روايتها الجديدة «بنات البراري» (الريّس)، حملت بعداً استشرافيّاً على حافة البركان الذي تعيشه المنطقة. الروائية السورية المقيمة في فرنسا تكتب عن جرائم الشرف، وتقف في مواجهة المجتمع الذي يشرّعها، وتطمح إلى تحرّر الثقافة العربيّة من ذهنيّة الولاء والخضوع
مريم عبد الله
تصنّف الروائية السورية مها حسن (1966) نفسها كاتبةً معنية بهمّ المرأة، رغم أنّ عملها الروائي الأخير «بنات البراري» (الريّس ــ2011)، «جاء في وقت غير مناسب» ـــ كما تقول ـــ بسبب الأحداث في سوريا والعالم العربي. لكنّ هواجس اللحظة، لا تعني أنّ طرح مسائل حسّاسة مثل جرائم الشرف، لم يعد ملحاً، لأنّ «قتل النساء عملية همجية»، تؤكّد. تميّز صاحبة «حبل سرّي» (2010) بين التقرير الصحافي وتقارير المنظمات الحقوقية، وبين النصّ الأدبي... «فالرواية فنّ، وليست ريبورتاجاً».
في «بنات البراري»، أغرقت حسن خيارها الفنّي بالأسطورة، وقدمته إلى القارئ بطريقة صادمة. تناولت قضية جرائم الشرف، متعمدةً قساوة المشهد، في وصفها لرأس سلطانة المقطوع والمعلق. أحبّت الشابة إبراهيم وحملت منه، فعوقبت بالذبح على أيدي إخوتها، لتلحق لعنة موتها بالقرية بأكملها. النيّة من العمل معاقبة مضادة للمجتمع الذي يشرّع ذبح المرأة، «لكنّ الرواية ليست دعوةً إلى سنّ قانون يحاسب جرائم الشرف»، كما تقول.
انطلاقاً من إيمانها بدور المثقف العضوي، ترى حسن أنّ هناك نوعاً من المسؤولية يقع على عاتق الكاتب. ورغم هجرتها إلى فرنسا، ترى حسن أنّها لا تزال «مرتبطة بالشرق (...) هاجسي هو المرأة الشرقية، وتعدد الزوجات، جرائم الشرف والعنف ضد المرأة، الاعتقال السياسي وكل مسائل الديموقراطية والحريات». ولأنّها لا تستطيع إدارة ظهرها لمعاناة الآخرين، اتجهت إلى كتابة المقالات السياسية، كنوع من «الواجب والالتزام الأخلاقي».
تكتب عن نساء يشبهنها، لأنّها ما زالت تدافع عن نفسها. الكتابة بالنسبة إليها محاولة لقطع حبل السرّة مع الماضي، ومحاولة للشفاء من أمراض المجتمع الذي نشأت فيه، لكن القطيعة مع المجتمع الذكوري، لا تمنعها من استعادة صورة الأب الذي أخذها إلى عالم الكتابة: «تربيته القمعية وخوفه على صورته من خلالي، ورفضه لحياتي الاجتماعية، أنتجت لديّ توقاً للذهاب إلى الأشياء حتى النهاية».
أحبت مها التمثيل في طفولتها... وصودف في إحدى السنوات، أن استبدل التدريب في المعسكرات الإجبارية لشبيبة «طلائع البعث» بمهرجان فني، لينتهي بها المطاف إلى هوس بالمسرح كان الخلاص منه نوعاً من العذاب، بسبب منطق عائلتها المحافظ، الذي يرى أنّ الممثلات «نساء سيئات السمعة»، لكنّها لا تشعر بالندم الآن، لأنّها وجدت نفسها على نحو أفضل في عالم الرواية. في أعمالها الروائية الخمسة، شُغلت مها حسن كثيراً بمسألة اللغة. كل واحد من أعمالها، له نسيجها اللغوي الخاص والمستقل، وخصوصاً أنّها تعدّ نفسها كاتبة تجريبية، تكتشف في كلّ مرة نفسها وأدواتها، وتفتح في كلّ نصّ أفقاً جديداً. ولأنّ الكتابة موقف، قررت مغادرة سوريا بسبب منع أعمالها وتعرضها لمضايقات كثيرة، تتحاشى الخوض في تفاصيلها. منعت روايتها «تراتيل العدم» (الكوكب/ 2009) في بلادها. قررت التحايل على الرقابة من خلال تغيير العنوان، لكنّ العمل رفض مرّة أخرى. لهذا «اضطر الناشر إلى إصدراها من باريس لا من حلب». وتكررت التضييقات على عملها «حبل سريّ»، إذ كانت طباعته مستحيلة في سوريا، رغم أنّه متوافر في المكتبات الدمشقيّة اليوم. وحين كتبت عنه صحيفة «تشرين» مقالاً، أثار الأمر استغرابها وسخريتها: «فعلاً هناك ديموقراطيّة، رحتُ أقول!». مها حسن، التي زارت بيروت أخيراً، ترى أنَّ سوريا تمرّ بمرحلة صراعات وعدم استقرار سياسي، لكنّها لن تصل بها إلى حرب أهليّة. الربيع العربي ليس حالةً رومانسيّة في رأيها، رغم تحفّظها الشخصي على مسمّى «الربيع العربي»، الذي تجد فيه ظلماً للأقليات، «ومنهم الأكراد الذين ثاروا على النظام منذ عام 2004». هكذا، تراه ربيعاً عربياً في تونس ومصر وليبيا واليمن، وربيعاً سورياً في سوريا. ولأنّ الفساد الثقافي كان النتاج الحتمي للفساد السياسي للأنظمة العربيّة، تطمح حسن إلى أن تغيّر الثورات الثقافة، وتجعلها تخلع عن نفسها ثوب «ثقافة الولاء والخضوع».
قبل ترشيح «حبل سريّ» لجائزة «بوكر» العربيّة، كانت مها حسن تعدّ نفسها من الكتاب الهامشيين. «منحني الترشيح اعتراف الوسط الثقافي العربي، ونبّه الآخرين إلى كتاباتي، لكن على الجوائز العربية أن تهتم بالإبداع أكثر من اهتمامها بالأسماء (...) وأن تتخلّص من عقدة النجوم الكبار».
تيمة الدم الحاضرة في «بنات البراري» تعطي هذه الرواية طابع النبوءة: «حطمت القرية بكاملها، وأنزلت بها لعنة الأحمر الذي قد يكون نوعاً من الاستشراف لما تشهده سوريا الآن» تقول.
مها حسن التي تكتب دوماً ومن دون انقطاع، تسعى إلى إصدار كتاب كل سنة، ولا ترى في الكم الكتابي عيباً. «أنا شخص لا يتوقف عن الكتابة». مع ذلك ترى أنّ الغليان الذي يشهده عالمنا العربي، قد يمثّل عائقاً لإصدار أيّ عمل «بعيد عن الواقع والقارئ».
فوق جدران الخيبة
ولدت مها حسن في حلب، وحازت إجازة في الحقوق من جامعتها. نشرت باكورتها الروائية «اللامتناهي ــ سيرة الآخر» (دار الحوار) عام 1995، وتأخرت في نشر عملها الروائي الثاني «لوحة الغلاف ـــ جدران الخيبة أعلى» حتى عام 2002. نشطت الكاتبة في مجال حقوق الإنسان، وحصلت على «جائزة هيلمان هامت» عن «هيومن رايتس ووتش» عام 2005. تكتب بالعربيّة والفرنسيّة، ولديها مخطوطات تنتظر النشر لدى دور فرنسيّة.