الراوية الأولى في الكتاب هي "أبدون" التي
تحيا ضمن عوالم خيالية، تخلق فيها شخصيات لا نهائية، تعيش معها، وتتخيّل حكاياتها.
تتغيّر حياتها بعد أن يأتي رجل يعرض عليها المال اللازم كي تترك عملها وتتفرغ
لكتابة رواية. توافق "أبدون" مدفوعةً بحبها لهذا
الرجل الذي لفتتها وسامته. لكنه بعد أن تنتهي من الكتابة يسطو على الرواية وينشرها
باسمه، مع ذلك فإنها لا تمانع إذ "ما يهمني إن بقيت الكلمات والقصص حبيسة
بداخلي ثم ماتت معي؟ أليس من الأفضل أن تخرج وتحيا، حتى ولو نشرها باسمه؟ ليس
مهماً اسم الكاتب على الغلاف، المهم أن تخرج الحكايات ليقرأ العالم ويتعرف إلى
أبطالي. المهم هو الرواية، لا الروائي".
يحقق الرجل شهرة واسعة بسبب هذه الرواية، لكنه يبقى عاجزاً
عن كتابة واحدة ثانية، فيذهب إلى قرية للاستجمام والاسترخاء، هناك يعثر على حب
حياته "لويز"، التي تكون هي واحدة من الراويات أيضاً. يتزوجها وينجب
منها ابنة، لكن ظهور رواية تدور أحداثها في تلك القرية "حور العين"، والشهرة التي
تنالها، يسببان له نوعاً من الهوس، خاصة بعد أن يربط الناس بين الاسم المستعار
الذي وُقعت به الرواية، ووجوده هو في تلك القرية.
الخاتمة ستكون بعنوان "مقهى شهرزاد" ذلك
المكان المخصص للراويات اللواتي لديهن حكايات لم يكتبنها، والذي يبدأ استقبال
الزائرات بعد منتصف الليل، حيث يلبسن الملابس التاريخية الملونة، ويحكين حكاياتهن.
تسرد "حسن" فصولاً
تبدو متقطعة ولا علاقة لها بخط السرد الأساسي، لكن، فجأة وفي غمرة انشغال القارئ
بحكايات جديدة وحبكات فرعية، تربط الروايات الثلاثة ببعضها، ببراعة من خطط مسبقاً
لإدهاش المتلقي.
تهدي الكاتبة روايتها إلى "النساء
الحكواتيات في بقاع الأرض، اللواتي لم تساعدهن الحياة على نشر رواياتهن على الملأ،
فعشن ومتن في الظلمة". هكذا، تنحاز منذ البداية إلى الحكاية، التي هي الأصل،
إلى الشفوي، البعيد عن التدوين، الذي يحمل في أحد معانيه: الرغبة في النشر، ما
يُجبر صاحب الحكاية على أن يخضع لمتطلبات النشر والتسويق، فتفقد الكتابة
تلقائيتها، وتفقد الحكاية طزاجتها. والتدوين يعني أيضاً، أن تصبح الحكاية ثابتة لا
مجال لتعديلها أو تغييرها، بينما الكاتبة مغرمة – في هذه الرواية على الأقل -
بالتحوير والتبديل وكسر المتوقع. لا اسم ثابت على امتداد الرواية، كل شخصية يمكن
أن تحمل اسمين، ثلاثة، أو أكثر. لا وجود للمطلق والنهائي، حتى تلك الحكايات التي
عرفناها صغاراً، نجد أن أبطال روايتها يغيّرون فيها ويحكونها على هواهم، فتصبح "سندريلا"
ليست تلك الفتاة صاحبة الحذاء، بل الفتاة التي يعكس
وجهها مستقبل الزمن القادم للشخص الذي ينظر إليه.
وضمن هذا اللاثبات والكره لكل القيود والآراء النهائية
والقاطعة، تشاكس "مها حسن" من جديد رأي "راوياتها" بخصوص
"التدوين"، فتحكي عن علاقتها هي، وعلاقة راوياتها، بالكتابة، فهي تعيد
رسم العالم الخارجي بقلمها، وتسجل لتحفظ حيوات أبطالها وحكاياتهم من الموت، وأما
"راما" الراوية التي تظهر في ختام الراوية، فتقول: "عبر الكتابة،
تحررت أعماقي، وخرجت إلى الضوء، وعبر الكتابة، كتابتي، لا كتابة غيري، امتلكت
أعماقي المنبوذة، شرعية الضوء، والخروج إلى الملأ".
لا مكان محدد ولا زمان محدد تجري فيه القصص والأحداث.
إنها رواية تنتصر للرواية، إنها رواية عن الرواية