jeudi 29 mai 2014

المثقف ضد اليأس

المثقف ضد اليأس
الهمُّ الأول اليوم قبل المساءلة وتوجيه أصابع الاتهام، هو الحفاظ على سوريا والسوريين. أما المساءلة والمحاكمات فتأتي تاليا.
العربمها حسن [نشر في 2014\05\30]

هل يستطيع المثقف تشكيل قوة ضاغطة لوقف القتل؟ في السنة الفائتة، تحاورت مع بعض الأصدقاء الذين أتقاسم معهم وجهات النظر المتقاربة حول الوضع في سوريا، وهاجس إيقاف القتل. بعد حوارات مطولة عبر الهاتف والسكايب والمراسلات المكتوبة، توصلت إلى صياغة ورقة هي بمثابة نواة لانطلاق مبادرة باسم المثقفين أو المشتغلين في الحقل الثقافي، وأطلقت عليها اسم: “ضدّ اليأس“. لكن مبادرتي، لم تلق الضوء، بسبب المزاجيات الشخصية ولغياب الإيمان والأمل بأننا قادرون على ترك أثر، أو محاولة وقف عجلة القتل. ولأنني “ضدّ اليأس“، سأقوم بتلخيص مبادرتي وعرضها، لمن يمكنه الإيمان دوما بمسؤولية المثقف ودوره الأخلاقي في الحروب والثورات والأزمات الكبرى.
بعد دخول الحراك الثوري في سوريا سنته الرابعة، وفي وقت يستحوذ فيه على الجميع اليأس من استحالة تحقيق الهدف الذي انطلق من أجله، وبعد فشل الكثير من المشاريع والمبادرات السياسية، بسبب تعنت النظام أولا، وبسبب مساندة الكثير من الجهات الدولية للنظام، وبسبب من يُدعون بتجّار الحروب، وكذلك الإشكاليات المعقدة في المعارضة، وتدفق السلاح المؤدلج، والمتعارض مع أفكار الثورة، والذي صُوِّب الكثير منه ضدّ الشعب السوري، تبدو الحاجة إلى تجمّع ثقافي، يتخذ سوريا بوصلته الوحيدة، انطلاقا من وجهة نظر ثقافية، تنظر إلى الإنسان، بوصفه القيمة الأسمى، تجمّع ثقافي يستعيد دور المثقف في النقد الحرّ المستقل.
الخطوة الأولى من أجل الوصول إلى هذا التجمّع هي تشكيل نواة ثقافية تشاورية تنطلق من أفكار المظاهرات الأولى بسوريا في الكرامة والحرية والعدالة، وتتخذ من وقف العنف هدفا أوليا ملحا، ثم المحاكمة لاحقا، لكل من تورّط في الدم السوري.
الهمُّ الأول اليوم قبل المساءلة وتوجيه أصابع الاتهام، هو الحفاظ على سوريا والسوريين. أما المساءلة والمحاكمات فتأتي تاليا.
هي مبادرة مبدئية، لا تطرح الحلول، بقدر ما تقترح التجمّع واللقاء والتشاور، ومحاولة استيلاد الأمل من اليأس ومن العجز. وإذا كان أغلب المثقفين يعتمدون على المخيلة واللغة، من أجل إنتاج نصّ من العدم، فإنّه من الممكن صياغة مبادرة عقلانية ثقافية من قلب اليأس السوري.
لهذا تطمح النواة المأمولة إلى الاختلاف عن غيرها، دون أن تكون بالضرورة مخالفة في الطموحات والأهداف والتوجهات. ذلك أن الاختلاف سيكمن في الاستقلال وفي الحرية وفي اعتماد العقل سلطة لا تعلوها سلطة، بعيدا عن الأنانية والنرجسية والمصلحة الآنية. نواة قد تتحول إلى سلطة رقابة ثقافية وأخلاقية، وربما تكون بارقة أمل للسوريين الجالسين تحت العنف والقصف منتظرين قبسا من نور مأمول.