dimanche 8 novembre 2009

رائحة الصباح - مها حسن

لكل صباح رائحته. ولكل صباح رائحته التي لا تشبه أية رائحة أخرى، ولا أية رائحة أي صباح آخر. بل تتغير الرائحة بتغيير المكان، من القرية، إلى المدينة، إلى البلاد

فرائحة حلب، لا تشبه رائحة باريس، ولا رائحة باريس تماثل رائحة أمستردام

في صباحات باريس، غالبا ما تداهمني رائحة حلب. كلما خرجت من المصعد في الطابق السابع، تلصصت على طهو جارتي المغربية، عبر الرائحة، لأستردّ حلب، روائحيا

كنا نغادر المدرسة جائعات، نحن طالبات البكالوريا، ونبدأ بفتح شهواتنا الروائحية لترصد أنواع الطبخات التي تحتويها مطابخ بيوت الجميلية في حلب. نأخذ بتعداد الأطباق التي نتصورها من خلال الروائح الهاربة من طناجرها، محشي، فاصوليا خضرا، بامية... هممممم فلافل. والفلافل هي سيدة الروائح، تشدنا رائحتها، نتوقف أمام بياع الفلافل، ولكننا نكتشف أننا لا نستمتع بالنكهة، بل تغوينا الرائحة

ولكني الآن في أمستردام، الغريب أني لا أتفقّد رائحة حلب، بل تداهمني رائحة باريس كلما استيقظت في الصباح، وقبل أن تمتزج رائحته بأنفاس الهولنديين. كما لو أنك حتى تتيقن من امتلاكك أو حيازتك لرائحة مدينة ما، عليك أن تذهب إلى المدينة التالية، التالية فقط

حلب لا تأتيني في أمستردام، حلب التي تقفز روائحها في مطبخي، حين أكون وحدي، فأتفنن بالإتيان بحلب، عبر الملوخية خاصة، والتي لا يمكن التكتم على طهوها. إن ما يقفز في نافذتي الصباحية في أمستردام، هو باريس. أفتقد باريس في أمستردام، تماما كما أفتقد بعضا من حلب في باريس. وكما علي أن أفتقد أمستردام في بروكسل

أستيقظ في بعض الصباحات الأمستردامية، ممتلئة برائحة بروتانيا، الواقعة في غرب فرنسا. والمطلة على الأطلنطي والمانش. لرائحة الصباح البروتوني خصوصية لا تفارق ذاكرتي الشمية. ولكني في أمستردام، فكيف تقفز رائحة الغرب الفرنسي، إلى الشمال الهولندي

كما لو أن رائحة المكان تتنقّل، تلحق بالذاكرة. فرائحة الربيع الحلبي، تستطيع أن تتسلل إلى رائحة ربيع ما في جونفلييه، حيث بيتي في الضاحية الباريسية. ورائحة الحقلة الصغيرة المنزوية في حوش عمتي فريدة، المزروعة بالفول، تستطيع أن تنطّ فتحطّ في شارع هوتبول في الحي التاسع عشر في باريس، قريبا من بيت صوفي. من قال أن الروائح تلصق بالمكان !
إن الروائح تولد في المكان، ولكنها تغادره، إن غادرنا. يكفيها أن تتسجل في ذواكرنا، بوصفها رائحة المكان الفلاني، حتى تتنقل معنا، وتنضم إلى خزان الروائح القابع بداخلنا، والذي يميز بدقة في أي صباح، كهذا الذي أصفه الآن، لأقول وأنا في أمستردام متنشقة الهواء بعمق، زافرة ذاكرتي من رئتي: يا له من صباح بروتوني، أو، كما أني في تريغومور على الكوت دا أرمور
تأخذ الرائحة، آن ولادتها في مكان ما، هوية المكان. ثم تتحرر من المكان، حاملة اسمه كتمييز لها. تتجاوز الحدود والمطارات والحقول الشاسعة. أنا الآن في أمستردام، وثمة حلب تتنفس جواري، في صباح ما، صباح آخر، غير هذا الصباح
لا أعرف إن كنت حقا في أمستردام، في شقتي قريبا من أمستل، أم أني في بروتانيا، في تريغومور. إذ أن هذه الأغنية التي لا تتوقف، تربطني إلى طاولة الحديقة في منزل تريغومور، حيث يغني سونوريون دو "ماريو سي برومين ".. ماريو تتنزه











وداعا للعشق الورقي

لا مكان لحب الورق، إلا لأبناء نوستالجيا الكتاب. فقد دخلت التكنولوجيا في تفاصيل حياتنا، لتسهل علينا كل شيء، حتى القراءة، ولتخفف أعباءنا.
في سؤال نشرة أخبار الثامنة، لتصويت الجمهور، كان السؤال متعلقا بالكتاب الالكتروني، حيث طرحت شركة "أمازون" نسخة جديدة ومحدثة من هذا الاختراع. والسؤال كان "هل أنت مستعد للقراءة بانتظام في الكتاب الإلكتروني؟".
نسبة المصوتين قاربت ثمانية آلاف مشارك، حتى لحظة كتابة هذه المادة، وقد تساوت الأصوات تقريبا بين 4،50 في المئة نعم، و6،49 في المئة لا.
تجولت الكاميرا في مكتبات البيع لتستمزج الجمهور. إحدى سيدات نوستالجيا الورق أجابت بأنها غير مستعدة لاقتناء الكتاب الإلكتروني، لسبب بسيط أنه لا ينتمي الى جيلها، بينما اعترضت صبية على الكتاب الالكتروني مبررة موقفها بحبها للمس الورق وتقليب الصفحات. أحد الكتّاب قال إنه مواظب على استعمال الكتاب الالكتروني منذ سنوات، لسهولة حمله، والتنقل به. فهذا الكتاب الخفيف الوزن، يمكن تحميله مجموعة كتب، ومن السهل اختيار الكتاب المراد قراءته، إضافة الى خيارات أخرى، كتكبير حجم الخط مثلا، والقراءة بمواصفات يختارها القارئ.

صديقتي أنياس، لا تزال تستعمل الدفاتر في كتابة أبحاثها ورواياتها البوليسية، شارحة أنها مولعة بالورق والقلم. إنها تخشى اندحار القلم، تتحدث عن الرسائل البريدية بشغف كبير، مفتقدة ذلك الفرح بفتح رسالة تحمل خطوات أقلام من نحب. تقول إنه رغم سرعة البريد الالكتروني، والذي صارت مرغمة على استعماله في كتابة رسائلها، إلا أن هذا لا يقدم شخصية المرسل، لأن خط اليد، والجهد الأكبر الذي نبذله في التدوين اليدوي، يكشفان بعضا من خصائص الكاتب. إنها مولعة بالقلم وخطواته على الورق، تستعمل أقلاما ملونة للعناوين الرئيسية والفرعية.
كانت هاجر أيضا تتحدث عن ملمس الورق بشفافية العاشقة، تقول إنها تحب رائحة الكتب القديمة. ما إن تفتح كتاباً، حتى تقفز روائح الماضي العبق إلى روحها، فتنتشي بالرائحة قبل الأفكار.
شخصيا، منذ سنوات لم أعد أستخدم الورق، إلا حين أكون في الطريق أو في سيارة أو في أي مكان عام، فأرغب بتدوين فكرة عابرة قبل أن تفوتني. لكني أطمئن أكثر الى الحاسوب. وأظن أن حال معظم الكتّاب العرب والغربيين هي كذلك. من منا لا يزال متمسكا بالأوراق والأقلام؟
هل ننضم قريبا إلى عالم النوستالجيين، فنفتقد أوراقنا، مهما يكن حجم علاقتنا بها صغيرا؟ هل نقول وداعا لعشق الورق، وداعا للعشق الورقي؟
عن جريدة النهار