mercredi 21 décembre 2016

رواية «مترو حلب» لمها حسن .. البحث عن سورية ما بين الهنا والهناك ! - See more at: http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1147d01fy289919007Y1147d01f#sthash.RJoWiGd7.dpuf



كتبت بديعة زيدان:
"أين نذهب نحن السوريين؟ ما من مكان في العالم يتسع لنا. وحين يحصل ونجد مكاناً نحمل بلدنا معنا، ونقارن تفاصيل الحياة في كل مكان مع حياتنا في سورية، فلا نعرف كيف نعيش .. لا يمكننا التأقلم مع أية حياة. الآن، مجرد أن أحدنا سوري هي تهمة ونبذ مسبق. ثقيلة هي صفة اللاجئ التي تدمغنا..".
لعل هذه الفقرة في الصفحة الخامسة والستين من رواية السورية مها حسن الجديدة "مترو حلب"، تختصر رسالة الرواية الصادرة حديثاً عن دار التنوير في القاهرة، والتي اتكأت فيها حسن، على حالة من ديناميكية المكان والزمان، عبر تقنية سردية ممتعة تعتمد على إحداث التداخل ما بين الجغرافيات والأمكنة .. ما بين حلب وباريس، فترى في فرنسا مجرد فندق أو مستشفى أو جسر بين جبلين، أو محطة قطارات، بينما تمثل لها حلب حلم العودة، فتماهي الأمكنة الباريسية بأمكنة حلبية، وهو الأمر الذي ينطبق على زمن الرواية حيث المراوحة والخلط المدروس ما بين زمان مضى وزمان يعاش يطلق عليه "الحاضر"، ففي الرواية حالة من عدم الثبات تعكس حالة وطنها الذي يسكنها رغم الاغتراب والغربة.
وتتناول الرواية حكاية سارة القادمة من حلب، بناء على رغبة خالتها، والتي يتبين فيما بعد أنها أمها .. سارة التي تعيش متاهة المكان ورهبته، كما تعيش فيه ذكرياتها، فيختلط عليها كل شيء، حتى الأمكنة، لدرجة أنها تعيش حلب داخل باريس، فهذه الساحة الباريسية تشبه تلك الحلبية، بل يغيب المكان الباريسي أحياناً خلال احتضار المكان الحلبي، الذي يسكنها ولا تسكنه، بينما تسكن باريس ولا تسكنها على الإطلاق.
ولا تغفل مها حسن في "مترو حلب"، الحديث بجرأة عن غياب الثورة، وتحولها مع الوقت إلى حرب طويلة لا تزال تعاني من التدخل الخارجي، فهناك: النظام والشبيحة، وهناك المعارضة، و"داعش" أيضاً، وكأنها بذلك تضع يدها على الجرح النازف في بلدها دون أن تضمده، فهي كما بلدها وملايين السوريين كل بحاجة لمن يضمد جراحهم.
وثمة حالة أخرى من التماهي ما بين حكاية العديد من المبدعين السوريين وما بين حكاية سناء تلك الشخصية الروائية، والتي هي كاتبة تجبرها الحرب ومحاولات النجاة من الموت الذي يرفرف بجناحين أسودين فوق الجغرافيا السورية، إلى اللجوء في ألمانيا بعد استقدامها بوساطة ابنتها، وهي بذلك تعكس أزمة المبدع السوري عامة، والكاتب على وجه الخصوص، فيما بعد موجات اللجوء إلى أوروبا، حيث يصعب على سناء الاندماج في المجتمع الألماني، فتغادرها إلى سورية مرة أخرى .. ولصعوبة الكتابة في سورية، حيث القصف، والرعب اليومي، ورائحة الموتى تعبق في المكان، تختار اللجوء إلى بيروت القريبة، حيث التقاطعات كثيرة ما بينها وبين سورية التي يتواصل نزيفها، ويتوزع دمها بين القبائل، إن جاز التعبير، وهو ما تعبر عنه سناء بقولها: "يعني وين بدنا نروح بحالنا؟ لا سورية بقيت سورية والعالم مش شايفنا إلا شحادين وعبء عليه".
لا تزال سارة تعيش في باريس متاهة حقيقية، هي التي تقضي وقتها في التسكع في شوارع العاصمة الفرنسية، وربط الأماكن هناك أو هنا، بالأماكن في حلب هنا أو هناك .. "البيغال" يشبه "بحسيتا" .. "محطة سان لازرار" تذكرها بمحطة بغداد .. شارع "باريس" هو المعادل الموضوعي لشارع التل .. "مونتروي" كأنها سوق الهال .. "الشانزليزيه" كأنه حي العزيزية .. "مونمارتر" هي قلعة حلب .. مكتبة "جورج بومبيدو" تعيدها إلى ذكرياتها في المكتبة الوطنية .. أما المترو فلا "مترو" في حلب، مع اختلاط الهنا والهناك عليها!
وفي الفصل الثاني من الرواية المقسمة لستة فصول، أو فصل المفاجآت كما يمكنني أن أسميه، وحمل اسم "مالا تعرفه سارة عن هدهد أو العيش في حقيبة" .. تروي مها حسن حكاية أمينة وهدهد ووليد، وأمينة هي أم سارة، ووليد والدها .. أمينة تخلت عنهما وقررت الانحياز إلى حلمها باحتراف المسرح .. نعم اختارت أمينة عالم الفن والشهرة، في حين قبلت هدهد الزواج من وليد والاعتناء بسارة ابنة الشهرين، آنذاك، ولعب دور أمينة، بل واستخدام اسمها أيضاً .. وهنا برزت الحبكة الدرامية الإنسانية التي أدخلت من خلالها مها حسن القارئ في مستوى آخر أو طبقة أخرى من الرواية متعددة الطبقات.
تقوم هدهد بجمع كافة متعلقات شقيقتها أم سارة، من ملابس وحلي في حقيبة تحتفظ بها لأكثر من ثلاثين عاماً، لتقدمها ذات يوم لابنتها التي هي الابنة البيولوجية لشقيقتها، أي إلى سارة التي عاشت برفقة والدها وأمينة المصطنعة أو هدهد في سورية، إلا أن قذيفة ما تحرق البيت وحقيبة الذكريات، في إشارة إلى ما أتت عليه الحرب السورية المتواصلة حتى على مستوى الذاكرة، فقذيفة واحدة قادرة على حذف تاريخ عائلة بأكملها، أو حذف العائلة برمتها من سجلات الأحياء، مع أن الجميع في سورية أحياء ينتظرون الموت، في حين يعيش الناجون في شتات على امتداد جغرافيات العالم، ما بين بيروت والأردن وفرنسا وألمانيا والسويد، وغيرها.
في الفصل الثالث تتكشف الأسرار لسارة عبر الأشرطة التي كانت تسجلها لها أمها أمينة بنسختها الأصلية، أثناء مرضها، وخلال مغادرة سارة منزل من كانت تعتقد أنها خالتها .. أمينة التي تغلغل السرطان داخل جسدها الذي احتضن لتسعة أشهر قبل سنوات عدة سارة، اختارت أن تعيش آخر أيامها مع ابنتها، دون أن تخبرها بأنها أمها وليست خالتها، ودون أن تخبرها بالكثير عن مشاعرها وجاهة.
وفي خضم الحديث عن تفجيرات فرنسا وتأثيراتها على اللاجئين السوريين، والتفجيرات المستمرة في سورية، تقضي أمينة بالسرطان، بينما تقضي هدهد بقذيفة، في وقت كانت تنتظر فيه الهروب من حاضر مفجع وفج، إلى ماضيها الجميل بلقاء حبيبها الذي تخلت عنه ذات يوم للارتباط بزوج شقيقتها انحيازاً لسارة .. كات قررت أن تراه في عيادته، كانت تركض وراء الماضي الجميل لكن الحاضر القاتل كان أسرع بقذيفة لم تمكنها من استعادة شيء من ماضيها الجميل، كما هي سورية.
تحلم سارة بالعودة إلى سورية، وتحقق حلمها، ولو جزئياً، بمرافقتها لصحافي أجنبي لتغطية الحرب التي تطحن رحاها البشر وذكرياتهم وبلداً بأكملها هي بلدها .. ترافقه إلى سورية، ولكن هل هي سورية الحلم ؟ّ!