الكاتبة السورية مها حسن: منحتُ آن فرانك عينيّ لترى بهما فلسطين
حاورتها هدى مرمر ـ القدس العربي
مها حسن روائية وقاصة سورية، حصلت على ليسانس الحقوق من جامعة حلب. صدر
لها العديد من الأعمال الروائية من أبرزها «اللامتناهي ـ سيرة الآخر» «حبل سري»
«بنات البراري» «الروايات» «مترو حلب» و«عمت صباحاً أيتها الحرب».
وصلت روايتاها «حبل سري» و«الروايات» إلى اللائحة الطويلة للجائزة العالمية
للرواية العربية (بوكر). كما وصلت رواياتها «مترو حب» «عمت صباحاً أيتها الحرب»
و«حي الدهشة» إلى اللائحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب. والأخيرة «حي الدهشة»
مرشحة حالياً عن القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ للآداب. وكان لنا حوار مع
الكاتبة حول عملها الأخير «في بيت آن فرانك»..
■ بدأت كتابة الرواية خلال
إقامتك في بيت آن فرانك في أمستردام عام 2007. لم انتظرتِ حوالي 13 عاماً لتكملي
الحكاية وتخبريها؟
□ السبب الأول الذي جعلني أتردد في نشر الرواية بعد الانتهاء من كتابتها، هو
التابو المتعلق بشخصية آن فرانك، كونها يهودية، ولأن موضوع تناول اليهود في
الكتابة العربية المعاصرة لا يزال، مختلطا بمرجعية سياسية، مع محاولاتي في كل
لقاءاتي الشفهية، التأكيد على أن اليهود أمر، وإسرائيل أمر آخر. كان لديّ تخوّف
كذلك من التهم الجاهزة، حول البحث عن الشهرة والضوء، من خلال تناول هذا الموضوع.
السبب الآخر، والأكثر عمقاً هو السبب الفني، فلم أكن راضية عن الصيغة الأولى
للكتاب، التي كانت أقرب إلى اليوميات، وكأن حدسي كروائية، جعلني أؤجل فعلاً، ليقع
ما لم يكن في الحسبان، الحرب في سوريا أولاً، وذهابي إلى فلسطين تالياً، هذان
الحدثان اللذان كان لا بد منهما، لاستكمال الرواية فنياً وفكرياً، حيث تقاطعت
الحربان، العالمية الثانية التي كانت آن فرانك من ضحاياها، والسورية التي طحنت
الكثير من السوريين، ثم جاءت فكرة الذهاب مع آن فرانك إلى فلسطين، التي أعتقد كانت
الحدث المؤثر بشدة في علاقتي بهذا الكتاب. في النهاية، جاء هذا التأجيل لمصلحة
الكتاب، وربما أشعر بهذا الآن، وأنا أجيب على الأسئلة، كانت تخوفاتي الواردة في
السبب الأول، هي مجرد ذرائع فنية للإصغاء إلى صوتي الداخلي كروائية، أحسست أن شيئا
ما سيحدث لاحقاً، ويمنح تجربتي مع آن فرانك، عمقاً أكثر أهمية في السرد.
■ غلاف الرواية كما العنوان يثير الفضول ويتميّز عن أغلفة رواياتك السابقة. فماذا
عن تصميمه واختياره ومعناه بالنسبة إليك؟
■ غلاف الرواية هو للناشر والشاعر خالد الناصري، الذي كانت رواية «في بيت آن
فرانك» هي ثاني تجربة جمعتني مع دار المتوسط. حين رأيت الغلاف بصيغته النهائية،
قفزت إلى مخيلتي غلاف الرواية السابقة «عمت صباحاً أيتها الحرب» إذ ثمة مفردات
متقاربة بين الغلافين، مفردات أقرب إلى المطبخ في الأولى، وأقرب إلى الغرفة في
الثانية. أحسست فجأة، أن كتابتي الطويلة عن مفهوم البيت، في «عمت صباحاً أيتها
الحرب» استمرت في العنوان في الرواية الثانية.. «في بيت آن فرانك» وكأن رواية «في
بيت آن فرانك» حسب العلاقة بين الغلافين، هي إجابة عن هاجس البيت المفقود.. البيت
الذي قصفته الحرب في حلب، وحوّلته إلى أنقاض. ربما شعرت بلحظة أمان، أمام الغلاف
الآخر، خاصة لون (الموف) المليء بالحياة والطاقة.
■ تتداخل في الرواية الأحداث الواقعية والمتخيّلة، حيث يصعب التفريق بين النوعين..
ما كانت نقطة التلاقي في بنية السرد، بين ما حدث بالفعل وما كان محض خيال؟
□ في العادة لا يحب الكتّاب الخوض في هذه التفاصيل، لأن الأهمية في النهاية لقيمة
النص، بغض النظر عما حدث، وعما تم تخيل حدوثه. لكنني فقط أقول، ومن باب طمأنة
القارئ على جزء كبير من واقعية الحكاية، إنني أقمت في بيت آن فرانك في أمستردام،
وكل سردياتي التي دونتها، حتى المتخيّل منها، عشتها بحق، بطريقة يصعب عليّ أنا
شخصياً، الفصل بين الواقعي والمتخيل، لأن خيال الروائي يتجاوز في صدقه أحياناً
الواقع المعاش.
■ تطوّر الرواية في قسمها الثاني نحو سياسة الاحتلال والتضارب مع (آن) أدّى إلى
الانفصام بين التوأمين. لم حوّلتِ السرد نحو أرض فلسطين؟
□ شهادة آن فرانك مهمة. طالما أنني حظيت بفرصة الذهاب إلى فلسطين، وطالما أن آن
فرنك توأمي السردي، تعيش في داخلي فنياً وأخلاقياً، كان واجبي أن أصحبها معي إلى
تلك الأرض التي لها رموز تاريخية مهمة لدى آن، كصبية يهودية، ربما لو كانت قد عاشت
وتزوجت وأنجبت، لكان أحفادها يعيشون اليوم في القدس، أو حيفا أو يافا، لهذا رغبتُ
أيضا أن تطّلع آن على تفاصيل العيش اليومي، والخوف والقلق الذي يحياه
الفلسطينيون.. كنت بحاجة لعيني آن فرانك لأرى بهما، كما منحتها عينيّ لترى بهما.
■ يُحسب لك التحدّث بوضوح عن أهمية الحرية والاستقلالية لدى بطلة الرواية، لدرجة
رفضها للأمومة وإجهاض جنينها. لما في رأيك لا نرى مثل هذه الموضوعات في الأدب
العربي وبأقلام نسائية؟ وهل يمكن أن نقرأ لك المزيد عن هذا الموضوع الحميمي
والأساسي للمرأة ـ أو غيره ـ في روايات مقبلة؟
□ سبق وكتبت عن جرائم الشرف في روايتي «بنات البراري» وعادة أركّز على الجانب
الإبداعي والجديد في كتابتي، بدون أن أهتم بفكرة مسّ المحظورات.. بمعنى أنه في حال
كانت تجربة الإجهاض مؤثرة، وأساسية، في أي عمل مقبل لي، فإنني بالتأكيد سأتناول
الموضوع بحريّة، ولكن حتى هذه اللحظة، لا يوجد لديّ مشروع مماثل.
■ انطلاقاً من تجربتك ككاتبة أمضت عاماً في عزلة منزل آن فرانك للكتابة، كيف أثّرت
تلك التجربة وهل تنصحين بها للكُتّاب؟
□ الكتابة مزاج خاص ولا يعمل وفق وصفة واضحة. يمكن وضع مئات الأشخاص في مكان واحد،
وكل منهم يسجل انطباعاته عن المكان بطريقته. أعتقد أن تجربتي في بيت آن فرانك لها
خصوصيتها التي ظهرت في الرواية، من خلال النقاط المشتركة بيني وبين آن، هذه النقاط
التي قد يشكل غيابها عدم القيمة أو الأهمية لدى كاتب آخر.
■ ما مدى تأثّرك شخصياً بآن فرانك وأمستردام؟ هل هناك ما لم تفصحي عنه في الرواية؟
□ كتبت في روايتي «الروايات» عبارة (ولدتُ لأروي).. بمعنى أن حياتي موهوبة للسرد،
فإن لم يكن هناك ما لم أقله، فهذا يعني أنه غير مهم سردياً، أو أن له مكانا آخر،
في تجربة سردية أخرى.
■ كلمة أخيرة..
□ تجربتي مع القراء إيجابية غالباً، وأعتبر نفسي محظوظة بأنني مقروءة ومفهومة إلى
حد مقبول، فقط ما أحب التأكيد عليه، هو النظرة الموضوعية لأي كتاب، وفصله عن سياقه
السياسي أو التاريخي، والتعامل معه كمادة إبداعية… أنا لست داعية، ولا أسعى لتغيير
العالم، فقط أحاول التأكيد على فرادة الإنسان، والخوض في عوالمه الداخلية، لخلق
نسبة فهم وتفاهم بين الكائنات البشرية جمعاء. أعتقد أن هذا هو هاجس أغلب الكتّاب.
ما يهمني حقًا أن تتم قراءتي بمعزل عن خلفيات مسبقة، أو أحكام موجودة في رأس
القارئ، غير موجودة في النص.