هذه الرواية فريدة في سردها ولغتها وبنيانها. نمط مميز يفرض نفسه ويمسك بالقارئ منذ البداية. فالكاتبة تقول أن عدد من الراويات يكمنّ وراء هذا العمل، وأن سبب اختيارها لانجازه هو كونها "الكائن الأكثر واقعية من بين مجموعة الشخصيات في هذه الرواية" التي يتقاطع فيها الماضي بالحاضر، وعالم الغيب والخيال بعالم الواقع، وتتداخل مكونات الأسطورة بأحداث التاريخ، والأحداث الشخصية بالأحلام.
تبدأ الكاتبة روايتها، بمشهد بطل الرواية القائد، حين يشعل النار في سريره القشيّ، "كأنه يريد للنار أن تلتهمه ببطء" و"ببطء يزحف نحو الموت"، لتتخذ منه إطاراً وموقعاُ تخرج منه الحكايات وتعيش وتنتهي، فمنذ البداية تعلن موته اللاحق:"إذ يموت، مع انتهاء هذه الصفحات"، وتختار هذه اللازمة: "تجري أحداث هذه الرواية، بأزمنتها المتعددة، على خلفية مشهد احتراقه، أجل، يظل مشهد الاحتراق ثابتاً، بينما تتحوّل أزمنة القصّ، وتتبختر راويات العمل، على خلفية آلامه"، والتي تتكرر باستمرار كوسيلة لتقطيع مشاهد الرواية ولإعادة ربط أجزائها، بطريقة جمالية خاصة من السرد العفوي والمدروس في آن.
يعود القائد دائماً إلى الحكايات الأولى، فـ "حدقة "حرز" تدور باحثة عن المشاهد الأولى"، إلى طفولته، وإلى حكايا المرأة الأولى،"وكأنه محبوس داخل الصيغ البدئية". يتحدث عن أمه وعمه، وجدّه "حرث" وجدته "أرض" التي تتخذ الراوية من شخصيتها الفريدة والفذّة رمزاً أسطورياً وواقعاً غنياً بالقدرات، تعبر عنها بلغة جميلة حيّة "كان شعر أرض، المائل إلى الاحمرار يلمع كلهب من بعيد وتتجمع حوله العصافير، التي يخالها الناظر من بعيد، دخاناً أسود متطايراً من نار متأججة، وقال "حرث" إن ثمة عصافير ملونة وحمامات بيضاء وملونة أيضا، كانت تحط على رأسها"،"فصارت أرض منتجة لأعداد هائلة من بشر وورود وعصافير وحكايات، ورواية!"
لكن طفولة "حرز"، كانت مليئة بالكوابيس وأحلام اليقظة والخوف الذي كان يطارده "أينما اتجه"، و"لا أحد يصدق أن تلك هي نشأة القائد، نشأة مغمّسة بالرعب وصرخة الختام"، فيستعيد باستعادتها تركيبة شخصيات أجيال مختلفة، مترابطة المنشأ والمصير والآلام.
رواية مفعمة بالحياة، تؤرّخ تفاصيل معاناة شخصيات وسلالة، بأسلوب مميز وجذّاب وشديد الدلالة عن مضمونه، بلغة جمعت جمالية السرد والوصف وتنمية الخيال في آن.