jeudi 22 décembre 2011

في روايتها «بنات البراري» تمجد الجمال وتجدد الحياة

مها حسن في روايتها «بنات البراري» تمجد الجمال وتجدد الحياة

أسطرة الحب


تاريخ النشر: الخميس 22 ديسمبر 2011

مفيد نجم



بدأت الروائية السورية مها حسن حياتها الأدبية قاصة جريئة عبر مقاربتها للمسكوت عنه في علاقة الفتاة بجسدها في مرحلة المراهقة، كما قدمت نفسها لأول مرة في مجلة “الموقف الأدبي” السورية قبل أكثر من عقدين من الزمن مما لفت الأنظار إليها ككاتبة نسوية تمتلك شجاعة القول والدخول في المناطق البالغة الخصوصية من حياة المرأة، لكنها ظلت تظهر على فترات متباعدة لتعود وتقدِّم نفسها ككاتبة روائية من خلال أربعة أعمال صدر آخرها قبل فترة بعنوان “بنات البراري”.

وإذا كان هذا العنوان يشكل اختزالا وتكثيفا لعالم الرواية، فإن إضافة اسم الجمع الذي هو خبر المبتدأ المحذوف في بنية العنوان (بنات) إلى المضاف إليه (البراري) يجعل هذا الاسم معرَّفا من خلال الإضافة الدالة على علاقة الارتباط القائمة بين الاسمين اللذين يأتيان في صيغة الجمع بهدف إعطاء العلاقة بينهما بعدا جمعيا يقوم على علاقة الارتباط القائمة بين المرأة والحرية والجمال اللذين ترمز لها البراري. إن هذه البنية النحوية والدلالية للعنوان تجعل قراءة العنوان بما ينطوي عليه في بنيته من مقاصد دلالية هامة تجعل منه المحور الذي تدور حوله أحداث الرواية يضع القارئ منذ البداية في عالم الرواية الذي يكشف عن مضمونها ودلالاتها، حيث تنشغل الرواية باستحضار قيمها عبر علاقة الحب وما تحمله هذه العلاقة العاطفية ببعدها الحسي من تجسيد حيٍّ لمعنى وجود الكائن الإنساني وتألقه وفيضه الذي تشترك فيه الطبيعة مع الإنسان في هذه الحالة العميقة من التفتح والخصب والدفء والجمال.

الحب وأفق الكتابة 

تهدي الكاتبة روايتها إلى ضحايا الشرف من النساء ما يجعل الرواية من خلال هذه العتبات تنطلق - بوصفها كتابة مضادة - من أفق يمجِّد الحب ويعطيه قيمة خاصة وثرية في الحياة. وقد ساهمت تلك الرؤية الشعرية إلى موضوع الحب بين المرأة والرجل في بعدها الحسي بوصفه تتويجا لنداء الجسد ورغبته في الفرح والتفتح والتوحد مع الآخر في بروز الموقف الشاعري من خلال تلك الرؤية التي تمنح الحب تلك المعاني الكبيرة التي تتجاوز وجود الإنسان إلى الطبيعة خالقة حالة عالية من التفاعل والتناغم بين الاثنين.

لقد استدعت تلك الرؤية التي عملت على أسطرة فعل الحب إضفاء طابع غرائبي على عالم الرواية وأحداثها من خلال تلك الطاقة السحرية التي يمتلكها فعل الحب، في عالم يتحول فيه الحب إلى لعنة تنتهي بصاحبها إلى القتل الوحشي غسلا للعار ما يجعل الطبيعة تدخل في طقس الحداد والموات كإعلان عن موت الحياة والجمال والخصب.

 
تلعب جملة الاستهلال بما تمثله من دخول مباشر في حدث الرواية القاسي المتجسد في مشهد قتل بطلة الرواية القاسي سلطانة التي تضع مولودها في نفس اللحظة التي يجري فيها فصل رأسها عن جسدها من قبل والدها عقابا على علاقتها بالشاب الذي أحبته وأقامت معه علاقة جسدية. وبغية إضفاء طابع من الحرارة على علاقة الساردة المباشرة بالمتلقي تستخدم الكاتبة السرد بضمير المتكلم في سرد وقائع هذا المشهد لتعود في الأجزاء التالية من الرواية إلى استخدام ضمير الغائب في السرد.
الواقعية السحرية
تحاول الرواية في بنيتها السردية والحكائية أن تضفي طابعا من الواقعية السحرية على أحداثها على الرغم من أنها رواية ذهنية تنشغل بالفكرة وتمثيل أبعادها ودلالاتها ومعانيها دفاعا عن هذه العاطفة ببعدها الحسي الذي يتمرد على الواقع والقتل، إذ يستمد معناه وقيمته من ذاته وأعماقه الحيّة . لايحمل المكان في هذه الرواية أي دلالة يحيل من خلالها على مكان بعينه، سوى أن أحداثه تجري في منطقة ريفية تتميز ببراريها الواسعة التي تشكل فضاء مفتوحا يرمز للحرية والبساطة والجمال والخصب.

تمثل الطبيعة في هذا العالم بعدا آخر حيا للذات العاشقة يجعل وجودهما متكاملا ومتناغما يحيل كل منها على وجود الآخر كما يتجلى في مشهد عشق سلطانه، ومن ثم في مشهد عشق ابنتها ريحانة وموتها “في ذلك الصباح تصرف جميع أهالي القرية بغرابة. لم يرغب أحد بمغادرة السرير.. رائحة الياسمين اقتحمت القرية، لم تكن مجرد رائحة ممتزجة بالرغبة، بالشهوة كان كل شيء “مميسمنا” له رائحة الياسمين وجنات الزوجات شفاههن أذرعهن سيقانهن، بل وكذلك أجساد الرجال”.
وتأتي رمزية الألوان التي تحاول الروائية توظيفها في بعدها الشاعري لتضفي دلالة موحية بطبيعة المشهد وتحولاته، وذلك من خلال طاقتها التعبيرية التي تمتلكها عبر استخدامها كعناوين لمشاهد الرواية للإيحاء بطبيعة المشهد، فالأحمر الدال على القتل يقابله البرتقالي في مرحلة التحول نحو اللون الأخضر الدال على الحب والخصب وتجدد الحياة.
الشخصية الروائية

تمثل سلطانه شخصية متحولة، بفعل علاقة الحب وتأثيره، فبعد أن كانت تكره المدرسة بوصفها ترمز للمكان الضيق وتقييد الحرية تصبح طالبة مجتهدة تقبل على الدراسة والعلم، في حين تظل علاقتها بالبرية علاقة قوية تعبر عن ارتباطها بما تمثله من جمال وحرية. ولا تختلف شخصية ريحانة عن والدتها سلطانة فهي شخصية غير ثابتة بفعل فورة عاطفة العشق التي تعيشها وتدفع ثمنها كما كان حال والدتها. ويحمل الاسم الذي تحمله شخصيتا سلطانة وريحانة دلالة خاصة توحي بحقيقتهما والحالة التي تمثلها كل منهما في الرواية، لاسيما أن ريحانة تتركها الكاتبة دون اسم حتى يطلقه عليها حبيبها أثناء حالة الوصال التي يعيشاها لأول مرة. وإذا كان الواقع يعيد إنتاج ثقافته ومعاييره الأخلاقية، فإن ذلك لا يحول دون ظهور حالات الحب على الرغم مما تمارسه القرية من محاولات منع ظهوره خوفا منه على حياة بناتهم، على الرغم مما تخلقه تلك العلاقة من تحول في حياة السكان وعلاقاتهم ومشاعرهم، الأمر الذي يجعل الرواية تبدأ بعنوان الأحمر كناية عن القتل وتنتهي به للدلالة على سطوة الواقع واللعنة التي يمثلها في ثقافة هذا الواقع عبر طقس القتل المرعب للمرأة بوصفها رمزا للعار “بكت القرية، بكى العالم كل شيء عاد ليصبح أحمر، الأغصان العشب، السماء، الجدران، شجرة الزيزفون.. كله أحمر! إنه الهيجان الأحمر، الغضب الأحمر”.
تضيف الكاتبة إلى المتن السردي ملحقا خاصا بقضايا الشرف للإضاءة على رعب هذا الواقع الماثل وبيان الدوافع التي قادتها لجعل هذا الموضوع مادة لروايتها. تنوس لغة الرواية بين التقريرية والشاعرية ويغلب عليها طابع التعليق والشرح ما شكل تراخيا في حركة السرد وتناميه وجعل الوصف والشرح يغلب على حركة الأحداث التي ظلت في إطار تلك الثنائية التي تحكم عالم الرواية وحكتها، والمتمثلة في ثنائية الحب والقتل.. الأحمر والأخضر، تفجر الحياة وتجددها، مقابل موتها وجدبها، حيث تتحول الطبيعة إلى عنصر مشارك يمنح تلك العلاقة بعدها الأسطوري الجميل.



اقرأ المزيد : المقال كامل - أسطرة الحب - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/details.php?id=118098&y=2011&article=full#ixzz1hFmaGvxq

mardi 8 novembre 2011

Multiple identities not such a bad thing

November 05, 2011 02:04 AM By Mirella Hodeib The Daily Star




Hassan: Women writers as good as men.



BEIRUT: Syrian novelist Maha Hassan says that while Kurdish culture guides her, only the Arabic language can convey her ideas and feelings. “Kurdish is the essence,” she tells The Daily Star, “and Arabic is the means of expression.



”The self-exiled novelist explains that although she suffers from an identity problem, recently she came to realize that having multiple identities is not such a bad thing after all.



“Whenever I’m with an Arab I feel I am a Kurd and whenever I am with a Kurd I feel Arab,” Hassan says. “But only recently have I come to realize that this situation might create a sense of fullness and richness.”



The theme of multiple identities and the eternal rivalry between the East and the West are thoroughly addressed for the first time from a female perspective in Hassan’s 2010 book “Habl Siri” (Umbilical Cord).



The experimental writer’s poignant accounts of women are concerned with depictions of both the Kurdish and Arab communities, and in 2000 Syrian authorities banned her works, citing “lack of morality” as the main cause.



Her 2011 novel “Banat al-Barari” (Girls of the Wilderness) treats the thorny issue of honor crimes in a crude yet subtly poetic manner.



Hassan’s row with the Syrian state reached the point of no return in 2004 when, in the aftermath of a violent crackdown on Kurdish protests, she left for Paris.



“I never thought something so beautiful could happen in my country, that my people are so courageous” she says, referring to the wave of popular protests that have swept Syria since mid-March.



“So much blood has been spilled,” she adds, tears welling in her eyes, “so many people have died for us to live more decently.”



Hassan is in Beirut for the 18th edition of Lebanon’s Francophone book fair, where she is scheduled to comment on events in her country Saturday, at a roundtable on the Arab Spring.



The novelist does not hide the feelings of guilt she experiences whenever she addresses the Syrian revolt. “I cannot but feel guilty talking about it when I am living outside the country,” she says. “I always wonder what role I would play if I were [living] there now.”



Hassan, who received a Hellman-Hammett grant for persecuted writers in 2005, also admits that she does not feel fully ready to write about events in Syria. She says she postponed the publication of her new book “because I felt it’s not up to the standards of the changes happening in my country.



“All the writing [we] intellectuals might do becomes utterly futile in such circumstances,” Hassan adds.



“Something very big is happening in my country … The people have given new meanings to life that no writings can render.”



The Aleppo-born writer hopes that the Arab Spring will bring about change not only on the political and human rights level but also in the Arab cultural sphere.



Normally serene, Hassan is most likely to lose her composure when discussing women’s conditions in the Arab world and Syria, to the extent of shedding tears.



A fierce critic of such labels as “feminist writers,” Hassan argues that male writers imposed such terms in order to discredit their female colleagues. She also derides Arab women writers for their generally “mediocre” output.



“There is no such thing as ‘manly writing’ and ‘feminist writing,’” she says. “A woman is able to yield the same quality of writing as a man, often [many] times better.”



She adds that the innate “sensibility and flair” that women generally exhibit can express itself in novel forms and themes not previously taken up by male authors.



“Men and women,” Hassan opines, “perceive things differently.”



Hassan also slams several Arab women novelists who have set a “bad example” for the generations to come, citing Syrian novelist Samar Yazbeck as one of the few writers who succeeded in making valuable contributions to modern Arabic literature.



“Don’t [try to] convince me that a woman writing about the sorrow she is feeling because her lover dumped her is a feminist,” says Hassan. “Women writers need to deal with realistic issues if they were to be taken seriously.”



Maha Hassan will take part in Saturday’s 6 p.m. roundtable discussion titled “Samir Kassir: a visionary of the Arab Spring,” along with Henry Laurens, Jean-Pierre Filiu, Delphine Minoui and Ziad Majed and moderated by Christophe Ayad, as part of the 18th French book fair in BIEL, Espace Agora.







Read more: http://www.dailystar.com.lb/Culture/Books/2011/Nov-05/153212-maha-hassan-multiple-identities-not-such-a-bad-thing.ashx#ixzz1d6e5JijJ

(The Daily Star :: Lebanon News :: http://www.dailystar.com.lb)

vendredi 7 octobre 2011

'بنات البراري' يُطالبن بإسقاط النظام الذكوري


مايا الحاج

اشتمّت مها حسن رائحة الثورة في بلادها من على بعدٍ زماني وآخر مكاني، فكتبت بإحساس الثوّار قبل أن تراهم يتظاهرون في شوارع مدن الفلّ والياسمين والنارنج. هكذا أتت الرواية من دون تخطيط منسجمة مع هذا التوقيت المفصلي الذي تعيشه بلادها.



انتهت من كتابتها بداية آذار/ مارس 2011. فكانت الرواية كاملة قبيل انفجار الوضع الداخلي في سورية، مع هذا هي لا تبدو بعيدة عن الأجواء التي تعيشها سورية اليوم.

«بنات البراري» للكاتبة السورية المقيمة في باريس مها حسن هي أيضاً ثورة. ثورة تُنادي بالحرية والتغيير والتحسين، لا بل بإسقاط النظام. إنما، مع كلّ ما ذكرناه، هي ليست رواية سياسية على الإطلاق.

بل هي تعود إلى الأساس لتنطلق منه، فتثور أولاً على الظلم الإنساني الذي لا يمكن في وجوده أن يصلح نظام سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي. تضع مها حسن بين أيدينا في زمن إسقاط الأنظمة عملاً إبداعياً يُطالب هو أيضاً بإسقاط النظام الذكوري قبل المطالبة بإزاحة أي نظام آخر لأنها تُدرك جيداً أنّ تحسّن وتقدّم المجتمعات لا يُقاس إلاّ بوضع المرأة فيه.

من هنا، اختارت في زمن الربيع العربي أن توجّه أنظارنا نحو نظام وحشي قاهر وجائر لا جنسية له ولا هويّة. فجرائم الشرف التي تتحكم في مصائر مجتمعاتنا وفي أقدار بناتنا غالباً ما تجدها مُرفقة بالكثير من المبررات الجاهزة والدوافع الاجتماعية المُعولبة التي يتمسّك بها الغالبية الساحقة من الناس على اختلاف خلفياتهم السياسية والدينية والإجتماعة والثقافية.

والمعارضون المستعدون للموت من أجل الحريّة في بلادهم هم أيضاً يُطالبون بكلّ شيء، إلاّ بقضية المرأة وتحرّرها.



ارتأت الكاتبة السورية- الكردية التي نشأت في بيئة غنية بقصص القتل وجرائم الشرف أن تُناصر المرأة في تحرّرها وأن تُحارب إلى جانبها ضدّ الجرائم المقزّزة التي تتجمّل خلف كلمة «شرف» لتغدو أكثر لُطفاً بل حقاً مشروعاً لا يُسمح بانتقاده أو الطعن به.



كتبت حسن روايتها بنزق ثائرة ولغةٍ حرّة وأملٍ بربيع قريب. فلم تكن الروائية موضوعية وهي تتطرّق إلى قضية أُزهقت في سبيلها أرواح ضحيتها الكثيرات من بنات جنسها اللواتي أُهديت لهنّ الرواية، فكانت تتدخل في الرواية وتُدخل القارئ معها وتُشارك في آراء شخوصها وتُشرك قارئها أيضاً.

وبأسلوب ديدروا في «جاك القدري» الشهير: «الكلام عن تميمة لا ينتهي، بما أنّ هذا المقطع قد قطع السرد، فعلينا الإقتناع بالتوقف، وإلاّ لروينا قصصاً طويلة عن تميمة، ونسينا سلطانة معلقة، خائفة من العقاب، حائرة... أليس علينا أن نضحّي قليلاً بسيرة تميمة، لنعود إلى حكايتنا المركزية هنا، حكاية سلطانة؟» (ص33).

وفي هذا الجمع بين الراوي والقارئ تعميم لشمولية المشكلة التي تطالنا كلّنا وتكريساً لخطورتها.



افتتحت الكاتبة روايتها بمشهد فني قاسٍ من شدّة فتنته: «في اللحظة التي انفصل فيها الرأس عن الجسد، سقط الرأس الثاني في الأسفل. مشهد بالغ الغرابة، جسد مفصول عن الرأس، يتدلّى بين الساقين رأس آخر. أهو جسد يحمل رأسين؟ رأس في الأعلى، وآخر في الأسفل؟ انشغل الحاضرون بالرأس الأول، المفصول عن جسده. لهذا لم يلحظ أحدهم بروز الراس الثاني.

المرأة العجوز الجالسة خلف النافذة، الملتصقة بكرسيها، لا تتحرك كما لو أنها ميتة، إلاّ أننا نعلم بأنها ليست هكذا، فقط عبر دموعها. هو أيضاً الرجل العجوز الجالس خلف النافذة، الملتصق بكرسيه، لا يتحرّك كما لو أنّه ميت، إلاّ أننا نعلم بأنّه ليس هكذا، فقط عبر بريق عينيه.

الرأس الجديد الواصل للتوّ إلى الحياة ، لا يصرخ، لا يُعلن ميلاده، كما لو أنّه عرف وأحسّ بأنّ وجوده مرفوض، منبوذ» (ص12، 13). في هذه الإفتتاحية تُصوّر الكاتبة جريمة شرف لامرأة ولدت فتاة أخرى في اللحظة التي أُعدمت فيها.

المرأة التي ماتت هي سلطانة التي دفعت حياتها ثمن حبّها لإبراهيم، والفتاة التي ولدت هي تلك التي نبذها المجتمع فأخذها والدها وعاشا معاً في البراري حيث لا عادات ولا تقاليد ولا حتى مُغريات لخرقهما أيضاً، وهي التي ظلّت بدون إسم إلى أن اكتشفت الحبّ صدفة وسماها حبيبها «ريحانة» قبل أن يقتلها والدها ابراهيم الذي لم يستطع أن يحفظ وعده لحبيبته المقتولة المغدورة بصون ابنتهما ومنحها حريتها باختيار حبيبها والتمتّع بحبّها كما تحب وتحلم.



اختارت الكاتبة لعبة الألوان في عنونة فصول روايتها: «الأحمر» (لون الدم)، «الأصفر» (لون الخوف)، «البرتقالي» (بداية الأمل)...، إلاّ أنّه كان بالإمكان الإستغناء عنها لتبديد هذا الجوّ الغرائبي الذي يُرافقك طوال الرواية من دون أي تأثير أو إضافة في المُنجز.

كما أنّ الأسلوب الروائي الذي تنتهي فيه الرواية عبر الفصول الأخيرة لا تُشبه الإنطلاقة المدهشة التي بدأتها الكاتبة، ما يُشعرك بأنّ ثمة مزاجين مختلفين سيطرا على كتابة تلك الرواية.



«بنات البراري» هي رواية أنثوية بامتياز. كُتبت بصدق يجعلك تحسّ بأنّ الكاتبة هذه تحمل ثقل كلّ تلك الجرائم البشعة التي تُرتكب تحت شعار غسل العار. هي رواية شابة ثائرة في زمن الشباب الثائر، فهل يُمكن أن تصل إليهم لينظروا إلى قضايا المرأة كمطلب أساسي لا يقلّ أهمية عن مطالبهم السياسية والحياتية والمعيشية؟

lundi 5 septembre 2011

«بنات البراري» لا يخرجن اليوم للتنزّه

بنات البراري  لا يخرجن اليوم للتنزّه

الإثنين, 05 سبتمبر 2011

ماري القصيفي



كيف نقرأ الروايات العربيّة المكتوبة أو الصادرة عشيّة الثورات العربيّة؟ هل ننظر إليها على أنّها من عصر بائد لا يصحّ ما فيها على الواقع المستجدّ، أم نفتّش بين كلماتها عن ملامح ثورة لم يصدّق الأدباء والمفكّرون أنفسهم، وهم أكثر الحالمين بها، أنّها قد تتحقّق ليكونوا هم أوّلَ المتفاجئين بها؟ وكيف نفهم أن يخرج إلى الشارع ثوّارٌ يريدون إسقاط الأنظمة الديكتاتوريّة وبينهم رجال لا تزال أيديهم ملوّثة بدماء نساء لا يسلم الشرف الرفيع من دون إراقة دمائهنّ؟ وبماذا تختلف النساء اللواتي استُشهِدن في سورية خلال التظاهرات الأخيرة (أكثر من خمسين شهيدة) عن آلاف النساء اللواتي قتلن ولو بشبهة الحبّ؟ تساؤلات فرضتها رواية «بنات البراري» للكاتبة السوريّة الكرديّة المقيمة في فرنسا مها حسن (دار الكوكب–رياض الريّس)، ولن نجد الأجوبة عليها قبل أن تتبلور صورة المجتمع الجديد ويتوضّح دور المرأة فيه مع وضع حدّ لمرحلة سوداء عنوانها: جرائم الشرف.



وإن كان من موضوع يستحقّ الكتابة عنه بمزيج من الشعر والغرائبيّة والواقعيّة التقريريّة، فهو جرائم الشرف التي هي مزيج من الحبّ والجنس والجريمة، وفيها يختلط الخاصّ بالعام، والقيم الاجتماعيّة بالظلم. وهذا ما بنت عليه الروائيّة هيكل روايتها. ومع ذلك، فالمعلومات الموثّقة عن هذه الجرائم أساءت في أكثر الأحيان إلى العمل، حين أسقطت اللغة من قمم الفانتازيا إلى حضيض الخبر النثريّ الجافّ واللهجة الخطابيّة الواعظة، كما في قولها «اخترع الرجال الأفكار، قسّموا العالم ونظّروا فيه وأفسدوه وحلّلوه (...). يجب أن تأتي امرأة لتقلب الفكر العالميّ...» (ص 98).



فهل كانت الكاتبة تتعب من ثقل هذه الجرائم على ضمير البشريّة فترزح بها ومعها، وتتخلّى عن ترف الصورة الشعريّة لتفاجئ القارئ بتدخّلها مصلِحةً اجتماعيّة ثائرة غاضبة، ثمّ تجبره على الانضمام إليها ولو شاهداً سلبيّاً؟ في الصفحة الأولى من الرواية، نقع على انطلاقة فنيّة رائعة تصوّر جريمة الشرف التي ترافقت مع ولادة الطفل الآتي من خارج شرعيّة الزواج: «في اللحظة التي انفصل فيها الرأس عن الجسد، سقط الرأس الثاني في الأسفل. مشهد بالغ الغرابة، جسد مفصول الرأس، يتدلّى من بين الساقين رأس آخر. أهو جسد يحمل رأسين، رأساً في الأعلى وآخر في الأسفل؟ انشغل الحاضرون بالرأس الأوّل، المفصول عن جسده، لهذا لم يلحظ أحدهم بروز الرأس الثاني». ثمّ تأتي العبارة التي تجعلنا فيها الكاتبة شركاء معها في رؤية ما يجري وفي عدم التحرّك لمنعه: «المرأة العجوز الجالسة خلف النافذة، الملتصقة بكرسيها، لا تتحرّك كما لو أنّها ميتة، إلاّ أننا نعلم بأنها ليست هكذا، فقط عبر دموعها». «إننا نعلم» تقول، ومع ذلك نكتفي بالبكاء، كهذه المرأة العجوز. ولكن الرجل العجوز الذي تبرق عيناه ابتهاجاً بتحقيق العدالة والانتقام للشرف، والجالس كما تجلس المرأة، يفسّر عجز المجتمع عن محاربة هذا النوع من الجرائم، وحين يتحوّل حبيبُ المرأة المفصولة الرأس ووالدُ الطفلة مرتكبَ جريمة شرف يغسل فيها العار، نفهم أنّ الرجل العجوز في بداية الرواية كان مطمئنّاً في سرّه إلى تواصل مسلسل القتل.



تتوزّع الرواية على فصول لها ألوان، كما في رواية «شرائط ملوّنة من حياتي» للكاتبة اللبنانيّة ليلى عسيران (1994): فالفصل الأوّل عنوانه «أحمر»، وهو لون الدم الذي صبغ القرية التي قتلت فيها «سلطانة» بسبب علاقتها بـ «إبراهيم» وحمْلها منه. عنوان الفصل الثاني «أصفر»، وهو لون الخوف كما تشرح الكاتبة، التي تتدخّل في الصفحة 51 قائلة: «لماذا سمّي هذا الفصل بالأصفر؟ جميع شخوص هذه الرواية يشعرون بالخوف. الخوف الذي يمتقع بسببه لون الوجه. يهرب منه الدم الأحمر». الفصل الثالث يحمل عنوان «بنات البريّة»، وفيه نرى أنّ الفتيات لا يشعرن بالأمان إلاّ متى تركن بيوتهن وقراهنّ واعتزلن في البريّة، في اتّهام مباشر للحياة الاجتماعيّة التي تغتصب المرأة وتقتلها بدل أن تحميها. الفصول الأخرى تحمل على التوالي عناوين: أحمر قانٍ، برتقالي، أزرق عابر، أسود، أخضر، وفيها دلالات واضحة على القسوة في الأحمر القاني حين ينتشر الخوف من الحبّ الذي بات الجميع يرى فيه طريقاً للموت، ثمّ يلوح احتمال خلاص في البرتقالي، حين كبرت ابنة «سلطانة» وبلغت، وغسلت بدم حيضها لعنة أمّها على القرية وبدأ الأحمر بالاختفاء تدريجاً. يليه أمل عابر في الأزرق، حين عرفت ابنة «سلطانة» الحبّ فمنحها حبيبها اسم «ريحانة» بعدما كانت بلا اسم، قبل أن يقتلها والدها غسلاً للعار. هنا تنتهي الرواية، غير أنّ الكاتبة تأخذنا تحت عنوان اللون الأسود إلى باريس، حيث تقيم، لتعرّفنا على رجل «حقوقيّ، حاصل على شهادة عليا في الحقوق، ومعارض سياسيّ اعتقل لسنوات، وتعرّض للضرب والتعذيب، إلاّ أنّه قال لي (للكاتبة)، ولم أفاجأ كثيراً، فهو أبي، أو يشبه أبي ومعظم الآباء الشرقيّين: «تعرفين، لو أنّ ابنتي خرجت عن الشرف لقتلتها» (ص 140). غير أنّ الروائيّة في الفصل الأخير الذي تصفه بأنه متخيّل، تعبّر عن رجائها بمجيء غد أفضل أعطته اللون الأخضر، ولن يتمّ ذلك ما لم تتحدّ البنات، بنات الحريّة، ويستحممن على آثار دماء سلطانة وريحانة (ص150).



لم يكن في إمكان مها حسن أن تبقى روائيّة محايدة مختبئة خلف شخوصها وهي ترى النساء يذهبن ضحايا الحبّ والرجال يَقتلون بسبب الجهل ولو ادّعوا أنّهم يشجّعون بناتهم على الدراسة، ففي مشهد من الرواية تحذّر «تميمة» نبيّة القرية، المتنسّكة في البريّة، والد «سلطانة» من إرسال ابنته إلى المدرسة من دون أن تبوح له بالسبب. فهي بحكم قدرتها على رؤية المستقبل عرفت أنّ المأساة ستقع لا محالة حين تتعرّف «سلطانة» على حبيبها في المدرسة. يرفض الوالد النصيحة قائلاً بحزم: أريدها أن تخرج، أن تملأ وقتها بعوالم مختلفة، أن تتعلّم، أن تفكّر، أن تتساءل، أريد لذهنها أن يتفتّح، ويخرج من حدوده الضيّقة. العلم مهمّ يا أمّاه، العلم يمنحها المعرفة، والمعرفة بصيرة ونور، العلم يفتح طاقاتها الداخليّة، يفتح أمامها أبواباً جديدة، ينقذها من مصير ضيّق محدود. هكذا فقط أستطيع حمايتها، لا بعزلها في المنزل كقطّة بيتيّة، أو كعصفور، في قفص، بل عبر تعليمها ومنحها صوراً جديدة واحتمالات مختلفة» (ص44). لم يأت «شريف» والد «سلطانة» على ذكر الحبّ كاحتمال شعور قد ترغب ابنته في اختباره، لذلك كان عليه أن يكون «اليد» التي تحمل السكّين نيابة عن المجتمع ويقطع عنق ابنته التي أراد لها، ربّما، أن تتعلّم كي تحصل على وظيفة وتساعده في تحمّل أعباء الحياة، لا أن تعرف جسدها وجسد الرجل وتكتشف رغباتها ورغباته. والمفارقة هي أنّ كلّ رجل يقنع نفسه بأنّه يؤدّي مهمّة مقدّسة يحميها القانون وتشرّعها التقاليد ويباركها المجتمع، فيجيب «إبراهيم» ابنته «ريحانة» حين تسأله عمّا سيفعله بها حين علم بخرقها التقاليد: ليس أنا...إنّه القدر.



«بنات البراري» لا يخرجن اليوم للتنزّه، ويرجعن بباقات من ورد الربيع، شقائق النعمان، الأقحوان، الورود الصغيرة الملوّنة التي لا يعرفن أسماءها، النرجس الأصفر (ص 65). إنّهن مساهمات في زراعة الربيع العربيّ في ساحات المدن، فهل تنصفهنّ أزمنة ما بعد الثورات، وتحمي حريّتهن ورغبتهنّ في العلم والحبّ والحياة؟



vendredi 2 septembre 2011

مكتبتي

الروائية السورية مها حسن...

مكتبتي

31 أغسطس 2011

مايا الحاج





عندما يقع الإنسان في عشق الورق تُصبح العلاقة بينهما ملتبسة ولا يُمكن أن يفكّ لغزها إلاّ الإنسان العاشق نفسه الذي يرى في كتبه ثروته الحقيقية... ولأنّ المكتبة هي الركن الذي يُخبّئ فيه القارئ النهم ثرواته الورقية الثمينة، قمنا بزيارة استكشافية لمكتبة إحدى عاشقات الكتب الخاصّة وجئنا بالاعترافات الآتية...


علاقتي بمكتبتي هي

الأشخاص الذين تعرفت إليهم عبر الورق.. أحببتهم، عاشرتهم، وصاروا جزءاً من عائلتي المختارة وأصدقائي الأقرب.. حياتهم مندمجة في حياتي، وذاكرتهم تشكل بعض ذاكرتي.



أزور مكتبتي مرّة كلّ

ما من قاعدة ثابتة، قد أزورها في اليوم أكثر من مرة، وقد أزورها مرة في الأسبوع، بحسب حاجتي لمراجعة ما، أو معلومة ما.



أنواع الكتب المفضلّة لديّ

الرواية والنقد الأدبي، بالإضافة إلى الدراسات والأبحاث الفكرية.



كتاب أُعيد قراءته

«الكاتب وكوابيسه» لأرنستو ساباتو.



كتاب لا أعيره

لا أحب إعارة كتبي في العموم.. حين أفعل أكون في حالة قبول بعدم استعادة الكتاب. الكتاب القريب والغالي عليّ، يبقى معي، ولا يفارقني.



كاتب قرأت له أكثر من غيره

سارتر.. أعتقد أنني لم أفوّت له أي عنوان.



آخر كتاب ضممته إلى مكتبتي

رواية «الاحتلال» لآني إرنو.



كتاب أنصح بقراءته

«نساء يركضن مع الذئاب» لكلاريسا بنكولا، أنصح به وخاصة للنساء، فهو برأيي يُساعد كثيراً في كشف المناطق القوية الخفية لدى المرأة، كما يساعدها في التعرف على مناطق ضعفها أيضاً.



كتاب لا أنساه أبداً

«الإخوة كارامازوف» لديستويفسكي و«المسخ» لكافكا.



بين المكتبة والإنترنت أختار

المكتبة... للورقي حميمية مختلفة.. أعشق أخذ الكتاب معي في أمكنة مختلفة، في المترو، في الحديقة، في السرير.. يزعجني الكمبيوتر والقراءة التي تسبب ألماً في الظهر والعينين، بينما للورق حنان مختلف.. يتسلل بسهولة إليّ، أحب ملمس الورق ورائحته.















mercredi 3 août 2011

في حوار حول كينونة الرواية

بعد صدور روايتها <بنات البراري>

الروائية السورية مها حسن في حوار حول كينونة الرواية

رواياتي لا تدع القارئ بسلام

الروائية السورية مها حسن



لمع إسم الروائية السورية مها حسن،المقيمة في باريس، من خلال رواياتها الخمس:<لوحة الغلاف اللامتناهي> <تراتيل العدم> <حبل سري> و<بنات البراري> التي صدرت حديثا عن <دار الكواكب> التابعة> لشركة رياض الريس للكتب والنشر> في بيروت·

···من هي مها في كينونة الكتابة؟ ما أسلوبها، وما قلقها؟· نقارب جوهر الأجوبة، في هذا الحوار الذي أجريناه مع مها حسن في بيروت، في زيارتها الأولى لعاصمة الأدب والحرب، والفن والسلام·هنا تفاصيله:



{ رواياتك تشكّل أعمالاً روائية خارجة عن السياق السردي المتشابه مع الآخر، وتخوض في إشكالات عدّة منها إشكالية الغربة والتعددية والهوية والمغايرة والإلغاء ·ما هي مقومات الخلطة السرية التي مكّنتك من دخول بوابة هذا العالم الشائك بمفتاح الكتابة؟ - سؤال كبير،لا يمكن تحديد الإجابة عليه بكلمات آنية، أو بإطار مجتزأ· خاصة، أنه يتعلق بمسألة البحث عن الجذور· ولكن يمكن القول إنني ولدت في بيئة مشرقية حكاّءة·بمعنى أنني أنتمي إلى الشرق الحكّاء بامتياز·أمي كانت هي المنبع الذي زودني في البداية بملكة الحكي، وذلك من خلال ولعها بقراءة الفنجان·لكن والدتي - وفق نظرتي للأمر- لم تكن تهدف إلى مشاهدة الرموز والإشارات التي تظهر في مدار فنجان القهوة، بقدر ما كانت ترغب بالحكي وبقصّ الأخبار على الأخريات· فاللغة كانت وسيلة لتواصلها مع المحيط الخاص بها، والفنجان كان البديل عن القلم أو عن فعل الكتابة·كان هو أداة الحكاية· شخصياً، استمديت المقدرة على الحكي من أمي· كما استمديت من أبي خصوصية ابتكار الحكاية،فهو كان بارعا بتأليف الحكايات الشفهية غير المعروفة·الشرقيون مهجوسون بالحكايات·وكوني شرقية فقد أصابني هذا الهاجس، لكنني إشتغلت عليه من خلال تطوير أدواتي القرائية والفكرية واللغوية والإنسانية والفنية معا، وتمكنت من تشكيل خلطتي المجبولة بكل ما اختبرته، وبكل ما ورثته في الجينات المشرقية·· كأن في المسألة أشياء بيولوجية قائمة بحد ذاتها· ولكن تبقى الرواية هي المعادل الجديد لهويتي·



{ تحطين في <بنات البراري> رحالك على مرسى التحرر ومجرى القصاص،وتكشفين دواهي النفوس التي ترتكب جرائم بإسم الشرف،في جو يخالطه النفس الأسطوري مع التراثي مع الإجتماعي في الوقت نفسه· إلى أي مدى قد تكشف أعمالك الوجه المتشظي للذات،وهل يمكن القول إن الوجه المرمّم لهذه الذات لن يجد موقعا له في رواياتك؟



- دائما الفن يبحث عن النقائص·فما من كمال في الأفعال· الكمال هو الشيء المطلق· دور الكاتب هو السير باتجاه النقيصة·عليه الذهاب إلى الأماكن المؤلمة، وإلى الأماكن <القذرة>· حتى وإن أراد الذهاب إلى الوجه الآخر لهذه الأمكنة، فهو يظل معنياً بالألم أكثر من السعادة· من هنا أنا معنية دائما بالبحث عن كل ما هو ناقص،لأستكشف الحياة· فالحياة ألم زائد· هي أشبه ببرميل من المرارة، مزوّد بملعقة من العسل· لذلك أكتب عن كل ما هو مفقود، ويلازمني قلق الوجود وقلق الذات و قلق الموت و قلق ما بعد الموت·



{ كتاباتك الروائية مفكّرة، تستدعي الفكر والميتافيزيقيا ومغاور النفس· هل انت روائية تحمل الفكر وتكتب تحت ثقله،أم أنت مفكّرة تحمل الروي الفني والإنساني وتتخذه تمائم سرية لطقوسها وأسرارها وتمثلاتها معا؟



- أود بداية أن أشير إلى أن الرواية هي غير الحكاية· ولي تعريف للرواية أعمل عليه في رواياتي، بعيداً عن أي إدعاء· العمل الروائي يحتمل علوماً متعددة، مثل علم الاناسة· فعالم الأنتربولوجيا الكبير كلود ليفي شتراوس له كتاب أحبه كثيرا،هو <المداران الحزينان> وثمة من قال- يستحق هذا الكتاب أن يكون رواية وأن يفوز بجائزة> غونكور> الأدبية الفرنسية-· لذلك ترين أنني في كتابتي لا أفصل الفكر عن الرواية، ولا أحب أن أقدم لقارئي عملا روائيا سهلا·نرجسيتي تأبى علي إلا أن أقدّم له العمل الذي لا يدعه ينعم براحة البال أو يخلد بعد قراءته إلى النوم بسلام·



{ تزورين لبنان للمرة الأولى·ماهي أوجه التقاطع التي رصدتها في هذه الزيارة على خط سوريا- باريس-بيروت؟ - أسبوعان قضيتهما في بيروت، لكنهما كانا كافيين بالنسبة إلي، حتى أرى أنها تستحق كتابات كثيرةعنها· وجدت في بيروت ملامح شرقية وملامح غربية تحت سماء واحدة·وجدت فيها شيئا من حلب، وشيئاً من باريس· إلا أن الأمر الذي ميزها من وجهة نظري عن هاتين المدينتين هو الأمان·شعرت بأمان غريب لم أشعره في كل من حلب وباريس· كنت أمشي في شوارع بيروت كإمرأة وككاتبة دون أي خوف من أحد· الناس هنا يشعرون الضيف بالأمان·لم آخذ الحيطة والحذر من أهل بيروت·لقد عاملتني هذه العاصمة الجميلة كإبنة لها، واحتضنتني بحنو، رغم التناقضات التي تتنازعها في ميادين السياسة، ورغم مخاطر الصدامات والحروب التي تتوالى عليها وتتهددها بين آونة وأخرى·وهنا باعتقادي يكمن السر الذي تحمله بيروت ·



حوار:غادة علي كلش تصوير: سمير المصري

mardi 19 juillet 2011

أصدرت بنات البراري مها حسن: أعتبر نفسي كاتبة تجريبيّة

كتب: محمد الحجيري

بعد «حبل سري» و{تراتيل العدم»، أصدرت الروائية السورية المقيمة في باريس مها حسن رواية جديدة بعنوان «بنات البراري» (منشورات الكوكب، رياض الريس للكتب والنشر)، وفيها تتطرّق إلى موضوع «صارخ» هو قضيّة «جرائم الشرف» التي تتعرّض لها فتيات عربيات وتركيات وكرديات  كثيرات، ذلك عبر قصة حب تنحو قليلاً إلى اللعبة الفانتازية.


في روايتها الجديدة اختارت مها نمطاً مختلفاً عن رواياتها السابقة، فهي إذ اعتمدت «الثقافة» إذا جاز التعبير في رواية «تراتيل العدم» والسرد في رواية «حبل سري»، تأتي اليوم لتكتب بأسلوب التكثيف والفانتازيا ومسرحة المشاهد بل وإدخال بعض نصوص شعرية.

تكتب مها عن جريمة الشرف بلغة النشيد وكأنها صرخة لأجل الحرية، وتهدي روايتها الى «جميع النساء اللواتي أزهقت أرواحهن باسم الشرف». تتحدّث عن قتل النساء باسم الشرف عبر سرد حكاية صبية اسـمها سلطانة، تعشق الحياة والبرية. تقع في قصة حب، لتكون بعدها ضحية شرف. فتحلّ لعنة دم سلطانة على القرية فيُصبغ كلّ ما فيها باللون الأحمر.

بعد سنوات، تبدأ القرية بالتخلّص من لعنة اللون الأحمر، وتتدرّج ألوانها، وفق فصـول الرواية المسماة بها، من الأصفر إلى البرتقالي ثم الأزرق قبل الوصول إلى الأخضر عندما تسترجع القرية لونها الأصلي، وتحظى البرية الحمراء بلونها الأخضر مجدداً…

تكتب مها بأسلوب الواقعية السحرية بطريقتها وتستنتج في الختام أن هذه الظاهرة الاجتماعية لم تنتهِ فصولها، تقول: «نشأت في بيئة غنية بقصص الشرف والقتل بسبب الشرف، منها الخيالي ومنها الواقعي، إلا أنني أحطت دوماً بمجموعة تعاليم وتحذيرات من الوقوع في خطيئة الشرف». بمعنى آخر، تكتب الروائية جانباً من سيرة الطفولة ومجتمع الشقاء وسيرة الجسد المقيّد بألف «تابو وتابو» في مجتمع شرقي ورث القوانين والأعراف من عصور غابرة وما زال يوظّفها حتى في المجتمعات الأوروبية.

مها التي زارت بيروت قبل أيام، تحدّثت الى «الجريدة» في لقاء خاص حول نظرة بعض العرب العنصرية إلى أصولها الكردية، إلى حدّ أن أحد الكتاب استغرب كيف توضع روايتها «حبل سري»، لمجرد أن كاتبتها من أصل كردي، على لائحة «بوكر» الطويلة. هي في هذا الإطار عاشت المنفى مراراً، تارة في مجتمعها الكردي بسبب خياراتها الثقافية، وتارة ثانية في محيطها العربي بسبب الأفكار العنصرية التي تتحكّم بالبعض، وطوراً في فرنسا حيث تعيش منفى اللغة والثقافة، وصولاً الى منفى التواصل… ولا تخفي الروائية أنها متحمّسة بقوة للرواية الغربية المترجمة، وتعتبر أنها في بدايتها كانت تميل الى التمثيل والمسرح، لكن لا مكان لهذا الاختبار في مجتمعها المحافظ لذا لجأت إلى الكتابة للتعبير عن ذاتها المنفية ولتبيان الشعور بالاغتراب.

تنفي مها حسن أن تكون اختارت عنوان «بنات البراري» كصيحة على نحو ما عرفنا في رواية «بنات الرياض» و{بنات إيران» و{نساء بيروت»، وتقول إنه ربما وردت في ذاكرتها رواية «ذئب البراري» للروائي الألماني هرمان هسه (ثمة من يترجمها «ذئب السهوب»)، وتضيف بأنها أرسلت نسخة من الرواية بعنوانين الى الناشر، الأول «بنات البراري» والثاني «الأرض المطرّزة بالدم»، وفي النهاية اختارت العنوان الأول لأنها وجدت الثاني طويلاً وغير مناسب لرواية.

هنا أسئلة طرحناها على مها حسن…

هل تبحثين عن نمط محدّد في كتابة الرواية، خصوصاً أنك ذكرت لي أن ثمة تفاوتاً في أسلوب رواياتك؟

أعتبر نفسي كاتبة تجريبية… ربما لدي بعض رواسب الوجودية، لكنني لا أحاول التأطر ضمن نمط محدد.

هل بدأت تتأثرين بالمناخ الفرنسي في كتابة الرواية؟

حتى الآن لم يحدث ذلك، ولا تزال روايتي رهينة تفكيري ومخيّلتي العربية.

هل أنصفك النقد حتى الآن؟

في الفترة الأخيرة نعم، بعد وصول روايتي إلى اللائحة الطويلة لجائزة «بوكر»، وأتساءل أحياناً، لو لم تكن روايتي على تلك اللائحة، أتراها كانت لتهمّش كأعمالي السابقة؟

كيف تجدين الفرق بين الشرق والغرب لناحية التعاطي معك باعتبار أنك من أصول كردية؟

الغرب لا يقف كثيراً أمام مسألة الإثنيات بسبب تنوّع مجتمعه، وكوني كردية فلا يحمل ذلك ميزة ولا عيباً في ذلك المجتمع. بالنسبة إلى المجتمع العربي، أتحدث ثقافياً طبعاً، وعلى رغم العراقيل التي واجهتها كثيراً في بداية مشواري الكتابي وتعرّضي لكثير من التمييز، إلا أنني اليوم، إما بسبب كتابتي ذاتها، أو بسبب تغيّر ظروف المنطقة، ومنها السياسية، لا سيما بعد تحقّق الحكم الذاتي في العراق وحصول الأكراد على كثير من الاعتراف، باتت كرديتي اليوم مرحّباً بها في الأوساط الثقافية التي تتفهّم التنوّع. أما بالنسبة إلى الفكر القومي العروبي، فثمة مضايقات واستفزازات يعاني منها أمثالي، المتحدرون من قومية أخرى، لكننا نكتب بالعربية.

عندما تقرئين روايتك الأخيرة، كيف تقدّمين ملاحظات عليها كقارئة؟

لا يمكنني التعامل مع نصّ كتبته بحيادية القارئ.

ما هو انعكاس لغة البراري على لغة الرواية؟

أعتقد أن هذا السؤال موجّه إلى الناقد وليس لي، ومع هذا أعتبر أن وجود تفاصيل البرية من نباتات وطقوس وألوان له علاقة بلغة الرواية.

هل تكتبين عن جرائم الشرف كجزء من سيرة الجسد؟

لا أميل إلى تفصيل العلاقة بين الشرف والجسد هكذا، لكني من دعاة تحرير الإنسان، امرأة أو رجل، من دون التركيز على الحرية الجسدية، وليس هذا تهرباً من مواجهتي حقوق الإنسان الجسدية أو الجنسية سواء أكان رجلاً أو امرأة، إلا أنني لا أميل إلى التركيز أو الاقتصار على الحق الجنسي أكثر من حق التعبير مثلاً أو الاعتقاد، لكن خصوصية المجتمعات الشرقية تجعل من قضية المرأة وحريتها وحقوقها حالة محورية، حيث غالباً النساء هن الضحايا حتى لدى الطبقات الثقافية.

كيف تقارنين واقع الجسد بين مجتمعك الشرقي الأسطوري ومجتمعك الآخر الغربي؟

هذا سؤال تطول الإجابة عنه. في روايتي «حبل سري» تحدثت كثيراً عن هذا الاختلاف الحاد… خذ مثلاً صغيراً، حين تجلس امرأة في المترو بطريقة ما من دون أن تبالي أو تركّز على طبيعة جلستها، لتظهر أجزاء معينة من جسدها، فإن أحداً لا يلتفت إليها، وحين يحصل، فإن المتلصّص يفعل بسرية لأنه سيدان إن ضبط مختلساً النظر. فالمرأة ليست عورة وليس جسدها فخاً لاستدراج الرجل والحصول على بعض الميزات… ثمة «دمقرطة» لجسد المرأة والرجل، إذ يتم الفصل بين الجسد الحميمي والجسد في العلاقة العادية الرسمية… حيث الاحترام وعدم التركيز على دلالة الجسد الجنسية… أما «الاغتصاب» مثلاً، فحالة لا يتم التساهل معها على عكس مجتمعاتنا.