بعد صدور روايتها <بنات البراري>
الروائية السورية مها حسن في حوار حول كينونة الرواية
رواياتي لا تدع القارئ بسلام
الروائية السورية مها حسن
لمع إسم الروائية السورية مها حسن،المقيمة في باريس، من خلال رواياتها الخمس:<لوحة الغلاف اللامتناهي> <تراتيل العدم> <حبل سري> و<بنات البراري> التي صدرت حديثا عن <دار الكواكب> التابعة> لشركة رياض الريس للكتب والنشر> في بيروت·
···من هي مها في كينونة الكتابة؟ ما أسلوبها، وما قلقها؟· نقارب جوهر الأجوبة، في هذا الحوار الذي أجريناه مع مها حسن في بيروت، في زيارتها الأولى لعاصمة الأدب والحرب، والفن والسلام·هنا تفاصيله:
{ رواياتك تشكّل أعمالاً روائية خارجة عن السياق السردي المتشابه مع الآخر، وتخوض في إشكالات عدّة منها إشكالية الغربة والتعددية والهوية والمغايرة والإلغاء ·ما هي مقومات الخلطة السرية التي مكّنتك من دخول بوابة هذا العالم الشائك بمفتاح الكتابة؟ - سؤال كبير،لا يمكن تحديد الإجابة عليه بكلمات آنية، أو بإطار مجتزأ· خاصة، أنه يتعلق بمسألة البحث عن الجذور· ولكن يمكن القول إنني ولدت في بيئة مشرقية حكاّءة·بمعنى أنني أنتمي إلى الشرق الحكّاء بامتياز·أمي كانت هي المنبع الذي زودني في البداية بملكة الحكي، وذلك من خلال ولعها بقراءة الفنجان·لكن والدتي - وفق نظرتي للأمر- لم تكن تهدف إلى مشاهدة الرموز والإشارات التي تظهر في مدار فنجان القهوة، بقدر ما كانت ترغب بالحكي وبقصّ الأخبار على الأخريات· فاللغة كانت وسيلة لتواصلها مع المحيط الخاص بها، والفنجان كان البديل عن القلم أو عن فعل الكتابة·كان هو أداة الحكاية· شخصياً، استمديت المقدرة على الحكي من أمي· كما استمديت من أبي خصوصية ابتكار الحكاية،فهو كان بارعا بتأليف الحكايات الشفهية غير المعروفة·الشرقيون مهجوسون بالحكايات·وكوني شرقية فقد أصابني هذا الهاجس، لكنني إشتغلت عليه من خلال تطوير أدواتي القرائية والفكرية واللغوية والإنسانية والفنية معا، وتمكنت من تشكيل خلطتي المجبولة بكل ما اختبرته، وبكل ما ورثته في الجينات المشرقية·· كأن في المسألة أشياء بيولوجية قائمة بحد ذاتها· ولكن تبقى الرواية هي المعادل الجديد لهويتي·
{ تحطين في <بنات البراري> رحالك على مرسى التحرر ومجرى القصاص،وتكشفين دواهي النفوس التي ترتكب جرائم بإسم الشرف،في جو يخالطه النفس الأسطوري مع التراثي مع الإجتماعي في الوقت نفسه· إلى أي مدى قد تكشف أعمالك الوجه المتشظي للذات،وهل يمكن القول إن الوجه المرمّم لهذه الذات لن يجد موقعا له في رواياتك؟
- دائما الفن يبحث عن النقائص·فما من كمال في الأفعال· الكمال هو الشيء المطلق· دور الكاتب هو السير باتجاه النقيصة·عليه الذهاب إلى الأماكن المؤلمة، وإلى الأماكن <القذرة>· حتى وإن أراد الذهاب إلى الوجه الآخر لهذه الأمكنة، فهو يظل معنياً بالألم أكثر من السعادة· من هنا أنا معنية دائما بالبحث عن كل ما هو ناقص،لأستكشف الحياة· فالحياة ألم زائد· هي أشبه ببرميل من المرارة، مزوّد بملعقة من العسل· لذلك أكتب عن كل ما هو مفقود، ويلازمني قلق الوجود وقلق الذات و قلق الموت و قلق ما بعد الموت·
{ كتاباتك الروائية مفكّرة، تستدعي الفكر والميتافيزيقيا ومغاور النفس· هل انت روائية تحمل الفكر وتكتب تحت ثقله،أم أنت مفكّرة تحمل الروي الفني والإنساني وتتخذه تمائم سرية لطقوسها وأسرارها وتمثلاتها معا؟
- أود بداية أن أشير إلى أن الرواية هي غير الحكاية· ولي تعريف للرواية أعمل عليه في رواياتي، بعيداً عن أي إدعاء· العمل الروائي يحتمل علوماً متعددة، مثل علم الاناسة· فعالم الأنتربولوجيا الكبير كلود ليفي شتراوس له كتاب أحبه كثيرا،هو <المداران الحزينان> وثمة من قال- يستحق هذا الكتاب أن يكون رواية وأن يفوز بجائزة> غونكور> الأدبية الفرنسية-· لذلك ترين أنني في كتابتي لا أفصل الفكر عن الرواية، ولا أحب أن أقدم لقارئي عملا روائيا سهلا·نرجسيتي تأبى علي إلا أن أقدّم له العمل الذي لا يدعه ينعم براحة البال أو يخلد بعد قراءته إلى النوم بسلام·
{ تزورين لبنان للمرة الأولى·ماهي أوجه التقاطع التي رصدتها في هذه الزيارة على خط سوريا- باريس-بيروت؟ - أسبوعان قضيتهما في بيروت، لكنهما كانا كافيين بالنسبة إلي، حتى أرى أنها تستحق كتابات كثيرةعنها· وجدت في بيروت ملامح شرقية وملامح غربية تحت سماء واحدة·وجدت فيها شيئا من حلب، وشيئاً من باريس· إلا أن الأمر الذي ميزها من وجهة نظري عن هاتين المدينتين هو الأمان·شعرت بأمان غريب لم أشعره في كل من حلب وباريس· كنت أمشي في شوارع بيروت كإمرأة وككاتبة دون أي خوف من أحد· الناس هنا يشعرون الضيف بالأمان·لم آخذ الحيطة والحذر من أهل بيروت·لقد عاملتني هذه العاصمة الجميلة كإبنة لها، واحتضنتني بحنو، رغم التناقضات التي تتنازعها في ميادين السياسة، ورغم مخاطر الصدامات والحروب التي تتوالى عليها وتتهددها بين آونة وأخرى·وهنا باعتقادي يكمن السر الذي تحمله بيروت ·
حوار:غادة علي كلش تصوير: سمير المصري