايا الكبري‮"‬،‮ ‬ومن أجل إرساء الديمقراطية تدريجيا،‮ ‬فينتهي الأمر إلي إخضاع وخضوع النساء بوصفه أمرا مقررا سلفا ومفروغا منه‮. ‬ولإعادة طرح مسألة الحرية والهوية يوظف السرد التقابل بين الشرق والغرب بمنظور مختلف كليا عن الأعمال الأدبية المعروفة في هذا السياق،‮ ‬فينتفي عن الرواية صفة طرح حوار بين الثقافات أو عقد مقارنة‮. ‬في بحث باولا في‮ "‬التيه‮"- ‬تيمنا بالخيميائي‮- ‬تصل إلي الجوهر الذي بحثت عنه صوفي طويلا،‮ ‬وفي بحثهما معا يبقي آلان كشاهد‮ (‬كاتب‮) ‬علي تسلسل أمومي قوي يعتمد علي ما يشبه تناسخ الأرواح‮. ‬وكما تتداخل الأرواح تتداخل الكتابة فلا نستطيع تحديد من الذي يكتب‮: ‬صوفي أم حنيفة أم آلان أم باولا



vendredi 15 juin 2012

الحلم لملء فراغات الواقع

الحلم لملء فراغات الواقع


وُلدت في بيئة ميتافيزيقة، تؤمن بالغيبيات، بقراءة الفنجان، والتفسير الشعبي الشفهي للأحلام. كان لديّ متلازمة صباحية، بأن ألجأ إلى أمي، باعتبارها مصدري الرسمي للتفسير، في كل صباح: شو يعني الميت في المنام؟ شو يعني البكاء؟ ...الخ. وكانت تفسيرات العرّافة أمي تأتيني دوماً موافقة لرغباتي، فالموت هو الولادة، والبكاء هو الفرح، والولادة خبر،... ولأن مناماتي غالباً كابوسية مبنية على الخوف والضياع والمطاردة ... فإن تفسيرات أمي، كانت دوماً مشجّعة للذهاب طوعياً ربما إلى هذا النوع من الأحلام القاسية، لتخفيف قسوة الواقع، عبر تصديق رموز الحلم.

لاحقاً، خرجت من مدرسة أمي لتفسير الأحلام، وطوّرت مرجعيتي، فذهبت، كما يفعل أغلبنا ربما، إلى أول خطوة علمية، أي لدى السيد فرويد.

قرأت تفسير فرويد للأحلام، واستمتعت بتواطؤ اللاشعور، وهو يقدّم لنا وجبات لذيذة، عبر تحوير رغباتنا وتحويلها، كما استمتعت بلعبة الرموز التي تشبه فكّ المعادلات الرياضية أو اللعب بالألغاز، عبر الغوص في تحليل مناماتي.

من مبدأ أن الحلم، هو تحقيق أمنية، وفق فرويد، كنت أنقّب عن رغباتي الخفية، وسط مناماتي، أستمتع بفك شيفرات حلمي، كأنني أتعرّف عليّ وأكتشفني في كل حلم.

أعترف بأنّني كائن ميتافيزيقي، وهذه الصفة، أثرت عالمي الروحي، وسهّلت عليّ حرية الكتابة، إذ أكتب، كما لو أنني أحلم. وللحلم تواجد كبير في أغلب رواياتي.

طوّرت مهاراتي قليلاً، وذهبت إلى" تفسير الأحلام" لبيير داكو، الكتاب الصادر لدى وزارة الثقافة السورية، والذي يتضمن إضافة للشروحات، بعض المفردات الواردة في الأحلام وتفسيرها، كنت أقلّب صفحات المفردات، باحثة عن مفردتي الواردة في حلمي.

تعلمت قليلاً مهارة تحليل حلمي عبر التفسير الذاتي، محاولة مواجهة "لاشعوري" بوصفه شرطيّ يحاول إخفاء الحقيقة عنّي، ومارست هذا التدرب، عبر كتابة أحلامي.

أثناء تدوين الحلم، كنت أكتشف التفسيرات، وإن كانت اللعبة الجميلة، المتقاطعة، مع جمالية الكتابة الإبداعية، هي تعدد التفاسير. إذ إن الأحلام، ليست كالرياضيات، تحتمل عدة تفاسير، لا يمكن في النهاية حسمها، إلا من قبل الحالم نفسه، لأن اللفظة أو الشيء المحلوم به، يختلف من شخص لآخر، حسب علاقة هذا الشخص بالمحلوم به. فالكلب مثلاً، مخلوق محبب لدي، وفق تفسير أمي، الكلب هو صديق، ووفق تفسير ابن سيرين الكلب هو رجل سفيه، ووفق بعض المراجع الفرنسية هو رمز الأب، أو الإخلاص، أما بالنسبة لي، فهو الحماية المعكوسة. لأن علاقتي بكلبتي، لا تعتمد على أنها تحميني، بل على أنها بحاجة إلى حمايتي. ورود الكلب في منامي إذن، هو كائن يحتاج الي، وهذا مثال على اجتهادي في شخصنة كل منا في تفسير حلمه، وفق علاقته الشخصية بالمحلوم به.

قرأت الأواني المستطرقة الذي سجل فيه بروتون أحلامه، وحاول تحليلها. وحلمت دوماً بتدوين أحلامي، ولم أفعل، بسبب الكسل.

منذ عامين تقريباً، بدأت بفعلها. كان ذلك الحلم، الذي وجدت رسالته الواضحة لاحقاً، سبباً لتدوين أحلامي، إذ دخلت في حالة ميتافيزيقية جديدة، أن لاشعوري، يحميني من الصدمة، فيرسل لي برسائل مبكرة، عليّ التقاطها. وهذا ما قلته لفيرونيك، محللتي النفسية، التي كنت أستمتع بالثرثرة معها، حول الكتابة واللاشعور، إذ قلت لها ذات يوم، جملة وردت في أحد أحلامي، وراقت لي كثيراً: أن الأحلام هي مؤسسة أو جمعية لحمايتي من الواقع.

الرسالة الأولى التي تلقيتها في حلم لي، تتعلق بعمّتي، التي كانت بمثابة أمي الروحية، وأغلى كائن لدي. رأيتها عارية، تُجبر بعيون هلعة، رافضة، على الدخول في نفق ضيق، عارية، نحو حمام مليء بالعراة.

يأتيني تفسير أمي التلقائي، باعتباره أول مدارس تفسير الأحلام التي تتلمذتُ عليها، قبل التنقيب عن غيره من تفاسير، العريّ بحسب مدرسة أمي، هو الموت. رؤية عارٍ في المنام، هي خبر موت.

بعد أيام قليلة، ماتت عمتي. ولكنني نسيت أمر الرسائل.

في فرنسا، جاءت الرسالة واضحة وقوية، إذ حلمت أنه لدي موعد في المشفى، لإجراء تحاليل طبية وجدتني أضيع في المشفى، وأدخل سراديب قذرة ملوثة بالدهن البشري والدماء السميكة وكأنني في مسلخ حيوانات. الحلم طويل ومدوّن في المخطوطة التي أعمل عليها، وهي طويلة الأمد، قد تستغرق عشرات السنوات، دوّنت فيها تفاصيل الحلم المرعب، المقزز.

بعد يومين فقط من هذا الحلم، تعرض أحد أهم الأشخاص في حياتي لأزمة عنيفة، كادت تودي بحياته، وقضيت ليلة حتى الصباح في أروقة المشفى مع الممرضين والأطباء، من طابق لآخر، ومن غرفة لأخرى.

اعتبرت أن ذلك الحلم، بمثابة تنبيه لي، لم ألتقط الرسالة، لكنني على الأقل، تهيأت نفسياً، عبر بشاعة الحلم.فقررت تدوين أحلامي، المهمة، والمميزة.

بدأت بكتاب "لاشعوري" الذي أتحدث فيه عن أحلامي المهمة.

ثمة أحلام فنية أستمتع بها، كأنني داخل فيلم يصنعه لاشعوري، أو رواية يكتبها، وهذه الأحلام بالذات، تتطور في اليقظة، إلى كتابات واقعية، أدبية. حتى أنني أحياناً أذهب إلى النوم، كي أحلم، وأستمتع بفيلمٍ غير منتظر.

الكثير من كتاباتي، وعناوين كتبي، أعثر عليها في الحلم.

أتعمّد أن أحلم، أقود حلمي، عبر التحضّر له في أحلام يقظة سابقة وممهّدة، وغالباً ما أفشل. لكنني أوّفق في عناوين كتبي، التي تأتيني في أحلام تدور بين النوم واليقظة. فأستسلم لتفكير مراقب رخوٍ، يمدّني بالأفكار الجديدة، والكثير من منابع الكتابة.

الأحلام الكبيرة أو الرئيسية، تفتح أمامي طاقات من المخيلة ونبش الذاكرة، كيف تأتيني في الحلم، صورة صديقة لم أرها منذ عشرين سنة مثلاً، لأقوم بجولة معها في شوارع باريس، ونتسوق ونضحك كمراهقتين، وواقعياً لا أعرف عنها أي شيء، ربما هي أم لمجموعة أولاد، ولا يُسمح لها بالخروج دون محرم.

لكن تفسير أحلامي، التي أكتبها، تدهشني، فيكون كل حلم، وتفسيره الذي لا يأتي في اللحظة ذاتها، بل على دفعات، بمثابة نزول خطوة نحو أعماقي، نحو لاشعوري، نحو معرفة ذاتي الخبيئة عني، ومن منّا، يعرف نفسه تماماً!

أعتقد أن الحلم والواقع وجهان لعيش واحد،إذ يتمّم الحلم نقص الواقع، ولو طبقنا الحلم، كورقة أو قطعة قماش، ووضعناه فوق الواقع، لامتلأت فراغات الواقع عبر الحلم، وفراغات الحلم عبر الواقع. الحلم هو قراءة السطور الناقصة للواقع. بل هو نحت وروتوش للواقع، لفهمه أكثر، لتجميله، أو لتقبيحه. الحلم وسيلة لفهم الواقع، وبالنسبة لي ككاتبة، طريق لا غنى عنه، للتأكد من كتابتي، التي يصادق عليها حلمي. أي حلم أدبي يتعلق بكتابتي، هو بمثابة خاتم اللاشعور وموافقتي العميقة على ما أكتب. لولا الحلم، لنقصني الكثير من يقين الكتابة، التي أفتقدها دائماً، ويخفف الحلم من مخاوفي حولها.
 مها حسن ـ السفير الثقافي

mardi 7 février 2012

رسالة إلى ديستويفسكي

عزيزي السيد ديستويفسكي المحترم



تخطر على بالي كثيراً هذه الأيام، لا بوصفك روائياً كبيراً فقط، إنما كمواطن روسيّ أيضاً.



ربما لم تتوقع يوماً أن تنتشر شخصياتك في العالم بأسره، والعربي منه تحديداً، أن يصبح «كارامازوف» اسماً عالمياً، وألا يجهل أحد يقرأ الأدب، ويعرف عن الرواية،عناوين مثل «الأبله» أو «الجريمة والعقاب» أو» مذلون مهانون» أو أي عنوان آخر من إبداعاتك.



في شكل أكثر انتشاراً من أقرانك، من الذين أحبّهم القارئ العربي، والقارئ الشرق - أوسطي. في شكل أكثر كثافة من مواطنيك، ليرمنتوف ومايا كوفسكي وتشيخوف وغوغول وتولستوي وغوركي وبوشكين، الذي أطلق أحد أبناء عمومتي اسمه على ابنه، تبقى أنت الأكثر تميّزاً في جيلي، لأن الرواية «الديستويفسكية»غدت مدرسة واصطلاحاً.



في أحد الأيام، وأنا أحب أن أذكر لك هذه الحادثة الطريفة، جرى حوار بين صديق قديم لي مع بعض الأصدقاء الآخرين، كانوا يتحدثون عن الأدب، حين قال أحدهم مستهجناً وساخراً:» ومن يكون هذا الديستويفسكي؟»، فما كان من صديقي،إلا أن خلع حذاءه، ورمى به ذلك الرجل.انتظر،لا تلمه كثيراً، فقد لام صديقي نفسه بما يكفي،ولا يزال يؤثّم نفسه حتى اليوم،لأنه لجأ إلى العنف، وأهان إنساناً، فقط لأن اسمك «ديستويفسكي» كان بمثابة «تابو» بالنسبة اليه، كما لو أن إلهاً له قد أُهين.



لا أعرف إن كانت قيمتك في عالمنا تهمك، أو لا، لأنك لم تسعَ إلى الشهرة والانتشار. ولكنني لا أكتب لك لأعلمك بأهميتك ومدى انتشار كتبك وشخصياتك في السينما والتلفزة والرواية العربية. إنما لأصف لك العار الذي تمثّله بلادك.



أعتقد، وأكاد أجزم، أنك لو كنت حياً اليوم، لخرجت في وجه حكومتك، وتظاهرت ضدها مطالباً بإسقاطها، حتى لو كانت ستنفيك مجدداً إلى سيبيريا، كما فعلت من قبل، جاهلة أهميتك.



أما اليوم، وبعد أن أنهت روسيا عصر القياصرة، واتجهت نحو الضوء والحرية، واستعادت كرامتها، كما ينبغي،وأقرّت بك كأحد أهم مبدعيها،أرى أنها ترتكب حماقة أخلاقية، لا بحقك فقط كمبدع ينتمي إلى جغرافيتها، بل وبحق كل إنسان يطالب بحرية الإنسان،ويدافع عن حق العيش بكرامة.



أنت تعرف جيداً عزيزي ديستويفكسي معنى الظلم، معنى القهر، ومعنى الخوف. لقد ساهمتَ بتشكيل جماعة التفكير المتحرر» جماعة دائرة بتراشيفيسكي»، فقامت روسيا القيصرية باعتقالك، وحكمت عليك بالإعدام، ثم خفّفوا حكمهم بالنفي والأعمال الشاقة.



كتبتَ، عزيزي ديستويفسكي،عن آلام الاعتقال، عن الاضطجاع داخل تابوت،عن البرد والقذارة والعفن والبراغيث والقمل والخنافس السوداء وكل ذلك العالم المرعب في سجون القياصرة.



اليوم، في سورية، وبعد مئة واثنين وستين عاماً من تاريخ اعتقالك، يتكرر المشهد ذاته، بل ويفوقه ظلماً وطغياناً ، حيث يقطعون أعضاء المعتقلين التناسلية، يبترون حناجرهم، يشقون بطونهم، يقطعون أيادي الفتيات بعد أن يغتصبهن.. وأشياء أكثر فظاعة، لو حكيتها لك دفعة واحدة، لتعذّر على رسالتي هذه وصولها إليك.



ربما لم تكن كاتباً ملتزماً كما قد يحصر التقليديون مفهوم الالتزام، ولكنك كنت هكذا، كما أراك، وغيري ممن يرون الالتزام بالشرط الإنساني، هو الأوسع والأكبر والأشمل من الالتزام السياسي.



إن تبنّيك لألم «الأبله» والدفاع عنه، وتركيزك على وجع الـ» مذلون مهانون»، وتحليلك وتوصيفك الدقيق لراسكولنيكوف، يدل على تبنّيك للبطل الهامشي،الضعيف،المقهور،أمام الجماعة الكبيرة، المتسلطة،الفاحشة الثراء،المستبدة...لهذا فأنا لا أشك لحظة، في تبنّيك لرموز الربيع العربي، ووقوفك إلى جانب الشعوب المتطلّعة إلى العيش بكرامة وكبرياء، بينما يحاول الطغاة الذين يقمعون شخوصك، والذين قمعوك أنت شخصياً، والذين يقمعون حرية الفنان والمبدع والإنسان في كل مكان، ويسلطون الآلة صوبه لمحوه.. يحاولون قتل الربيع فينا.



عزيزي ديستويفسكي:



لا أحاول التأثير فيك، أو استدراجك لتقف مع شعوب العالم المقهور،والمتطلّع نحو الخلاص، فأنا أثق بوقوفك هذا، لكنني أكتب لك وأطالبك بالتنحّي عن الانتماء إلى روسيا الحالية.روسيا التي تقف مع القاتل، التي ترتكب أخطاء لا يمكن غفرانها، بحق الشعوب، وبحق العدالة ذاتها.



أعرف أن روسيا الحاكمة،لا تمثل روسيا الشعب، ولا روسيا الفن، ولا روسيا الرواية، ولكن إعلانك بالانسحاب والتخلي عن هذه الجنسية، للبلد الذي يحكمه مساندو الطغاة، ومسوّغو جرائمهم، ومبيّضوها،هو موقف تنتظره الشعوب الذاهبة نحو الحرية، والتي تقف حكومة بلدك مع طغاتها، لتكرار الجريمة التي مورست بحقك ذات يوم، حيث يحاولون إرسالنا إلى السجون أو الموت، إلى سيبريانا نحن، سيبريا العرب،وسيبيريا سورية.



عزيزي ديستويفسكي،



ارمِ أوراق انتمائك إلى هذا البلد، الذي لا يستحقك، ولتكن صفعة بوجهه، إلى أن تستعيد حكومته وعيها، وتتنبّه إلى الحماقة التي ترتكبها.



بكل حب ووفاء لروحك النبيلة ووقوفك غير المشروط مع المطالبين بالحرية والرافضين للذل والمهانة.



ملاحظة: نُشرت هذه المادة في جريدة الحياة تحت عنوان: لو كنتَ حياً يا  ديستويفسكي لتظاهرت ضد حكومتك



mercredi 1 février 2012

الكاتبة السورية مها حسن: الدافع الأول لكتابتي كأمرأة هو الدفاع عن فرديتي وسط المجموع

أجرى الحوار عبد المنعم الشنتوف: تعتبر مها حسن الكاتبة والروائية السورية المقيمة في العاصمة الفرنسية باريس منذ سنوات صوتا متميزا في المشهد الإبداعي العربي المعاصر. أبدعت عددا من الأعمال الروائية نذكر من بينها 'اللامتناهي: سيرة الآخر'، 'تراتيل العدم'، 'الحبل السري'، 'بنات البراري'.

وهي تشتغل في السياق ذاته بالكتابة الصحافية وتعبر بجرأة عن مواقفها الفكرية والسياسية خصوصا فيما له تعلق بالدفاع عن حقوق المرأة أو حضور الهوية الثقافية واللغوية الكردية. كان هذا الحوار مناسبة للاقتراب من رؤيتها للكتابة الإبداعية والدور الذي قد تضطلع به في الارتقاء بالذات إلى مستوى الحضور الفاعل في العالم علاوة على رؤيتها لواقع الحريات في العالم العربي من منطلق انتمائها إلى التاريخ الثقافي الكردي الخصب وتصورها لمستقبل العالم العربي بعد ما أصبح يعرف بالربيع العربي.

تتميز الكاتبة بجرأتها في التعبير واعتناقها لقيمة الاختلاف في سياق من التسامح والاعتراف بحضور الآخر. ويمكن أن نرى إلى مجمل تحققاتها النصية باعتبارها تمثيلا لاختيار في الكتابة السردية يراهن على مؤالفة ذكية وراقية بين الجمالي والمعرفي..

الحوار:

* أود لو أعود بك إلى بدايات تخلق التجربة الإبداعية. كيف حدث الانفتاح على الكتابة؟ لماذا اختيار السرد؟ نعرف أن السرد فعل أنثوي بامتياز. هل كان لاختيارك هذا الشكل التعبيري علائق خاصة بتفاصيل من سيرتك الحياتية؟ أنت سورية من أصول كردية؛ وهذا يعني أنك تنتمين جغرافيا وتاريخيا إلى هذا الهامش بالمقارنة مع المركز واستلزاماته. هل يمكننا تأويل اختيارك للسرد باعتباره قرينة دالة على رغبة في الاحتجاج ضد الكبت والإقصاء ووطأة التهميش؟

*يُسعدني اعتبارك أن السرد فعل أنثوي، من هنا تماماً تبدأ علاقتي بالسرد، منذ اكتشاف جنسي أو نوعي، والقهر الواقع عليّ وعلى بنات جنسي. حين بدأتُ الكتابة، كان الأمر بمثابة فعل احتجاج على عالم الذكور. نشأت في بيئة محافظة جداً، تقيم كل الأوزان للرجال، ولا تترك للمرأة أي حيّز، سوى ذلك الذي يقرره ويحدده الرجل. مبكّراً تولدت لديّ هذه الحالة الاحتجاجية، من خلال شعوري بالحنق من التمييز التربوي، إذ يتاح للذكر ما لا يُتاح للمرأة من هوامش، داخل المنزل الواحد حتى. من هنا، فإن هويتي الجنسية كانت السباقة، وكان وعيي بنوعي، كامرأة، قبل وعيي بأصولي ككردية، لأن القمع الذي تتعرض له النساء واحد في كل تلك المجتمعات المتشابهة، والمتواطئة في عقد جماعي، يُخضع المرأة. ثمة شيء سأقوله للمرة الأولى هنا، أن الدافع الأول لكتابتي، هو الخوف. كامرأة، عانيت مبكراً من الخوف، ومن وحدتي في هذا الخوف، حيث ضمن'العقد الاجتماعي'، تجد المرأة التي تعي فرديتها، نفسها وحيدة، دون دفاع اجتماعي، لهذا فإن محرّك كتابتي كان الدفاع عن الذات الفردية، ضد الخوف الواسع، الجمعي.

*شرعت في الكتابة في تسعينيات القرن الفارط بإصدارك لباكورة نصوصك الروائية 'اللامتناهي: سيرة الآخر'عن دار الحوار بسورية عام 1995. هل يمكنك أن تسلطي الضوء على هاته البدايات؟ هل كان الانشغال السردي بـ 'الآخر' محصلة توقك إلى اكتشاف المختلف ثقافيا وتاريخيا وتعبيرا عن الحصار الذي كنت تعانين منه آنذاك؟

*في اللامتناهي كان لدي هاجس الهوية، الهوية الفردية والهوية الفنية، لهذا حاولت، في أول نص لي، كسر شكل الرواية، حاولت صياغة شكل كتابي مختلف، ليس سيرة ذاتية، بل سيرة الآخر. لا يزال هذا الكتاب من أقرب كتبي إليّ، كأنه الحب الأول، أرتبط به، وأحزن عليه. لا أزال أنظر إلى (أدهم بن ورقة) بطل الكتاب، في وحدته وعزلته رغم كل هذه السنوات، لكن أحداً لم يفهمه، وكأن العقد الاجتماعي يسحب شروطه على الفن، ليقع البطل الفرد أسير القمع الجمعي الفني، إذ أن الشروط الإبداعية في العالم العربي لا تؤمن، ولا تشجع على التمايز، بل على التماثل. لا أزال أنظر بحسرة على كلمات أدهم بن ورقة، في بداية الكتاب، الرواية ربما: (الحياة قائمة على التناقض والتضاد، لا على التماثل والتوازي)، لذا فانشغالي بالآخر كان شكلياً، إلا أنه في العمق، هو انشغال بالذات التي هي نواة ذلك الآخر، برأيي.

*اصدرت عام 2009 روايتك 'تراتيل العدم' عن دار الكوكب رياض الريس. يبدو لي من خلال قراءتي لهذا العمل المتميز من حيث معماره السردي وطبيعة مقصديته المعرفية أنك راهنت على الإسهام في التأريخ السردي لسيرة الذات الكردية في سياق بحثها عن مكان تحت الشمس إن صح هذا التعبير. كيف يمكنك تفسير ذلك؟ وما هي المسافة التي احتفظت بها مع التجارب السردية السابقة وأفكر تخصيصا في سليم بركات؟

*لم أراهن على أي إسهام. حين أكتب، فإنني لا أمتلك أحلاماً كبيرة عن أثر كتابتي. سأتابع ما قلته لك في ردي على السؤال الأول، وما لم أقله ذات يوم، أن كتابتي، وتعدديتي الأسلوبية، وبحثي عن الاختلاف، كلها محاولات للدفاع عن فرديتي ضد القمع الجمعي. ليست لديّ أفكار إيديولوجية في كتابتي، ولا يعنيني أن أكون كردية أو أمازيغية أثناء الكتابة، لأن الكتابة فعل إبداعي تخييلي مرافق لاشتغال واعي ومعرفي، لا يمت للإيديولوجيا بصلة. ولكن تأتي لاحقاً العوالم والتفاصيل التي تتسرّب إلى كتابتي، بقصدية أحياناً، ودون قصد في بعض الأحايين، كتمايز بيولوجي معرفي. أنا مؤمنة بالأنثربولوجيا، ومؤمنة بعلاقة الفن بالمورثات الجينية. ربما نقلت لي جدتي الكردية بعض الولع بالإبداع، الذي كانت تمارسه، كامرأة أميّة، عبر الحكايا الشفهية... لجدتي الكردية تأثير كبير على عوالمي الروحية، ولكن هذا لا علاقة له كثيراً بمفهوم الاضطهاد الجمعي للهوية الكردية، بقدر ما له علاقة بالاضطهاد الجمعي، والتواطؤ العام على الفرد وتفاصيله الداخلية.

*تشكل روايتك المثيرة 'حبل سري' الصادرة عام 2010 عن دار الكوكب رياض الريس تأريخا إبداعيا مكثفا لتجربة الانتقال من سورية إلى فرنسا. إنها رواية اللقاء بالآخر وإعادة اكتشاف 'الذات'. هل يمكننا النظر إلى هذا النص باعتباره رواية سير ذاتية؟ وأين يتقاطع الروائي والسيري في هذا العمل؟ هل يسع القارئ تمثل ظلال لشخصيتك في نموذج باولا بيران مثلا؟

*ثمة الكثير من هواجسي الذاتية في هذه الرواية، خاصة هاجسي الهوية والوطن. إن كرديتي تشكل بطريقة ما حالة'حرمان' أو 'عقاب' مسبق. أن تكون كردياً غير متحزّب أو منضوٍ تحت لواء جماعة، أن تحتفظ بفرديتك الإبداعية، وأن تكتب باللغة العربية، التي تربيت عليها، وامتلكت فهمك للعالم عبرها، هو معركة لم أخترها. أنا لستُ مقاتلة، في العمق أنا كائن اضطر للدفاع عن فكرته عن العالم، ووجد نفسه دوماً في ساحات الخصام العنيفة. كرديتي كشكل من أشكال 'التهمة' الجاهزة، وجدت متنفّسها الإبداعي عبر 'حبل سري'. هناك الكثير من السيري في هذه الرواية، ولن أستطيع الإجابة عن تحديد مواقعه ومواقع الروائي، لأنني سأدخل في تفصيل إرضاء شهوة القارئ المتلصص على الكاتبة المرأة. ولكنني أعترف أن بعض الشخصيات الواردة في الرواية، قابلتها في حياتي الفعلية، إلا أنني اشتغلت عليها ومررتها عبر غربالي الكتابي، حتى أن بعضهم، لا يعرفون أنفسهم في الكتاب. أما عن القول بأن صوفي بيران تمثل ظلال شخصيتي، أجيبك أنها ربما تمثّل الجانب غير الواعيّ مني، إنها'لاوعيي' المنفلت، ورغبتي ربما في أن أكونها، لكنني في الحياة أقل جرأة وميلاً إلى المغامرة منها، لكننا نتقاسم الخوف وعدم الإحساس بالأمان والمطاردة من الآخر المختلف، المؤثّم.

*الرواية في السياق ذاته تمجيد للجسد ومعجمه الشهوي ومحاكمة صارمة للأغلال التي تكبله في 'الشرق' أرض البدايات. اكتشفت في هذا الخصوص هيمنة التقابل الحاد بين الشرق باعتباره فضاء للأحادية وسطوة التطابق وتمثيلاته والغرب باعتباره قرينا للخصب والحرية والانعتاق من سلطة النماذج المتعالية والجاهزة. أفكر في هذا السياق في الحرج الذي استشعرته إحدى قريبات باولا بيران أثناء زيارة هاته الأخيرة لحلب حين عمدت إلى خلع تبانها وحمالتي ثدييها ونومها عارية تحت اللحاف. كيف يمكنك أن تفسري هذا التقابل وامتداداته الدلالية؟

*تقصد التناقض أكثر منه التقابل. أن تعيش في الغرب وتحيا تفاصيله اليومية، تجد نفسك أمام شرق قروسطوي فيما يتعلق بالجسد. إذ لا تتم محاكمة الشخص أخلاقياً بناء على حياته الجنسية. من أجمل الأمثلة التي لا تزال تثير مخيلتي عن صورة الرجل الفارس، ما يحصل غالباً، حين تقع الزوجة أو الحبيبة في علاقة مع رجل آخر، يحاول الرجل الأول فعل كل شيء، بحب ، لاستعادة امرأته، وليس عبر ضربها أو تخويفها.... إن الرجل الذي تذهب امرأته مع شخص آخر، لا يؤثّم فعلها، بل يحاول أن يستعيدها عبر منافسة جمالية وعاطفية مع الشخص الآخر، لا عبر النبذ والعنف. هناك أمثلة كثيرة على الحب بشقّه الغربي، الذي يبدو غريباً بل ومُداناً لدى الشرق. إن فعل الجنس لا يزال يُسمى لدى الغرب بممارسة الحب، حتى أن الكثير من الشرقيين يسخرون أحياناً من المداعبات الطويلة بين الغربيين، قبل ممارسة الحب، الأمر الذي لا يعني الكثير من 'الفيزيك' بل هو مزيج من الرغبة والمخيلة واستدراج الفعل. كامرأة شرقية، وجدت في الغرب الكثير من حريتي، التي لا تعني ممارسة الجنس كما قد يفهمهما السطحيون، بل حريتي في الملبس، دون أن أكون محل إثارة أو تهمة. فالجسد ليس تهمة، وحين أقول الجسد، فأنا أعني طبعا كلا من جسدي المرآة والرجل.

*يكتب أمجد ناصر على لسان بطل روايته 'حيث لا تسقط الأمطار': 'الشرق ليس شرقا دائما والغرب ليس غربا دائما'. وقد لاحظت كيف عجزت باولا بيران عن استشراف والانسجام مع فضاء 'حلب' مسقط رأس أمها صوفي بيران أو حنيفة. ولم ينفع ارتباطها بروني وحملها منه في تحقيق هاته الغاية. ومن هنا، كان قرار العودة 'النهائية' إلى باريس مؤشرا على طلاق تام بين الشرق والغرب. هل يمكنك أن تسلطي الضوء أكثر على هذا الاختيار المعرفي؟ وهل تعتقدين حقيقة في هذا التقابل الضدي التام بين الشرق بما هو قرين للاستبداد والغرب باعتباره فضاء للحرية والخصب؟

*من أصعب لحظات الكتابة، كان اتخاذ قرار باولا بالعودة. في البداية، تركت باولا تدافع في سورية رفقة روني، ثم انحزت لحقوق المرأة أكثر من الحب. ليس الغرب جنة بالتأكيد، وثمة الكثير من المعاناة في الغرب، فهو أيضاً محكوم بصيغ مسبقة وأفكار نمطية. لا يزال الغرب غبياً في التعامل مع المثقف الشرقي، أو المختلف، لا يزال ينظر إلينا بعين الدونية، وينظر إلى كتابتنا على أنها مجرد وثائق وشهادات عن تخلف العالم العربي والإسلامي. الغرب أيضاً مُصاب بقصر نظر، ولكن خياري الروائي هو الحرية، إذ أنك تستطيع أن تقول للأعور أعور في عينه' مثل مشرقي'، ولكنك في بلادنا العربية، لا تملك حق التعبير والاختلاف. الشرق مستبدّ برأيي، ولكن الغرب متعالٍ وأحمق في عدم رؤيته الدقيقة للآخر. وحين أقول شرق أو غرب، فأنا لا أعمم طبعاً، ثمة مشرقيون متقدمون كثيراً عن الغربيين، وثمة غربيون مطّلعون على قضايانا ومنحازون لنا، أكثر من أبناء جلدتنا، أتحدث فقط عن الأغلبيات، وعن النماذج الكبرى، مؤمنة بالفوارق، كي لا أكون عمياء أو حولاء، فأنظر من جهة واحدة.

*روايتك الأخيرة 'بنات البراري' الصادرة عام 2011 عن دار الكوكب محاكمة سردية قوية لتاريخ طويل من قهر 'الذكورة' للأنوثة ولغاتها التعبيرية. تتأسس الرواية على إرادة فضح 'جرائم الشرف' السائدة بطريقة مأساوية في بقاع من عالمنا العربي. هل يمكن للقارئ أن يتمثل هذا العمل السردي الجميل وعوالمه باعتباره إسهاما في كتابة تاريخ 'المرأة' وتخليصه من وضع 'الهامش؟

*يبقى هاجس المرأة أحد نقاط ضعفي الفنية، لأنه ينقلني أحياناً إلى الشعار والخطاب الاجتماعي. لا أحب أن أكون كاتبة قضية، ولكن كوني امرأة وضحية لهذه الثقافة، وكما قلت في أحد حواراتي، كنتُ شخصياً مهيأة لأكون 'ضحية شرف'، حيث لا تميز المجتمعات الشرقية التي تطبق قانون الشرف بين ضحية مثقفة،أو ضحية إبداعية، وأخرى غير هذا. إنها تقتل الكاتبة والمحامية وربة البيت والفلاحة والخيّاطة... إن سكين الشرف قد تطال أية امرأة، وأنا نشأت في بيئة تطبق هذا القانون. إن إعلاء دور الرجل في عائلتي مثلاً، مرده الشرف. إن التميز في بيئتي هو 'الذكورة' أي تميز فيزيولوجي جنسي، لا علاقة له بالتميز الفردي أو الموهبة أو المعرفة. من هنا أجدني مجبرة على 'المساهمة' كما تقول في نص سؤالك، أو محاولة المساهمة في كتابة تاريخ المرأة... إنني بشكل ما، لا أزال أدافع عنّي. ككائن متهم، إذ ولد أولاً، أنثى... محاطاً بالترهيب والتخويف، كونه بركانا متحرك من الخطر.

*هل تعتقدين أن الربيع العربي والحراك الثوري الذي تمخض عنه قد يسهم بطريقة أو بأخرى في تجاوز الأعطاب التي تشل جسد الثقافة العربية وترتقي بها إلى مستوى الحضور الإيجابي والفاعل في العالم؟ كيف يمكن للرواية بما هي شكل تعبيري أن تؤرخ لهاته التحولات؟

*تجاوز الأعطاب كما تصفه، يحتاج إلى وقت طويل. لا يمكن للرواية أن تعبرعن هذه التحولات ونحن لا نزال نحياها، ولا نعرف ماذا يخبئ لنا المستقبل. المشكلة أن هذا الحراك الذي قام ضد القمع والديكتاتورية، مطالباً بالحرية والديمقراطية يتم سرقته لاحقاً. إن سرقة ثورات الربيع العربي من قبل جماعات لا تمت لمفهوم الحرية والديمقراطية بصلة، ستجعلنا أمام سلسلة أخرى من الثورات... أظن هذا سيترك أثره السلبي السيئ على الرواية لفترة لا بأس بها. لست متفائلة فيما يخص أشكال التعبير، متفائلة فيما يخص ثراء التجربة، وربما بعض حريات التعبير. أتفق معك وأنت المتحدث غالبا عن'ثورات ثقافية'... أعتقد أننا في بداية الطريق، وأننا سنعاني طويلاً، أتمنى أن أكون على خطأ.

lundi 16 janvier 2012

A Prophecy of Blood

Maha Hassan: A Prophecy of Blood




In 'Banat al-Barari', Hassan weaves the story around a myth and presents it to the reader in a shocking way. She addresses the issue of honor crimes in an explicit way, describing her main character’s head being cut off and hung. (Photo: Marwan Tahtah)By: Mariam Abdallah



Published Tuesday, January 10, 2012



Syrian writer Maha Hassan has made a career out of challenging patriarchy, which inevitably forced her into exile. Even from afar, her work continues to focus on critical social issues in the Arab world.



Syrian novelist Maha Hassan (b. 1966) describes herself as a writer devoted to the concerns of women. Her latest novel Banat al-Barari (Daughters of the Wilderness) “was published at the wrong time” – as she says – given what is happening in Syria and the Arab world.



But the current focus on regional events and the Arab uprisings does not mean that raising sensitive issues, such as honor crimes, is no longer a pressing matter, because the “killing of women is vicious,” she asserts.



Hassan, author of Habal Sirri (Secret Pregnancy, 2010), likes to distinguish between journalistic and human rights organizations’ reports one one hand, and literary texts on the other.



“A novel is a work of art, not a report,” she says.



In Banat al-Barari, Hassan weaves the story around a myth and presents it to the reader in a shocking way. She addresses the issue of honor crimes in an explicit way, describing her main character’s head being cut off and hung.



The main character, a young woman, loves a man named Ibrahim and eventually becomes pregnant with his child. She is consequently slaughtered as a punishment by her brothers. The entire village then comes under a curse following the young woman’s death.



The intent behind the novel is to counter-punish a society that legitimizes the slaughtering of women. “But the novel is not a call to pass a law for punishing honor crimes,” she says.



Driven by her belief in the organic intellectual’s role, Hassan maintains that the writer has a certain responsibility to society.



Despite her emigration to France, she is still connected to the East.



“My main concern is Eastern women, polygamy, honor crimes, violence against women, political detention, and all issues pertaining to democracy and liberties,” she says.



Because she has been unable to ignore the suffering of others, she has turned to writing political articles as a kind of “duty and moral obligation.”



She writes about women who resemble her because she is still fighting. Through her writing, Hassan endeavors to cut her links with the past and cure the society she was raised in from its sickness.



But this break with traditional patriarchal society does not prevent Hassan from remembering her childhood and her father.



“His oppressive upbringing, concern for his image through my behavior, and his rejection of my social life have compelled me to go all the way,” she says of her father.



As a child, Hassan loved acting. One year, her mandatory training in the “Vanguards of the Baath” was replaced by an art festival. Thus, Hassan developed a passion for the theater plagued with frustration, because her conservative family viewed actresses “as women with a bad reputation.”



Today she does not regret being denied a career on stage. Instead, she sees herself more as a writer. Throughout her five novels, Hassan delved into the issues of language.



Regarding herself as an experimental writer, each one of her novels has its own independent linguistic fabric. She rediscovers herself and her tools with every novel, and creates a new horizon with every text.



Since writing often involves taking a position, Hassan decided to leave Syria after her writings were censored and she was subjected to harassment.



Her 2009 novel Tarateel al-Adam (Hymns of Nothingness) was banned in Syria.



In an attempt to trick the censors she changed the title of the book, but it was banned nevertheless. Thus, she says, “the publisher was forced to publish the book in Paris instead of Aleppo.”



Her novel Habal Sirri faced the same fate, even though it can be found in Damascus today. When an article was published in the Syrian newspaper Tishreen about the book, Hassan was surprised and commented sarcastically: “There is democracy indeed.”



Hassan believes that Syria’s current phase of conflict and political instability will not lead to civil war. In her opinion, the Arab Spring — a term she does not like — is not a romantic state where justice for minorities, such as the Kurds, will prevail.



Thus, she sees an Arab Spring in Tunisia, Egypt, Libya, and Yemen, but a multi-ethnic spring in Syria.



Since cultural corruption was an inevitable result of political corruption, Hassan hopes that the revolutions will put an end to the “culture of loyalty and submission” in the arts.



Before Habal Sirri was nominated for the Arab Booker Prize, Hassan considered herself a marginalized writer.



“This nomination was a form of recognition by the Arab cultural milieu of my work and it drew attention to my writings. However, Arab awards should be more concerned with creativity than with names…and should be free of the big star syndrome,” she says.



She suggests that the bloody theme of Banat al-Barari gave the reader a glimpse of the future.



“The entire village was destroyed and the red curse was inflicted on it. This could be some sort of prognosis of what Syria is going through today,” she explains.



While Hassan writes continuously, trying to publish one book every year, she does not consider quantitative writing to be flawed.



“I am someone who does not stop writing,” she says.



Nevertheless, she believes that the turmoil taking place in the Arab world may be an obstacle to publishing books that are “far from the reality and the reader.”





--------------------------------------------------------------------------------



Maha Hassan was born in Aleppo, where she obtained a degree in law. She published her first novel Al-Lamotanahi – Seerat al-Akhar (The Infinite – Biography of the Other) in 1995.



It was not until 2002 that she produced her second work, Lawhat al-Ghilaf – Judran al-Khayba Aala (Cover Picture – The Walls of Disappointment are Higher).



Hassan has been active in the field of human rights and received a Hellman/Hammett grant from Human Rights Watch in 2005. She writes in both Arabic and French.



This article is an edited translation from the Arabic Edition
E-mail:maha.hassan@wanadoo.fr

mardi 3 janvier 2012

مها حسن... نبوءة الدم

روايتها الجديدة «بنات البراري» (الريّس)، حملت بعداً استشرافيّاً على حافة البركان الذي تعيشه المنطقة. الروائية السورية المقيمة في فرنسا تكتب عن جرائم الشرف، وتقف في مواجهة المجتمع الذي يشرّعها، وتطمح إلى تحرّر الثقافة العربيّة من ذهنيّة الولاء والخضوع

مريم عبد الله

تصنّف الروائية السورية مها حسن (1966) نفسها كاتبةً معنية بهمّ المرأة، رغم أنّ عملها الروائي الأخير «بنات البراري» (الريّس ــ2011)، «جاء في وقت غير مناسب» ـــ كما تقول ـــ بسبب الأحداث في سوريا والعالم العربي. لكنّ هواجس اللحظة، لا تعني أنّ طرح مسائل حسّاسة مثل جرائم الشرف، لم يعد ملحاً، لأنّ «قتل النساء عملية همجية»، تؤكّد. تميّز صاحبة «حبل سرّي» (2010) بين التقرير الصحافي وتقارير المنظمات الحقوقية، وبين النصّ الأدبي... «فالرواية فنّ، وليست ريبورتاجاً».

في «بنات البراري»، أغرقت حسن خيارها الفنّي بالأسطورة، وقدمته إلى القارئ بطريقة صادمة. تناولت قضية جرائم الشرف، متعمدةً قساوة المشهد، في وصفها لرأس سلطانة المقطوع والمعلق. أحبّت الشابة إبراهيم وحملت منه، فعوقبت بالذبح على أيدي إخوتها، لتلحق لعنة موتها بالقرية بأكملها. النيّة من العمل معاقبة مضادة للمجتمع الذي يشرّع ذبح المرأة، «لكنّ الرواية ليست دعوةً إلى سنّ قانون يحاسب جرائم الشرف»، كما تقول.

انطلاقاً من إيمانها بدور المثقف العضوي، ترى حسن أنّ هناك نوعاً من المسؤولية يقع على عاتق الكاتب. ورغم هجرتها إلى فرنسا، ترى حسن أنّها لا تزال «مرتبطة بالشرق (...) هاجسي هو المرأة الشرقية، وتعدد الزوجات، جرائم الشرف والعنف ضد المرأة، الاعتقال السياسي وكل مسائل الديموقراطية والحريات». ولأنّها لا تستطيع إدارة ظهرها لمعاناة الآخرين، اتجهت إلى كتابة المقالات السياسية، كنوع من «الواجب والالتزام الأخلاقي».

تكتب عن نساء يشبهنها، لأنّها ما زالت تدافع عن نفسها. الكتابة بالنسبة إليها محاولة لقطع حبل السرّة مع الماضي، ومحاولة للشفاء من أمراض المجتمع الذي نشأت فيه، لكن القطيعة مع المجتمع الذكوري، لا تمنعها من استعادة صورة الأب الذي أخذها إلى عالم الكتابة: «تربيته القمعية وخوفه على صورته من خلالي، ورفضه لحياتي الاجتماعية، أنتجت لديّ توقاً للذهاب إلى الأشياء حتى النهاية».

أحبت مها التمثيل في طفولتها... وصودف في إحدى السنوات، أن استبدل التدريب في المعسكرات الإجبارية لشبيبة «طلائع البعث» بمهرجان فني، لينتهي بها المطاف إلى هوس بالمسرح كان الخلاص منه نوعاً من العذاب، بسبب منطق عائلتها المحافظ، الذي يرى أنّ الممثلات «نساء سيئات السمعة»، لكنّها لا تشعر بالندم الآن، لأنّها وجدت نفسها على نحو أفضل في عالم الرواية. في أعمالها الروائية الخمسة، شُغلت مها حسن كثيراً بمسألة اللغة. كل واحد من أعمالها، له نسيجها اللغوي الخاص والمستقل، وخصوصاً أنّها تعدّ نفسها كاتبة تجريبية، تكتشف في كلّ مرة نفسها وأدواتها، وتفتح في كلّ نصّ أفقاً جديداً. ولأنّ الكتابة موقف، قررت مغادرة سوريا بسبب منع أعمالها وتعرضها لمضايقات كثيرة، تتحاشى الخوض في تفاصيلها. منعت روايتها «تراتيل العدم» (الكوكب/ 2009) في بلادها. قررت التحايل على الرقابة من خلال تغيير العنوان، لكنّ العمل رفض مرّة أخرى. لهذا «اضطر الناشر إلى إصدراها من باريس لا من حلب». وتكررت التضييقات على عملها «حبل سريّ»، إذ كانت طباعته مستحيلة في سوريا، رغم أنّه متوافر في المكتبات الدمشقيّة اليوم. وحين كتبت عنه صحيفة «تشرين» مقالاً، أثار الأمر استغرابها وسخريتها: «فعلاً هناك ديموقراطيّة، رحتُ أقول!». مها حسن، التي زارت بيروت أخيراً، ترى أنَّ سوريا تمرّ بمرحلة صراعات وعدم استقرار سياسي، لكنّها لن تصل بها إلى حرب أهليّة. الربيع العربي ليس حالةً رومانسيّة في رأيها، رغم تحفّظها الشخصي على مسمّى «الربيع العربي»، الذي تجد فيه ظلماً للأقليات، «ومنهم الأكراد الذين ثاروا على النظام منذ عام 2004». هكذا، تراه ربيعاً عربياً في تونس ومصر وليبيا واليمن، وربيعاً سورياً في سوريا. ولأنّ الفساد الثقافي كان النتاج الحتمي للفساد السياسي للأنظمة العربيّة، تطمح حسن إلى أن تغيّر الثورات الثقافة، وتجعلها تخلع عن نفسها ثوب «ثقافة الولاء والخضوع».

قبل ترشيح «حبل سريّ» لجائزة «بوكر» العربيّة، كانت مها حسن تعدّ نفسها من الكتاب الهامشيين. «منحني الترشيح اعتراف الوسط الثقافي العربي، ونبّه الآخرين إلى كتاباتي، لكن على الجوائز العربية أن تهتم بالإبداع أكثر من اهتمامها بالأسماء (...) وأن تتخلّص من عقدة النجوم الكبار».

تيمة الدم الحاضرة في «بنات البراري» تعطي هذه الرواية طابع النبوءة: «حطمت القرية بكاملها، وأنزلت بها لعنة الأحمر الذي قد يكون نوعاً من الاستشراف لما تشهده سوريا الآن» تقول.

مها حسن التي تكتب دوماً ومن دون انقطاع، تسعى إلى إصدار كتاب كل سنة، ولا ترى في الكم الكتابي عيباً. «أنا شخص لا يتوقف عن الكتابة». مع ذلك ترى أنّ الغليان الذي يشهده عالمنا العربي، قد يمثّل عائقاً لإصدار أيّ عمل «بعيد عن الواقع والقارئ».

فوق جدران الخيبة

ولدت مها حسن في حلب، وحازت إجازة في الحقوق من جامعتها. نشرت باكورتها الروائية «اللامتناهي ــ سيرة الآخر» (دار الحوار) عام 1995، وتأخرت في نشر عملها الروائي الثاني «لوحة الغلاف ـــ جدران الخيبة أعلى» حتى عام 2002. نشطت الكاتبة في مجال حقوق الإنسان، وحصلت على «جائزة هيلمان هامت» عن «هيومن رايتس ووتش» عام 2005. تكتب بالعربيّة والفرنسيّة، ولديها مخطوطات تنتظر النشر لدى دور فرنسيّة.