samedi 12 juillet 2014

مها حسن: "طبول الحب" تكشف جمال الثورات قبل الفوضى

حاورتها-فاتنة الغرة
في المهجر، تجلو الروح وتأخذ الأشياء كلها مسميات مختلفة، وتصير للوطن وللذات أماكن مغايرة، ومن هنا تنطلق الكاتبة والروائية السورية الكردية مها حسن في رواياتها التي تحاول أن تستقصي فيها الذات البشرية وواقع الحال.
ولمحاولة الدخول إلى عوالم الكاتبة أكثر، كان للجزيرة نت معها هذا الحوار.
 بين الثقافتين العربية التي تكتبين بها غالبا والكردية التي تنتمين إليها، هل تتأرجح مها حسن أم وجود الثقافتين كان إثراء لتجربتك؟
أعتبر نفسي محظوظة بهذا الخليط الساحر، بامتلاك كمية هائلة مخزّنة من الحكايات والقصص الشفوية التي نقلتها لي جدتي الكردية، والتي ترد كثيراً في كتاباتي، وأعتبر نفسي أحياناً امتداداً لها، فكأنني نسختها المنقّحة، حيث هي النسخة الشفوية، وأنا المدوّنة، بالإضافة إلى مخزون أمي الخاص والمختلف عن مخزون جدتي لأبي.
امرأتان تتحدثان لغتين مختلفتين. أمي المولودة من أم عربية وأب كردي، وجدتي الكردية، تناوبتا على نقل شغف الحكاية، الشغف الذي اشتغلتُ عليه لاحقاً بأدواتي المعرفية وثقافتي الشخصية وخبراتي الخاصة.
 يعتبرك البعض من أكثر المبدعين السوريين كتابة عن الثورة وتواصلا مع الوضع العام بسوريا، هل كان لقوميتك تأثير على مواقفك كما يرى البعض؟
لا أعتقد بهذا، بل إنني لا أؤمن بالقوميات والانتماءات الدموية، أنا كاتبة، أنتمي للكتابة التي تنظر إلى العالم كله بعين واحدة، تحلله وتحاول تفسيره، وتدوّنه. ومن جهة أخرى، لا أعتقد أنني من أكثر السوريين كتابة عن الثورة، هناك الكثير من الكاتبات والكتّاب السوريين الذين اشتغلوا، وأكثر مني كما أعتقد.
 أصدرتِ رواية "طبول الحب" تناقش القضية السورية، ألا تعتقدين أنه من المبكر كتابة رواية عما يحدث في سوريا خاصة وأن الأمور ما زالت على حالها؟
على الصعيد الإبداعي، نعم، الوقت مبكر، لكنني عشتُ تحت تأثير ضغط ما يحدث، وكما قلت من قبل بأن هذه الرواية وجدت طريقها إليّ كما لو أنني لم أكتبها، بل زارني شخوصها وألحّوا عليّ بالتواجد معي طيلة الوقت.
"روايتي وثّقت الثورة السورية بنبلها وإنسانيتها، قبل أن تُحوّل بجهود السياسيين، سواء من النظام، أو من قوى إقليمية أو من أطراف معارضة، أو من جهات عالمية، إلى عمل مسلح ثم إلى فوضى يصعب فهمها"
كنت أكتب تحت تأثير مطالبة أصوات داخلية بهذا، ومن ناحية أخرى، وعلى الصعيد الإبداعي أيضاً، وبعد مرور سنتين على صدورها، أشعر اليوم أنني لم أخطئ بكتابتها، فهي رواية طازجة، رواية الحدث الذي يحدث أثناء الكتابة، ولا يزال مستمراً، هي بمثابة توثيق ولكن إبداعي لما يحدث في سوريا. 
أما على الصعيد السياسي أو التوصيفي للثورة، فإن روايتي هذه، والتي أحترمها وأحبها لسبب إنساني أكثر منه إبداعي، قد وثّقت الثورة السورية بنبلها وإنسانيتها، بل وبانقساماتها البريئة، يعني هي بالنسبة لي على الأقل بمثابة مرآة للفترة الوردية للثورة، قبل أن تُحوّل بجهود السياسيين، سواء من النظام، أو من قوى إقليمية أو من أطراف معارضة، أو من جهات عالمية، إلى عمل مسلح ثم إلى فوضى يصعب فهمها.. طبول الحب هي السنة الوردية الجميلة للثورة، صورة الثورة التي أحببناها وتمسكنا بها ولا نزال نراها من خلال تلك العين الجمالية، العين الباحثة عن الحرية والعدالة والمحبة، العين التي رفع السوريون من خلالها الورود في التظاهرات، كل ذلك الجمال، فقدته الثورة اليوم، وأصبح الدم في كل مكان.
 قال البعض إن روايات مها حسن هي روايات "نسوية بامتياز"، ألا تعتقدين أن في هذا التوصيف ظلما لكتاباتك؟
هذا يعني بأنهم لم يقرأوني. من أولى رواياتي "اللامتناهي ـ سيرة الآخر" إلى "تراتيل العدم" وحتى "حبل سري" كانت تيماتي الوجودية هي الغالبة، حيث هواجسي تتعلق بالهوية والانتماء والوطن والمنفى وقدرة الفرد على التغيير.. أي كل تلك المجموعات الهائلة من الهواجس الإنسانية والأسئلة الجوهرية في الحياة.
الرواية الوحيدة التي تطرقتُ فيها لموضوع يتعلق بالمرأة كانت "بنات البراري". ولا أعتقد أن جرائم قتل النساء هاجس نسوي بحت، أظن أن هناك كتّابا رجالا أيضاً كتبوا عن هذا الموضوع.
 تحدثتِ سابقا عن اللغة القاتلة وأن السوريين قتلتهم اللغة، ما الذي تقصدينه تحديدا؟
"أسمع أغنية عربية بغتة في باريس فتقفز حلب بوجهي، وأشعر كما لو أنني طفلة مُعاقبة بالحرمان من أغلى دُماها، هل حلب دميتي؟ ربما، حلب أو اللغة العربية المنتشرة في كل مكان، هي دميتي الضائعة"
ربما أنا تحدثت عن اللغة التي تقتل، متكئة على عوالم "خوان رولفو" حيث يقتل الهمس أبطاله، وقد توقفت عند السوريين حصراً، لكن هذه اللغة يمكن تعميمها على العالم العربي بأجمعه، حيث الانفصام بين الواقع واللغة، بحيث تبدو اللغة المستعملة فارغة وبعيدة عن الواقع.
منذ أيام، انتشرت على الفيسبوك صورة لرجل بدين أمامه مائدة طعام عليها ما لذ وطاب كما يُقال ويدخن النارجيلة، ويلصق لوحة خلفه تقول: الثورة مستمرة حتى لو نموت من الجوع.
هذه الصورة تدل على الفرق الكبير بين اللغة البرانية الشكلانية وبين السلوك الحقيقي أو الرغبات الإنسانية، هذا فعلاً موضوع شائك وطويل، وينبغي أن يأخذ حقه في دراسات أعمق وأكثر تركيزاُ، لتكون اللغة معبرة عن حقيقتنا الداخلية، وهذا يحتاج إلى مجهود فكري ونفسي معاً لغربلة الذات وفهم الأنا، ثم استعمال لغة تتناسب مع الشخص، لا مجرد كليشيهات يرفعها أحدنا لأن غيره يستعملها.
 كروائية تعيش في المهجر، كيف أعاد المهجر تشكيل نمط الكتابة لديك منذ "اللامتناهي-سيرة الآخر-1995" وحتى "طبول الحب-2013"؟
تعلمت الكثير في الغرب، تعلمت ضبط انفعالي، وتحمل مسؤولية كلمتي، لهذا فكتابتي تحررت أكثر من قبل من سلطة الآخر، الغرب يقوّي الفرد لأنه لا يعين الآخر دائماً. هنا الدولة هي التي تحقق حاجيات المواطن، ولا يمكن لأحد الاتكال على أحد آخر، ولأن المواطن مستقل لهذا فهو حر من الداخل، في روايتي "تراتيل العدم" تحدثت عن الإذعان، عن تلك العقود الضمنية التي يوقعها الفرد مع الآخر: السلطة، المجتمع، الأب، الصديق ... ليمنحه الحماية، هذا لم أحتجه في الغرب، لهذا صرت أكثر قوة، تحررت من الآخر بالمعنيين، السلطوي والمنفعي إن صح الوصف، بمعنى لا أحد يقدم للآخر شيئا، وبالتالي، لا أحد منا مدين لأحد، هكذا تحررت كتابتي حتى مني ومن تدخلاتي وشروحاتي، وأعتقد أن سردي أصبح أكثر تخففاً من قبل.
 كشف المستور أو الحديث عن المسكوت عنه أو كسر التابوهات، هل هي ثيمات فكرية تتوارى خلف بنائك الروائي؟
لا أعتقد أن هذه تيمات روائية، يمكن للصحافة والإعلام فعل هذا، أما الأدب فهو يشتغل على العمق، ينزل إلى قعر الفرد والحدث والبناء الروائي حتى، ويحفر باحثاً عن الجواهر المدفونة، أو المخاوف أو المجهول البشري، ولكن المسكوت عنه والتابوهات، هذه مفردات تليق بكتابة سريعة تبحث عن الضوء والإثارة الإعلامية.
 أين ترين الرواية السورية الآن في المشهد العربي، وهل هناك أسماء تستطيع إيجاد مكان لها عالميا؟
"تكسرني الغربة الروحية والفكرية، وترميني في عمق الوحدة والعزلة، فأكتب. هي ضريبة الكتابة، التفاحة المحاطة بالشوك، حتى نكتب، يجب أن نكون أنفسنا، ولنكون أنفسنا نحتاج إلى الحرية والعزلة ربما"
يؤرقني دوماً سؤال "جنسية الأدب" وقد كتبت حول هذا، فمصطلح الرواية السورية هو إشكالي بالنسبة لي. أنا أعيش خارج سوريا منذ عشر سنوات، وهناك أسماء روائية وُلدت في غيابي، ولا أعتقد أنني أرتبط مع الكثير من الكتاب السوريين في هواجسنا الكتابية، لهذا فإن التأطير الجغرافي للأدب لا يعنيني، فإذا خرجت من قبل من الانتماء الدموي، بحيث لم أسمح بأصولي التدخل في عقلي، إلا لتجميل كتاباتي وإثرائها، وليس من باب الانفصال أو الحدود مع الآخر، فإنني ككاتبة أعتبر نفسي منفتحة على العالم، أهتم بالكتابة الجيدة، وأحاول التعرف على تجارب الكتاب من كل أرجاء الأرض، لهذا فإنني لست خبيرة بالرواية السورية، ربما يكون هذا من شغل النقاد.
ما الذي يكسر مها حسن من الداخل وما الذي يبنيها؟
تكسرني الغربة، وفي نفس الوقت تبنيني. هل تذكرين قصة (بنيلوب) لدى اليونان، كانت تُمضي الليلة في الحياكة، وفي الصباح تنسل كل ما حاكته، أو ربما كما وقع لسيزيف، هذه الدوامة بين المنفى والوطن هي التي تكسرني، أسمع أغنية عربية بغتة في باريس فتقفز حلب بوجهي، وأشعر كما لو أنني طفلة مُعاقبة بالحرمان من أغلى دُماها، هل حلب دميتي؟ ربما، حلب أو اللغة العربية المنتشرة في كل مكان، هي دميتي الضائعة، حين حصلت على جواز سفر بعد ثماني سنوات تقريباً من العيش في الغرب، محاطة بعالم "أجنبي" عليّ الالتحاق به وفهمه، ذهبت إلى لبنان، كنت أشعر أنني مسحورة وأنا أسير في شوارع يتحدث فيها الجميع اللغة العربية.
تكسرني الغربة الروحية والفكرية، وترميني في عمق الوحدة والعزلة، فأكتب. هي ضريبة الكتابة، التفاحة المحاطة بالشوك، حتى نكتب، يجب أن نكون أنفسنا، ولنكون أنفسنا نحتاج إلى الحرية والعزلة ربما.
هي ضريبة الكتابة، ولكن الكتابة في نفس الوقت لا تقبل بإدامة عذابي، لتمنحني من وقت لآخر (سفر الكتابة) فأخرج إلى العالم. الكتابة غربتني، لكنها أيضاً منحتني فرص اللقاء مع الآخر الذي لم أتوقعه، والذي أصادفه كثيراً وتفاجئني به.
المصدر : الجزيرة

vendredi 13 juin 2014

بيوت الأدباء: الإقامة في الكتابة


بيت بلزاك
لم أتخيل أنني سأكون على مسافة دقائق عن منزل بلزاك، حين انتقلت إلى مسكني الجديد في الدائرة السادسة عشرة في باريس. حين صعدت شارع «رينوار» الطويل الممتد من سكني القديم في ساحة الدكتور هايم مقابل مبنى «منزل الراديو»، المطل على نهر السين وتمثال الحرية ـ النسخة الفرنسية، صوب بيتي الجديد في شارع»دولا تور»، فاجأتني تلك الحديقة، وخفق قلبي، تلك الخفقة التي أفهمها، والتي تثيرها روائح الكتابة، تلك القرابة البعيدة، اللصيقة.. هنا بيت بلزاك.
صار ذلك الشارع ملاذي اليومي، وحجّتي للتوجه نحو بيت الراديو، أو بيت الصحافيين في شارع كوشي الذي لا يبعد كثيراً عن مقهاي المفضل في»جافيل» وأنا أردد مقولة أبولينير، متوقفة في كل مرة، عبر مئات المرات التي قطعت فيها الجسر، أجل جسر ميرابو، حيث: لا الزمن يعود ولا الأحبة يرجعون. حيث بدأت روايتي قبل خمسة عشر عاماً، من ذلك المقطع الذي غنّاه ليو فيري: تحت جسر ميرابو، يجري نهر السين...
أتوقف أمام بيت بلزاك، أهبط الأدراج القليلة صوب الحديقة، لا يهمني المكان من الداخل، رأيته من قبل لمرة واحدة، مخطوطت بلزاك، أعماله، طاولة الكتابة، حياته هنا... تهمني الحديقة حيث ينتصب تمثاله بين الأغصان، وحيث أمارس ذلك النشيد السري الصامت، أتحاور مع أرواح الكتّاب، مؤمنة أنهم هنا.

شارع رينوار

من ساحة الدكتور هايم، يتفرع شارع رينوار، المسمّى باسم الكاتب فرانسوا ماري رينوار، في زاوية الشارع، يقع مقهى رينوار، والذي تغيّر اسمه بعد مغادرتي الحيّ.
في هذا المقهى، رأيت شخوص روايتي يدخلون ويخرجون، قادمين من بيت بلزاك في الشارع ذاته، خارجين من مقبرة مونبرناس، أو بير لا شيز، حيث يستلقي بلزاك. كتّاب وكاتبات، يحضرون من عدة أمكنة وعصور، يجتمعون في ذلك المقهى، ثم يستلقون في الحديقة الكبيرة لراديو فرانس، حيث يتجرأ البعض ويتنزّهون مع كلابهم هنا، أراقبهم من خلف نافذتي.

قبر سارتر

ما أن وصلتُ إلى باريس، حتى كانت مقبرة مونبرناس أولى محطاتي للذهاب إلى هناك. ضحك مني صديقاي وأنا أطلب منهما الابتعاد قليلاً ليتركانني أختلي بسارتر. هناك، فوق قبره، حيث تسمع سيمون دو بوفوار المدفونة معه، كل ما أقوله، ولا أجرؤ أن أطلب منها الابتعاد، لإتمام خلوتي مع سارتر.. هناك عرّفته على نفسي، وحدثته عن السنوات الطويلة التي انتميت فيها إليه من دون أن يعرفني، وشكرته على ما منحني إياه. كل هذا، قبل أن أنقلب عليه لاحقاً، وأتقرّب أكثر من تلك المرأة، التي قمعها بشكل ما، أعني دو بوفوار، وهذا ليس موضوع اللحظة.

منزل الكسندر دوما

كنت أتجول في بروتانيا، في تلك المدن الصغيرة المترامية على شاطئ البحر الفاصل بين فرنسا وبريطانيا، وفي مدينة (روسكوف) التي مررت عليها في طريقي إلى مدينة (مورليه)، حين توقفتُ لتناول الطعام قبال البحر، وبينما أقطع الشارع، من موقف السيارة، متجهة صوب المطعم قرب الشاطئ، استوقفني ذلك البناء، وتلك العبارة: الكسندر دوما في روسكوف.
لولا ذلك العبور غير المقصود، لما انتبهت أن الكسندر دوما أقام هنا، في هذه المدينة البعيدة عن الضجيج والضوء، الواقعة في جغرافيا، تدعى (فينيستير) أي نهاية الأرض، للدلالة على انتهاء الحدود الفرنسية.

بيوت الأدب

يستعمل العامة هذه التسمية، رامزين إلى المراحيض،وثمة قواميس تستعمل اللفظة وتشرحها وتضع مرادفاتها كبيت الماء، أو بيت الخلاء، ولا أزال أجهل الرابط اللغوي بين بيت الأدب بالمعنى الشائع الشعبي، أي أماكن الخلوة الفيزيولوجية، وبين الأدب الذي أفهمه أنا، وعلى الأرجح، فإن التسمية مأخوذه من اللغة التركية، التي تسمّي المرحاض بأدبخانه.

شارلفيل أي رامبو

كتبتُ كثيراً عن بيت رامبو الذي تركته خلفي في شارلفيل، عن قبره، عن حلمي بنقل ضريحه إلى باريس حيث كان رامبو يفرّ من تلك المدينة المثقلة بالطاعة العائلية، وحيث دفنت معه أخته في القبر ذاته، لتكريس الولاء العائلي. أحسست بروح رامبو المثقلة بالضجر وأنا أتحدث إليه بالعربية التي ربما كان يجيدها أو يعرفها قليلاً، حيث تاجر في بلادنا العربية، وعشق اليمن...

بيت الصحافيين


أما البيت المطل على المقبرة، حيث يشعر الصحافيون القادمون من بلاد القمع بخوف الموت، وهم يطلّون على الموتى كلما أفاقوا وقبل النوم، هنا كنت على أولى مواعيدي مع ميرابو، حيث أخرج في كل صباح، قاطعة حديقة سيتروين الضخمة في الدائرة الخامسة عشرة، لأتوجه بعدها إلى الجسر، فأتوقف أمام التماثيل المذهلة المنتصبة تحت الجسر، وأدندن أشياء أخرى لليو فيري، كأن أقول: أفيك لو تومب: مع الزمن!
هنا، في الطابق الثاني كنت أكتب قبالة المقبرة، عن بعد، ولم أرغب بالكتابة فيها، كما كنت أحلم أحياناً، كان الموتى، كلما عبرت بينهم، يشوشون أفكاري ويعيقون مخيلتي.
في تلك الغرفة الصغيرة، كان لكتابتي بيتها، وكانت تسترخي بطمأنينة مؤقتة، حتى وأنا أستلقي بعد منتصف الليل، محتضنة كتابتي، بينما سكارى آخر الليل يعبرون من تحت نافذتي ويملأون الشارع بالصراخ والشتائم، قبل أن يأتي البوليس في بعض الأحيان.

بيوت الكاتبات

هو إغواء شخصي ربما، أن أدوّن في قائمة (بيوت الكاتبات)، أسماء الكاتبات، وعنوان البيوت. الكاتبات الصديقات اللواتي دخلت بيوتهن، ولا تغويني بيوت الكتّاب. حيث لمسة الكاتبة المرأة، تختلف، حسب تجربتي.
بيوت صديقاتي الكاتبات، العربيات والغربيات، البيوت المتناثرة، كحبات مسبحة من اللؤلؤ، أو عقد منفرط من الماس، في أنحاء العالم، في باريس، في برلين ،في القاهرة ، في قطر، في حلب، في بيروت، في أمستردام، في استنبول...
كاتبات مثلي، متنقلات في أكثر من بيت، مزدوجات البيوت، متعدداتها، يحملن حقائب السفر من بلد لبلد، من بيت إلى بيت، مملوءات بالقلق وشغف المكان، حالمات بالاستقرار، حيث الكتابة تتعارض مع التشرد والانتقال، حيث النساء يرغبن بوضع الرحال في أرض واحدة، أرض أخيرة، هي غالباً: غرفة لها، كما كتبت فيرجينيا وولف.
الكاتبات المرهقات من الترحال، حيث تثير الفنادق ذعر الكتابة، كاتبات نساء لم يتصالحن مع هاجس الترحال الرجالي ربما، حيث أقام جان جينيه في فندق، ورفض البيوت، حيث الرجال يعيشون في المؤقت، بينما النساء يحلمن بالثابت المكاني، من اجل خلق كتابة متغيّرة، هل يمكننا جندرة المكان الإبداعي، أو بيت الأدب!

تكوين الخراب، سقوط البيوت

حين غادرت سوريا منذ عشر سنوات، لم أتخيّل أنني لن أستطيع العودة إليها، كنت أحلم بمغادرة البلاد، لأعيش في بيئة آمنة تحتضن كتابتي، ولكن منذ ثلاث سنوات، تغيّرت أحلامي، صار كل همّي أن أعود إلى تلك البلاد وأُدفن فيها. كما لو ان أحدنا لا يعرف قيمة الشيء الذي يكون بين يديه، لهذا فإن منفاي اليوم هو عبارة عن طبقتين من المنفى، الطبقة الأولى، التي يعيشها جميع المنفيين من مختلف أنحاء العالم، الحنين والشوق والذكريات ومحاولة التأقلم مع البلد الجديد وتعلم اللغة والعادات والاندماج، بمعنى إعادة بناء حياة جديدة والبدء من الصفر، لكن الطبقة الثانية من المنفى، هي الاستثنائية، هي بدء المنفى من جديد، بعد الاندماج، وخسران الانتماء كلياً، الانتماء للبلد الأول الذي تركته، فانتميت إلى البلد الجديد، ثم خسران الانتماء للبلد الجديد، بعد أن تعرض البلد الأول للحرب. هو وضع يصعب شرحه، يحتاج لوقفات سردية تحلل كيف نبني بلداً في المنفى، ثم يتخرّب كل شيء... ما أحياه الآن باختصار هو الخراب. أعيش على أنقاضي وأنقاض ما حولي فيما لا يشبه المكان، بل فيما أدعوه باللامكان، هذه الحالة من التأرجح بين حدود البلاد، والاغتراب بقسوة، وكأن لا شيء لي.
بعد هذا الخراب المادي والمعنوي، سقوط الأبنية والعمارات الشاهقة والبيوت، بحيث يبدو ذلك السقوط المُذهل لبرجي التجارة في نيويوك مقطعاً تفصيلياً أمام مشهد السقوط اليومي لبيوت السوريين، حيث صور الدمار، تشوّه المخلية، هل يمكن للكتابة أن تكون ملاذاً وبيتاً للكاتب، أو الكاتبة؟ هل يمكن لدفتي الكتاب المطبوع، تعويض الكاتب عن جدران البيت؟ بحيث يكون الأدب هو البيت والجنسية والانتماء والوطن، لنقنع أنفسنا بأنه ليس للكاتب من وطن، سوى الكتابة 
مها حسن

lundi 9 juin 2014

جنسية الأدب


جنسية الأدب
إنني أنتمي إلى حلقة أخرى من حلقات الهوية، لأعاني أيضا، أنا وكتابتي، من تعدّد الهويات أو صراع الهويات.
العربمها حسن [نشر في 2014\06\09]
كاتبة سورية، أم كاتبة من سوريا؟ سورية كردية أم كردية سورية؟ أُسأل كلما تواجدت في محفل أدبي عربي أو غربي. بل ذهب أحد الكتّاب إلى التلميح إلى “هويتي” حين وصلت روايتي إلى اللائحة الطويلة لجائزة بوكر للرواية العربية، ليقول جملة شعرت أنها موجهة صوبي: علما أنها جائزة للرواية العربية!
لا أنتمي إلى الأدب السوري، قلت لصديقي الكاتب السوري، وغرقنا في بعض الصمت، ثم رحنا نحلل معنى أن يكتب أحدنا الأدب، لنتفق على أن الأدب هو المهم، الكتابة، وأن اللواحق ليست مهمة، ربما هي من شغل الآخرين، غير الكتّاب.
أن أصنف نفسي ضمن الأدب السوري، يعني أنني أتقاسم مع الكتاب السوريين هواجسهم. أشعر بانتماء إلى الكتابة المصرية أحيانا، وفي المغرب العربي، أحسستُ بأن الكتّاب الذين هم من أصول أمازيغية يشبهونني، وكذلك الكتاّب المغاربة الذين لا يجيدون العربية.
في روايتي “حبل سري” أصف حلب، وماتنلي، القرية التي وُلدت فيها، وهي قرية كردية، فهل أنا كاتبة سورية أو كردية لأنني أكتب عن المكان السوري أو الكردي؟
ثمة من لا يصنف سليم بركات ضمن الكتابة العربية، حين رغبت إحدى صديقاتي في تقديم أطروحتها عن سليم بركات بقسم اللغة العربية، قالت لها الأستاذه المشرفة: لكن سليم بركات ليس عربيا، وحين سيذهب أحدهم إلى قسم اللغة الكردية، سيقولون له: لكن سليم يكتب بالعربية!
يعني أنني أنتمي إلى حلقة أخرى من حلقات الهوية، لأعاني أيضا، أنا وكتابتي، من تعدّد الهويات أو صراع الهويات، فهل أنا كاتبة كردية أكتب بالعربية أم كاتبة عربية لأن اللغة هي أصل الهوية، أم أنني كاتبة نسوية، فقط لأنني مولودة أنثى، بمعنى هل تتشكّل الهوية الأدبية للنص بعد ولادة الكاتب، أو أثناء حياته؟
هل الرواية الفرنسية هي كل الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية، أي الرواية الفرانكفونية أيضا، هل هي الرواية الكندية والبلجيكية والمغربية و.. أي الرواية المكتوبة باللغة الفرنسية، أم أن بلد المولد، هو الذي يحدّد هوية الرواية، ولو أن كاتبا فرنسيا اختار الكتابة بلغة أخرى، كالأنكليزية أو الألمانية، فهل يكف عن كونه كاتبا فرنسيا؟ هل تحدّد اللغة جنسية الأدب، أم أن الدم هو الذي يحدّد هوية الأدب، أي البيولوجيا. كما في قوانين منح الجنسية للبشر، ثمة قاعدتان أساسيتان للجنسية، قاعدة الأرض، وقاعدة الدم، فهل كون أحدنا مولودا في فرنسا، الجزائري أو اللبناني أو التونسي.. ويكتب باللغة العربية، يمكن أن يكون كاتبا فرنسيا يكتب بالعربية؟

mardi 3 juin 2014

Tambours de l'amour



Tambours de l'amour –une fenêtre romanesque sur la révolution syrienne


http://www.lorientlejour.com/article/806700/%3C%3C+Tambours_de_l%27amour+%3E%3E%2A%2C_une_fenetre_romanesque_sur_la_revolution_syrienne.html
Editions Dar El-Rayyes  – Beyrouth – 2012



« Est-ce le dîner de Rania, léger pourtant, excepté le « foul »[1], la fatigue ou mon sentiment que je vis une guerre sur le point d'éclater ou une guerre vraiment, car je n'ai pas arrêté de faire des cauchemars....
J'étais dans une chambre pleine de sang. Le sang m'arrivait jusqu'au menton. Je me suis mise à nager dans le sang pour remonter à la surface. J'ai regardé mes mains : elles étaient couvertes de sang à moitié coagulé. Je me suis débattue mains et pieds dans le sang afin de faire remonter mon corps et ne pas avaler ce sang ; je me suis cognée à des morceaux de corps... Des têtes coupées flottaient à côté de moi, des yeux, des pieds. J'essayais de crier. » (Les Tambours de l'amour, page 106).

Voici l'un des cauchemars de Rima Khouri, le personnage principal du roman de Maha Hassan.
Rima est professeure  de Lettres modernes à la Sorbonne, vit à Paris depuis 20 ans après avoir quitté sa ville natale : Damas.
De sa vie parisienne, universitaire, ayant des aspects aussi bien stables que parfois monotones, Rima va basculer dans une vie rythmée par les évènements de la révolution syrienne qui a commencé en 2011, pour finalement décider de rentrer en Syrie afin de suivre les évènements sur place, auprès des gens.

Les Tambours de l'amour est une fenêtre romanesque sur la révolution syrienne notamment dans sa première année, une sorte de vue d'ensemble à travers l’œil de Rima Khouri.
Petit-à-petit et au fil des pages, un pont se construit entre le contexte parisien de Rima et la Syrie. 

Dans un premier temps, ce pont commence à Paris même, via l'ordinateur de Rima qui, connectée sur Facebook, va progressivement tisser un réseau de connaissances « virtuelles » qui la mèneront à la rencontre de Youssef, un activiste syrien originaire de Kfarnabol, une ville syrienne très engagée dans la révolution.
Progressivement aussi, une histoire d'amour « virtuel » se tisse entre Rima et Youssef...

Le roman reflète très concrètement la place et le rôle qu'occupent les réseaux sociaux dans notre vie, en particulier pour les Syriens. Le réseau social devient l'un des principaux vecteurs de la transmission de l'information et de l'échange entres les gens qui y déposent une partie importante d'eux-mêmes, leurs pensées, états d'âmes, etc. , voire y vivent des histoires d'amour.
Maha Hassan analyse bien la complexité des liens virtuels qui nous font basculer dans un autre mode relationnel parallèle à la réalité. Nous pouvons dire qu'il constitue une sorte de « para-réalité », qui va petit-à-petit se rapprocher de la réalité physique et la tutoyer parfois de très près.

Dans un second temps, ce pont va se consolider sur place lorsque Rima Khouri quitte Paris pour se rendre à Damas, et voyager à travers la Syrie.
Dans ce contexte syrien, Rima s'efface petit-à-petit pour laisser la parole aux autres. Le roman va se situer au cœur de l'évènement que nous allons vivre à travers son récit. Une sorte de roman-reportage, car Rima va devenir la porte-parole de plusieurs voix et positions vis-à-vis de la révolution. Grâce à ce travail d'enquête qu'elle a voulu mener sur le terrain, son envie et son besoin même de connaître la réalité, nous pouvons parcourir une riche palette de points de vue : de l'engagement et de l'activisme d'une jeune génération, vive et créative, en recherche de liberté, en passant par les peurs sous-jacentes de ceux qui ont beaucoup perdu dans cette révolution (membres de leurs familles, maisons, etc.), pour finir par la réticence et la méfiance de certains intellectuels pour qui la révolution manque de structure intellectuelle organisatrice,  parmi eux, le père de Rima.

La rencontre de Rima avec son père et sa mère, à son arrivée à Damas, nous renseigne un peu plus sur elle et son passé, dont elle parle par petits bouts semés par-ci par-là dans le roman.
La relation au père est caractérisée par une forte opposition qui remonte à sa jeunesse et au contexte de son départ de la Syrie. Cette opposition va continuer en raison de leurs positions respectives vis-à-vis de la révolution syrienne.
Malgré les vingt années qui ont séparé Rima de ses parents, une affection et une tendresse discrètes ressortent de sa relation à sa mère. Personnage touchant et attachant malgré sa brève apparition dans le roman.

Le roman aborde aussi la question de l'armement de la révolution. L'engagement armé de Youssef,  l'amoureux de Rima, les a éloignés l'un de l'autre et a marqué un tournant dans leur relation « virtuelle ».
Au moment où Rima va enfin voir Youssef à  Alep,  une balle traverse sa tête...


Les Tambours de l'amour mène le lecteur avec beaucoup de souplesse narrative vers le cœur de la révolution syrienne. Cette souplesse déjà rencontrée dans Cordon ombilical, l'avant-dernier roman de Maha Hassan, se conjugue avec la façon qu'a la romancière d'écrire des scènes d'amitié et de complicité entre les personnages, notamment entre Rima et une proche de sa famille. Dans ces scènes, qui nous rappellent certaines de Cordon ombilical, Maha Hassan peint des tableaux de la vie quotidienne syrienne, notamment autour des repas. Ce sont des moments de convivialité, de sympathie ; à travers les mots, nous avons presque l'impression de sentir les odeurs des plats, le café et tout le rituel qui va avec...
Mais la sensibilité de la romancière ne s'arrête pas là. Le récit que fait Rima de ses cauchemars depuis le début de la révolution donne un trait particulier à ce roman et à l'écriture de Maha Hassan en général.
Rima vit dans sa chair la guerre et les atrocités commises par le régime contre le peuple, que ce soit à Paris ou en Syrie. Ses cauchemars sont denses et profonds. La romancière les décrit avec acuité. Les images parlent intensément et nous ressentons à quel point Rima est habitée par la mort et la souffrance des autres, omniprésente : corps mutilés, enfants tués, …

C'est un bel hommage rendu à ces victimes que d' « épouser » en quelque sorte leurs souffrances.


Rawa Pichetto



[1]    Le « foul » est un plat syrien à base de fèves.

samedi 31 mai 2014

Les filles des prairies



"Lu et traduit"
Plongée dans les littératures de Méditerranée


Les filles des prairies
Maha Hassan

Riad el-Rayyes, Beyrouth, 2011
, 151 p.
Lu et traduit par Marie Charton
Une terrible angoisse saisit Sharif lorsqu’il découvre que sa fille a hérité des yeux verts de sa défunte mère. Faut-il y voir le signe de la malédiction que portait la disparue? L’enfant, prénommée Sultana, grandit, devient adolescente et inéluctablement, la prophétie se réalise. Elle rencontre Ibrahim, tombe amoureuse et alors que le mariage entre les deux jeunes gens est inenvisageable, se découvre enceinte. Imprégné de réalisme magique, le roman s’ouvre sur une scène terrible: au moment où la tête de Sultana, égorgée par un des hommes de sa famille se détache de son corps, celle de sa fille, fruit du péché, sort de son utérus. Le sang envahit le lieu puis le village et la prairie environnante, et tout se retrouve coloré de rouge. Ibrahim, anéanti par la mort de Sultana, se retire avec le nouveau-né et fait le serment de la protéger. La malédiction aura pourtant raison de cette promesse...
Dans ce roman fort, qui alterne récits bucoliques et moments tragiques, sans verser dans le pathétique, Maha Hassan va au-delà de la dénonciation du crime d’honneur comme acte barbare portant atteinte à la vie des femmes. Les coutumes tyranniques qui confisquent les vies humaines s’inscrivent dans un processus plus global d’élimination des voix dissidentes qui fait obstacle à l’émancipation de la société. Un processus qui se nourrit du fatalisme, de la peur de l’inconnu et de la différence, et dans lequel la société, prisonnière d’elle-même, se noie dans son propre sang.



jeudi 29 mai 2014

المثقف ضد اليأس

المثقف ضد اليأس
الهمُّ الأول اليوم قبل المساءلة وتوجيه أصابع الاتهام، هو الحفاظ على سوريا والسوريين. أما المساءلة والمحاكمات فتأتي تاليا.
العربمها حسن [نشر في 2014\05\30]

هل يستطيع المثقف تشكيل قوة ضاغطة لوقف القتل؟ في السنة الفائتة، تحاورت مع بعض الأصدقاء الذين أتقاسم معهم وجهات النظر المتقاربة حول الوضع في سوريا، وهاجس إيقاف القتل. بعد حوارات مطولة عبر الهاتف والسكايب والمراسلات المكتوبة، توصلت إلى صياغة ورقة هي بمثابة نواة لانطلاق مبادرة باسم المثقفين أو المشتغلين في الحقل الثقافي، وأطلقت عليها اسم: “ضدّ اليأس“. لكن مبادرتي، لم تلق الضوء، بسبب المزاجيات الشخصية ولغياب الإيمان والأمل بأننا قادرون على ترك أثر، أو محاولة وقف عجلة القتل. ولأنني “ضدّ اليأس“، سأقوم بتلخيص مبادرتي وعرضها، لمن يمكنه الإيمان دوما بمسؤولية المثقف ودوره الأخلاقي في الحروب والثورات والأزمات الكبرى.
بعد دخول الحراك الثوري في سوريا سنته الرابعة، وفي وقت يستحوذ فيه على الجميع اليأس من استحالة تحقيق الهدف الذي انطلق من أجله، وبعد فشل الكثير من المشاريع والمبادرات السياسية، بسبب تعنت النظام أولا، وبسبب مساندة الكثير من الجهات الدولية للنظام، وبسبب من يُدعون بتجّار الحروب، وكذلك الإشكاليات المعقدة في المعارضة، وتدفق السلاح المؤدلج، والمتعارض مع أفكار الثورة، والذي صُوِّب الكثير منه ضدّ الشعب السوري، تبدو الحاجة إلى تجمّع ثقافي، يتخذ سوريا بوصلته الوحيدة، انطلاقا من وجهة نظر ثقافية، تنظر إلى الإنسان، بوصفه القيمة الأسمى، تجمّع ثقافي يستعيد دور المثقف في النقد الحرّ المستقل.
الخطوة الأولى من أجل الوصول إلى هذا التجمّع هي تشكيل نواة ثقافية تشاورية تنطلق من أفكار المظاهرات الأولى بسوريا في الكرامة والحرية والعدالة، وتتخذ من وقف العنف هدفا أوليا ملحا، ثم المحاكمة لاحقا، لكل من تورّط في الدم السوري.
الهمُّ الأول اليوم قبل المساءلة وتوجيه أصابع الاتهام، هو الحفاظ على سوريا والسوريين. أما المساءلة والمحاكمات فتأتي تاليا.
هي مبادرة مبدئية، لا تطرح الحلول، بقدر ما تقترح التجمّع واللقاء والتشاور، ومحاولة استيلاد الأمل من اليأس ومن العجز. وإذا كان أغلب المثقفين يعتمدون على المخيلة واللغة، من أجل إنتاج نصّ من العدم، فإنّه من الممكن صياغة مبادرة عقلانية ثقافية من قلب اليأس السوري.
لهذا تطمح النواة المأمولة إلى الاختلاف عن غيرها، دون أن تكون بالضرورة مخالفة في الطموحات والأهداف والتوجهات. ذلك أن الاختلاف سيكمن في الاستقلال وفي الحرية وفي اعتماد العقل سلطة لا تعلوها سلطة، بعيدا عن الأنانية والنرجسية والمصلحة الآنية. نواة قد تتحول إلى سلطة رقابة ثقافية وأخلاقية، وربما تكون بارقة أمل للسوريين الجالسين تحت العنف والقصف منتظرين قبسا من نور مأمول.

mardi 13 mai 2014

الصورة النمطية

الصورة النمطية
لكل منا قاموسه المعرفي، ومرجعيته الشخصية، وغالبا ما تكون ثمة قطيعة معرفية مع الآخر، بسبب الاعتماد على الصور النمطية الجاهزة بأدمغتنا في تعريف الآخر أولا.
العربمها حسن [نشر في 2014\05\13]
يتحدث إيريك فروم في كتابه عن “الروائز”، هذه المفردة التي يعتمد عليها علم النفس كثيرا في تجميع عدد من المفردات، وجعل أنه ثمة مرادف لها في اللاوعي. في “تفسير الأحلام” ، بحيث تدل المفردة على الحالة، وكذلك هناك لدى الوجوديين حالات مماثلة، ولديهم قاموسهم الوجودي، مع اختلاف عميق وجوهري في التعامل الذهني والواعي مع المفردة. هذه مقدمة فقط للقول بأننا نستخدم، دون وعي أحيانا، قواميس جاهزة في التعرف على العالم، وأحيانا، بل غالبا، نظلم الحالات الجديدة أو الأشخاص أو المستجدات التي لم تُبرمــج داخل قواميسنا المعرفية الذاتية.
لكل منا قاموسه المعرفي، ومرجعيته الشخصية، وغالبا ما تكون ثمة قطيعة معرفية مع الآخر، بسبب الاعتماد على الصور النمطية الجاهزة بأدمغتنا في تعريف الآخر أولا، ثم تجهيز هذه الصورة، وقلبها نحو الخارج، بحيث تكون بمثابة تعريف نعتقد بأنه معرفة الآخر. من هذه القواميس الجاهزة، الرأي في الفرد الآخر، وفق دلالات الجماعة.
هناك أفراد بل وجماعات، رهائن رأي الآخر الجماعي بهم، الخاطئ غالبا، والنمطي، الذي تشكّله تجارب صغيرة لا يمكن تعميمها، أو الإعلام، الذي يهدف إلى زرع التعميم وقتل التفاوت الذي يعني التفرّد والتمايز والخصوبة البشرية.
في صالة الانتظار أثناء موعدي الطبي، كنا مجموعة نساء ورجال، سيدة شقراء ترتدي “ميني جوب”، تلف ساقا فوق أخرى، وتقرأ في كتاب فرنسي، إلى جوارها سيدة محجبة من أصول عربية، تقرأ مجلة بالفرنسية، مقابلهما رجل مسنّ من أصول عربية، يقرأ في القرآن بصمت، وإلى جواري جلست سيدة كبيرة بالعمر، هي زوجة ذلك العجوز، ترتدي الزي المغربي المحلي، الإيشارب الملون، وثوبا طويلا، وثمة شاب أبيض، لا يدل مظهره على أصوله، يعبث بجهاز الهاتف، يرسل الرسائل ويستقبلها مستغرقا في عالمه، بينما جلست أنا أقرأ في رواية عربية.
السيدة العجوز بجواري، كانت تحاول التلصص على صفحات كتابي، وهي لا تفهم ماذا أقرأ، لاحظت الدهشة ذاتها في عيون السيدة المحجبة التي تقرأ بالفرنسية، وبطريقتي التلصصية في دماغ الآخر، كنت أقرأ تساؤلاتهم، حول أصولي، أنا المرأة السمراء بلون لا يشي بأصول عربية مغربية، لكنني أقرأ بالعربية، كما أن عمري لا يوحي بأنني طالبة، مجبرة على القراءة بهذه اللغة، لتحسين وضعي الدراسي.
كل منا، يحمل صورة نمطية عن الآخر؟ أنا لا أشبه المغربيات، كما أنني لا أشبه الفرنسيات؟ فالمغربيات عامة يتقنّ الفرنسية حيث أن بلادهن فرانكفونية، ولا أبدو بلكنتي الفاضحة بأنني فرنسية أو عربية تتحدث الفرنسية، من أنا إذن برأي الآخر؟