mercredi 21 décembre 2016

مترو حلب للسورية مها حسن: وقائع هوس بالمكان

 محمد جميل يعقوب القدس العربي

على خلفية الحرب السورية تقدم الروائية مها حسن نوعا جديدا من أمراض الحنين، عندما تقبل الذاكرة بيانات جديدة وترفض معالجتها إلا بعد أن تمزجها أو تستبدلها كليا بمستودعها من الصور القديمة، الأمر يشبه نوعا من معاندة دارات الاستعادة العصبية المربوطة بالدماغ، ورفضا مبطنا للبقاء في مكان بديل، تقدم الكاتبة حالة هوس بالمكان يمنع المصاب به من التأقلم، حيث يرفض المكان «المرجع» أن يغادر ساحة الإدراك ويتمادى بتقدم نفسه دائما مكانا وحيدا ونهائيا كمتلازمة السمك والماء.
لا ترتبط الحالة بشكل مباشر بالحرب فهي مجرد لواعج داخلية او مطارحات مع الذات تنتاب بطلة الرواية، ثم تأتي الكاتبة لتربط بين علم نفس الحنين ويوميات العنف ووحشية الحرب، لا توجه الحرب سلوك البطلة ولا تؤثر بحالتها ولكنها توفر لها الدوافع لتبرر ما تقوم به وتهيئ لها مناخات ممارسة الحنين.
تعطي الكاتبة فرصة لبطلتها لتتفاعل مع المكان الجديد وتخلق لها محفزات للبقاء ومثبطات عن العودة، من ضمنها منزل في باريس ورصيد بنكي يقارب المئة وخمسين ألف يورو لكن سارة بطلة الرواية تتأبط أول فرصة حقيقة للعودة وتغادر المخمل الباريسي المترف إلى حلب، حيث الأتون الذي لا يهدأ أواره، ولا تبرر الكاتبة العودة إلى ساحة الحرب إلا بالضغط النفسي الذي يعاود البطلة كنوبات «الكريزا».
رغم الأمان المنتشر في باريس الذي تقدمه الرواية على شكل محطات مترو هادئة، وجيران حذرين ولكن لطفاء، والكثير من الأصدقاء المستعدين أن يفتحوا آذانهم للاستماع من دون عرض النصائح، ترفض سارة إلا أن تستحضر حلب بكل ثيماتها التاريخية والجغرافية المعروفة، تنتقي من باريس المترو بعجلاته وحجراته ومحطاته وحتى ركابة لتعود به ليستقر تحت بيوت حلب.
تحتل باريس الصورة البصرية ولكن تفاصيل حلب التي تشكل جينا منفصلا في خلايا سارة يرفض أن يبقى خاملا ويلج مستعيدا الماضي مغطيا جزءا مهما من صورة باريس، تُستدعى سارة على نحو غامض من خالتها لتأتي إليها في باريس تنتقيها من بين أخوتها بالاسم لتشهد آخر أيامها ولتُسمعها تفاصيل ذات طبيعة سرية يجب أن تُنقل بشكل شخصي، بدون تفاصيل السفر وتعقديات الجوازات، نجد سارة في باريس تعايش خالتها وهي تلفظ آخر أنفاسها تاركة وراءها ثروة من السرد الحكائي لتاريخ حياتها وتفاصيل هروبها المثيرة من دمشق إلى باريس على شرائط سماعية لا يمكن معرفة ما فيها قبل أن تغادر الخالة هذا العالم.
تبدو سارة واقفة على تخوم الثورة تشاهد المظاهرات وتشترك في بعضها، من دون خلفية سياسية كافية لتجد نفسها في باريس وسط غموض الخالة التي خُلقت فجأة من رسالة سريعة، من الملجأ الباريسي وباستماع صبور إلى أشرطة مسجلة تركتها الخالة أمينة، تعرف سارة بأنها كانت مجرد قشة في مهب إعصار عنيف، والخالة أم تركت ابنتها وهي صغيرة لتمارس هواية تحولت إلى شغف أطاح بزواجها وبعائلتها وبحياتها في دمشق، لا تبدو أمينة مقتنعة كليا بنجاحها الفني في باريس فهي تعترف بلوعة أن ارتباطها بابنتها التي تركتها رضيعة لم ينفصم، وها هي تعبر عن قوة هذا الرابط بتوريثها كل ما بقي لديها، هروب أمينة وضع على وليد عبء زواج يغطي به زواجه الأول وكلف عادل حياته كلها فقد تركته هدهد لتتزوج زوج شقيقتها الهاربة، تنهار بضع قصص حب دفعة واحدة لتعيش سارة، فتنمو في حلب بحضانة الأم البديلة هدهد، إلى أن تأتيها الدعوة اللغز. كل شيء في الرواية يدور حول سارة التي تكتشف مرض الحنين عند وصولها إلى باريس، الحياة في دمشق وحلب وباريس مكرسة لتعطي لسارة الشخصية الروائية المطلوبة، أنثى مسرعة بهرمونات كسولة تركض لتلاحق مواعيدها وليس صدفة أن يكون مترو باريس وسيلتها الوحيدة، تبرز سارة حتى على أحداث الحرب والثورة تقف شاهدة على شخصيات المعارضة وتعبر عن سخطها من كل شيء من دون أن يكون لهذا الموقف تداخلا مؤثرا على حالتها، ثم كما يتوقع القارئ تعود سارة الى مربعها الأول لتتخلص من حالات الأحلام النهارية المطبقة على صدرها على شكل صورة حلب، يأتي الرجوع وكأنه علاج لداء مزمن أكثر منه تلبية وطنية أو إخلاصا للمكان.
تلجأ الكاتبة، خاصة في القسم الثاني من الرواية إلى التراجيديا الموجعة، وتقدم نماذج مازوكية تحت عناوين الإخلاص و التضحية وتعتمد في آخر مشاهدها على الميلودراما لتقدم صورة شديدة الألم للقاء لم يحصل بين عادل وهدهد، كانت قذيفة الحرب حكما بعدم لقاء حبيبين، الصور النفسية للشخصيات كانت طاغية على أحداث الحرب، حتى تكاد الحرب كلها تتحول سايكولوجيا في وسط بحر من الشخصيات التي تصارع نفسها ولا تكف عن الهروب من الحاضر وكأنه خطيئة، تعيش كل الشخصيات ماضيها محاولة توقيف الزمن عند لحظة بعينها، رغم الحرب وواقعية الخراب. الحرب ليست هدفا روائيا فالمتن السردي يعتمد على سارة وما يدور بداخلها مع التعريج قليلا على الشخصيات الفائقة الإخلاص، أما الهامش فتحتله الحرب، ورغم مساحته الروائية الكبيرة فهو يبقى هامشا.

"مترو حلب" لمها حسن: ستديو تحميض صور الحرب بكيمياء الماورائيات

عبود سمعو ـ النهار



13 كانون الأول 2016 | 09:09
"مترو حلب" هي الرواية التاسعة للكاتبة السورية مها حسن الصادرة عن "دار التنوير للنشر"، حيث تجد سارة بطلة الرواية نفسها فجأة في منفاها الباريسي، غير قادرة على العودة إلى #حلب بسبب تصعيد العنف هناك، فتعيش حالاً من التأرجح وعدم اليقين في المكان، وتحلم بالعودة إلى مدينتها.
"تقول خالتي: حين أغمض عينيّ أرى نفسي فوق المسرح. المكان الحقيقي هو الذي يأتيك حين تغلقين عينيك أنا أرى حلب كلّما أغمضتُ عينيّ لا تغيب حلب. هي مكاني الحقيقي، و"كلّما مرّ المترو فوق السين أو المدينة، تخيّلت أنني سأنظر من النافذة، لأرى قلعة حلب أو سوق الهال أو حي التلل."
حبلان معلّقان على غصن شجرة النارنج في بيت عربي في حي الميدان بحلب، في أسفلهما وسادة قديمة. دفعة، دفعتان، ثلاث، ثمّ أعلى، فأعلى. هيييي، إنّها لذة التأرجح في الطفولة، مرفقة بغناء الأراجيح "هي دور اللحمة، وهي دور الشحمة، ويلي ما بينزل، رح يوقع ويتكسّر". مشهدان متناقضان في التأرجح، "مشهد أرض الدار المزدحمة بصواني البندورة وأمي مع عمتي وجارات جدّتي يعملن على عصر البندورة، ومشهد الحارة، حيث الدكاكين والناس. كانت الأرجوحة تدخل إلى الدار فأرى النساء من دون غطاء الرأس، مشمّرات أكمامهن وأثوابهن فتظهر سيقانهن العارية، ثمّ تخرج إلى الحارة، حيث النساء يرتدين ملابس محتشمة، أنيقة، ويختلطن مع الرجال".
نوبة أخرى من التأرجح بعد أعوام طويلة، هذه المرة في باريس، عندما سافرت سارة، بطلة الرواية، من حلب إلى باريس بطلب من خالتها، التي تعاني وضعا صحيّا صعبا. خالتها التي يعرفها أغلب الفرنسيين بأمينة دو دوماس، سيدة المسرح الشهيرة، تظهر فجأة في حياتها. تتشابك خيوط كرة الصوف في الرواية، بطابع سردي متقن، ثمّ لا تلبث أن تنفرج رويدا رويدا في باريس، وأثناء تفريغ سارة لأشرطة تسجيل خالتها على الورق، تكتشف أن خالتها هي أمّها الحقيقية، وهدهد خالتها التي ربتها، ودفعت ثمن حلم أختها الحالمة بالمسرح لتترك دمشق إلى باريس حيث تبدأ بتحقيق أحلامها تاركة خلفها ابنتها سارة وزوجها وأهلها وكل شيء شغفا بالمسرح. تجد هدهد نفسها مجبرة على الزواج من وليد، زوج أختها، والسفر إلى حلب، منهية بذلك قصة حبها بعادل، درءا للفضيحة.
مجددا المزيد من الاهتزاز، التأرجح، الثبات، اللذّة، الألم، الحقيقة، الحلم، حلب، باريس. أوه ماذا يجري؟ "تقول خالتي: حين اغمض عينيّ أرى نفسي فوق المسرح. المكان الحقيقي هو الذي يأتيك حين تغلقين عينيك. أنا أرى حلب كلّما أغمضتُ عينيّ لا تغيب حلب. هي مكاني الحقيقي". "كلّما مرّ المترو فوق السين أو المدينة، تخيّلت أنني سأنظر من النافذة، لأرى قلعة حلب أو سوق الهال أو حي التلل...". تلاقي الشخصيات في الرواية، لا يبدو روتينيا مملاً، فسارة التي التقت بطارق للمرة الأولى في تظاهرة جامعة حلب، أثناء زيارة المراقبين الدوليين لحلب آنذاك، وبينما كانت مع صديقتها تستقلان سيارة، في نزلة كلية الهندسة الكهربائية، وأثناء فض التظاهرة، على أيدي من يسمّيهم طلاب جامعة حلب "سلاحف النينجا" (قوات حفظ النظام)، وهرب الطلاب، طلبت من طارق ورفيقه أن يصعدا بسرعة إلى السيارة، ثم خلعت قميصها، ليلفه على يده المصابة، هذا في حلب مع بداية الثورة.
التقته في ما بعد في باريس، وبعد نوبة حنين مجنونة في محطات المترو وأرصفتها مع المشردين، ينتشلها مما هي فيه. بعد ثلاثين سنة، في شارع النيل بالقرب من حي السبيل، تماما في تقاطع الفتاة اليتيمة كاد أن ييتحقق لقاء هدهد بعادل لكنه لم يكتمل، فقذيفة واحدة وقعت فوق عيادة عادل الذي كان في طريقه إليها، أنهت كل شيء دفعة واحدة.
في الحقيقة، فقدت مها حسن أمها مرتين في حلب، مرة كونها سارة، ومرة أخرى هي هي مها بالتزامن مع الانتهاء من كتابة روايتها هذه، التي بدأتها بإهداء، هو جزء لا ينفصل عن الرواية، معنونة إياه "أمي ينبوع السرد" التي استشهدت نتيجة سقوط قذيفة على المنزل في حلب قبل عام تماما.
استطاعت مها حسن تحميض صور الحرب الداكنة، بكيمياء الماورائيات في مكان معتم، أكثر ما يشبه، أزقة قلعة حلب وأدراجها السريّة التي لن يكتشفها إلا عاشقان أرادا الاختفاء عن عيون الناس أوقات السلم، أو مسلّح متخفّ يحدث ثغرة في الجدار المقابل لسوق المدينة ليكشف بمنظار قناصته الطريق وإشارة (+) منتصف المنظار، أسفل رأس ضحيته في الحرب الدائرة الآن، لتخرج المشاهد بأبعادها النفسية، ظاهرة على ملامح كل شخصية من شخصيات الرواية, الشخصيات ضحايا أيضا، إلا أن الكاتبة كانت الضحية الأكثر مأسوية. لا تتجسد معاناتها فقط في تقمص معاناة السوريين، في كل مكان داخل سوريا بمختلف الرايات المرفوعة هناك، وخارجها بالتجمعات الصادقة منها والكاذبة، وأعواد السيلفي الإلكترونية المرفوعة أيضا في كل مكان في الخارج.
سافرت سارة إلى اسطنبول برفقة الصحافي يان، ومن ثمّ إلى غازي عينتاب. ومن هناك يدخلان إلى سوريا بطريقة غير شرعية مثل بقية الصحافيين، إلى عفرين ثم إلى أحياء شرق حلب، لتملأ مسامها بغبار الحب والحرب، ولسان حالها يقول: لا روزنامة للعام الجديد في الأحياء المحاصرة.
- See more at: http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1147d01fy289919007Y1147d01f#sthash.RJoWiGd7.dpuf

رواية «مترو حلب» لمها حسن .. البحث عن سورية ما بين الهنا والهناك ! - See more at: http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1147d01fy289919007Y1147d01f#sthash.RJoWiGd7.dpuf



كتبت بديعة زيدان:
"أين نذهب نحن السوريين؟ ما من مكان في العالم يتسع لنا. وحين يحصل ونجد مكاناً نحمل بلدنا معنا، ونقارن تفاصيل الحياة في كل مكان مع حياتنا في سورية، فلا نعرف كيف نعيش .. لا يمكننا التأقلم مع أية حياة. الآن، مجرد أن أحدنا سوري هي تهمة ونبذ مسبق. ثقيلة هي صفة اللاجئ التي تدمغنا..".
لعل هذه الفقرة في الصفحة الخامسة والستين من رواية السورية مها حسن الجديدة "مترو حلب"، تختصر رسالة الرواية الصادرة حديثاً عن دار التنوير في القاهرة، والتي اتكأت فيها حسن، على حالة من ديناميكية المكان والزمان، عبر تقنية سردية ممتعة تعتمد على إحداث التداخل ما بين الجغرافيات والأمكنة .. ما بين حلب وباريس، فترى في فرنسا مجرد فندق أو مستشفى أو جسر بين جبلين، أو محطة قطارات، بينما تمثل لها حلب حلم العودة، فتماهي الأمكنة الباريسية بأمكنة حلبية، وهو الأمر الذي ينطبق على زمن الرواية حيث المراوحة والخلط المدروس ما بين زمان مضى وزمان يعاش يطلق عليه "الحاضر"، ففي الرواية حالة من عدم الثبات تعكس حالة وطنها الذي يسكنها رغم الاغتراب والغربة.
وتتناول الرواية حكاية سارة القادمة من حلب، بناء على رغبة خالتها، والتي يتبين فيما بعد أنها أمها .. سارة التي تعيش متاهة المكان ورهبته، كما تعيش فيه ذكرياتها، فيختلط عليها كل شيء، حتى الأمكنة، لدرجة أنها تعيش حلب داخل باريس، فهذه الساحة الباريسية تشبه تلك الحلبية، بل يغيب المكان الباريسي أحياناً خلال احتضار المكان الحلبي، الذي يسكنها ولا تسكنه، بينما تسكن باريس ولا تسكنها على الإطلاق.
ولا تغفل مها حسن في "مترو حلب"، الحديث بجرأة عن غياب الثورة، وتحولها مع الوقت إلى حرب طويلة لا تزال تعاني من التدخل الخارجي، فهناك: النظام والشبيحة، وهناك المعارضة، و"داعش" أيضاً، وكأنها بذلك تضع يدها على الجرح النازف في بلدها دون أن تضمده، فهي كما بلدها وملايين السوريين كل بحاجة لمن يضمد جراحهم.
وثمة حالة أخرى من التماهي ما بين حكاية العديد من المبدعين السوريين وما بين حكاية سناء تلك الشخصية الروائية، والتي هي كاتبة تجبرها الحرب ومحاولات النجاة من الموت الذي يرفرف بجناحين أسودين فوق الجغرافيا السورية، إلى اللجوء في ألمانيا بعد استقدامها بوساطة ابنتها، وهي بذلك تعكس أزمة المبدع السوري عامة، والكاتب على وجه الخصوص، فيما بعد موجات اللجوء إلى أوروبا، حيث يصعب على سناء الاندماج في المجتمع الألماني، فتغادرها إلى سورية مرة أخرى .. ولصعوبة الكتابة في سورية، حيث القصف، والرعب اليومي، ورائحة الموتى تعبق في المكان، تختار اللجوء إلى بيروت القريبة، حيث التقاطعات كثيرة ما بينها وبين سورية التي يتواصل نزيفها، ويتوزع دمها بين القبائل، إن جاز التعبير، وهو ما تعبر عنه سناء بقولها: "يعني وين بدنا نروح بحالنا؟ لا سورية بقيت سورية والعالم مش شايفنا إلا شحادين وعبء عليه".
لا تزال سارة تعيش في باريس متاهة حقيقية، هي التي تقضي وقتها في التسكع في شوارع العاصمة الفرنسية، وربط الأماكن هناك أو هنا، بالأماكن في حلب هنا أو هناك .. "البيغال" يشبه "بحسيتا" .. "محطة سان لازرار" تذكرها بمحطة بغداد .. شارع "باريس" هو المعادل الموضوعي لشارع التل .. "مونتروي" كأنها سوق الهال .. "الشانزليزيه" كأنه حي العزيزية .. "مونمارتر" هي قلعة حلب .. مكتبة "جورج بومبيدو" تعيدها إلى ذكرياتها في المكتبة الوطنية .. أما المترو فلا "مترو" في حلب، مع اختلاط الهنا والهناك عليها!
وفي الفصل الثاني من الرواية المقسمة لستة فصول، أو فصل المفاجآت كما يمكنني أن أسميه، وحمل اسم "مالا تعرفه سارة عن هدهد أو العيش في حقيبة" .. تروي مها حسن حكاية أمينة وهدهد ووليد، وأمينة هي أم سارة، ووليد والدها .. أمينة تخلت عنهما وقررت الانحياز إلى حلمها باحتراف المسرح .. نعم اختارت أمينة عالم الفن والشهرة، في حين قبلت هدهد الزواج من وليد والاعتناء بسارة ابنة الشهرين، آنذاك، ولعب دور أمينة، بل واستخدام اسمها أيضاً .. وهنا برزت الحبكة الدرامية الإنسانية التي أدخلت من خلالها مها حسن القارئ في مستوى آخر أو طبقة أخرى من الرواية متعددة الطبقات.
تقوم هدهد بجمع كافة متعلقات شقيقتها أم سارة، من ملابس وحلي في حقيبة تحتفظ بها لأكثر من ثلاثين عاماً، لتقدمها ذات يوم لابنتها التي هي الابنة البيولوجية لشقيقتها، أي إلى سارة التي عاشت برفقة والدها وأمينة المصطنعة أو هدهد في سورية، إلا أن قذيفة ما تحرق البيت وحقيبة الذكريات، في إشارة إلى ما أتت عليه الحرب السورية المتواصلة حتى على مستوى الذاكرة، فقذيفة واحدة قادرة على حذف تاريخ عائلة بأكملها، أو حذف العائلة برمتها من سجلات الأحياء، مع أن الجميع في سورية أحياء ينتظرون الموت، في حين يعيش الناجون في شتات على امتداد جغرافيات العالم، ما بين بيروت والأردن وفرنسا وألمانيا والسويد، وغيرها.
في الفصل الثالث تتكشف الأسرار لسارة عبر الأشرطة التي كانت تسجلها لها أمها أمينة بنسختها الأصلية، أثناء مرضها، وخلال مغادرة سارة منزل من كانت تعتقد أنها خالتها .. أمينة التي تغلغل السرطان داخل جسدها الذي احتضن لتسعة أشهر قبل سنوات عدة سارة، اختارت أن تعيش آخر أيامها مع ابنتها، دون أن تخبرها بأنها أمها وليست خالتها، ودون أن تخبرها بالكثير عن مشاعرها وجاهة.
وفي خضم الحديث عن تفجيرات فرنسا وتأثيراتها على اللاجئين السوريين، والتفجيرات المستمرة في سورية، تقضي أمينة بالسرطان، بينما تقضي هدهد بقذيفة، في وقت كانت تنتظر فيه الهروب من حاضر مفجع وفج، إلى ماضيها الجميل بلقاء حبيبها الذي تخلت عنه ذات يوم للارتباط بزوج شقيقتها انحيازاً لسارة .. كات قررت أن تراه في عيادته، كانت تركض وراء الماضي الجميل لكن الحاضر القاتل كان أسرع بقذيفة لم تمكنها من استعادة شيء من ماضيها الجميل، كما هي سورية.
تحلم سارة بالعودة إلى سورية، وتحقق حلمها، ولو جزئياً، بمرافقتها لصحافي أجنبي لتغطية الحرب التي تطحن رحاها البشر وذكرياتهم وبلداً بأكملها هي بلدها .. ترافقه إلى سورية، ولكن هل هي سورية الحلم ؟ّ!

مترو حلب.. ألفة الأمكنة وذعر المنافي



ما يمكن توصيفه بخلل المنافي هو ما يحرك بطلات الروائية السورية مها حسن في روايتها الجديدة "مترو حلب" التي تتأرجح فيها بين باريس وحلب، وتنتقل بأحلام شخصياتها وحياتها بين المكانين في وقت واحد، يكون للصحو زمنه عندها، وللنوم زمنه، وكأن الشخصيات تنسلخ عن منافيها في النوم لتستعيد بهجة حضورها في حلب التي تظل مرادها الدائم.

تنسج مها، المقيمة في فرنسا، روايتها (التنوير، بيروت 2016) وفق حبكة قوامها الأحلام والكوابيس واليوميات والرسائل، تتأسس على تفاصيل الحياة السورية الراهنة التي يتقاطع فيها التشرد والاغتراب والتشتت والنفي واللجوء والانتظار.
سارة بطلة الرواية تجد نفسها في مهب تغييرات عاصفة تجتاح حياتها، لا بسبب الحرب المستعرة في مدينتها حلب فقط، بل بتأثير حروب عائلية خفية سابقة يتوجب عليها دفع ضريبتها، والمساهمة بقسطها الواعي فيها، بعد أن كانت ضحية تلك الحروب والتوترات.
معابر للوطن:
تسعى صاحبة "حبل سري" المولودة في حلب عام 1966 للتعبير عن مختلف وجهات نظر السوريين بعد مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية، وحالة الاحتراب التي ازدادت استعارا وتدميرا للمدن وتشريدا لأهلها، وكيف انتشرت على هامش الثورة ظواهر سلبية أفرزت حالات متباينة من الاستغلال والمتاجرة بتضحيات الشهداء والثوار ومآسي الناس.
http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif
"مترو باريس يكاد يكون في خيال الراوية وأحلامها عابرا لأحياء حلب وضواحيها"
تتفاجأ سارة بطلب والديها منها ضرورة تلبية رغبة خالتها "أمينة" التي لم تسمع بها من قبل، والمريضة بالسرطان، للسفر إليها في باريس. تتكشف خيوط الحبكة رويدا رويدا، يتسارع إيقاع السرد وتكثر الأحداث وتتشابك، تسعى سارة إلى تفريغ أحاديث أمينة التي سجلتها على أشرطة من أجلها تحكي فيها حكايتها وتعترف بكثير من التفاصيل، تصدمها باعترافها أنها أمها الحقيقية وليست خالتها، وأن أمها المفترضة هدهد هي خالتها، وهي التي تقمصت دورها وشخصيتها بعد هروبها من زوجها وأمومتها وأسرتها، وضحت بكل شيء من أجل فنها وشغفها، وتوجهت صوب المنفى الاختياري.
بعد تعرف سارة إلى التفاصيل والأسرار تسعى لخوض مغامرة العودة إلى حلب، تقرر مرافقة صحفي فرنسي ينوي دخول سوريا، وتكون فرصة لها للتخلص من أعباء أحلامها وكوابيسها، والتصالح مع عالمها، والرجوع إلى مدينتها الأثيرة، حيث تعيش شخصيات الرواية هوسا لا يرتوي وتعلقا لافتا بها. مترو باريس يكاد يكون في خيال الراوية وأحلامها عابرا لأحياء حلب وضواحيها.
هناك شخصيات رجالية تكون متحركة في ظلال النساء، منقادة لطيشها وجنونها تارة، ومتحكمة بمصائرها بغرابة وجنون تارة أخرى. من تلك الشخصيات وليد وعادل وكلاهما فقد حبيبته ووجد نفسه أمام خيار القبول بالأمر الواقع، وهناك طارق الثوري اللاجئ في باريس الذي يكون سندا لسارة، كما أن هناك ماتيو الفرنسي الذي يحاول الانتقام من النساء في شخص أمينة، لأنه رأى فيها صورة أمه التي تركته وهو صغير وهاجرت بعيداً عنه.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif
وفاء للأم الراحلة
في تصريح خاص للجزيرة نت تذكر الروائية مها حسن أنها أثناء كتابة روايتها التي أهدتها لأمها - التي تجهل سبب إطلاق اسمها "أمينة" على إحدى الشخصيات الأساسية في الرواية - فجعت بموت أمها.
وتشير إلى أنها منذ لحظة الإهداء، كانت تستبق موت أمها، فتقدّم لها شيئا ما من عالمها الذي تحب، برهان ولاء وانتماء، لا لها فقط، بوصفها أما ومعلمة لها في السرد، بل ولحلب التي تشبثت بها أمها، ورفضت أن تغادرها، مفضلة الموت تحت القصف، بدلا من ترف المنفى. تقول حسن بأسى: "كانت أمي تخاف من المنفى، تخاف من التشريد والضياع. لهذا ماتت أمي".
"تشبه الكاتبة المنفى بالتأرجح بين الوجود واللاوجود، كما تصفه بأنه كائن افتراضي غير مكتمل"
تؤكد صاحبة "طبول الحب" أنها كانت تكتب هذه الرواية والجبهات مشتعلة في حلب، حيث كل طفولتها وصباها وبيت أهلها وحارتها وأمها.. وأنه كان عليها أيضا التحرر من الرواية، لتتفرغ لأمها، لتحاول إخراجها من جبهة الحرب في حلب. خاصة بعد سقوط بيتها، وتشير إلى أنها صارت تلهث صوب مسؤولياتها الكثيفة.
تتحدث مها عن ألفة الأمكنة، وتشبه المنفى بالتأرجح بين الوجود واللاوجود، كما تصفه بأنه كائن افتراضي، غير مكتمل.. وتقول إنها تحب أن تشرح هذه النقطة، تدعوها بينها وبين نفسها بخط السير. لهذا اشتغلت على تفصيل المنفى الجديد على السوريين، هذا المنفى الكبير، حيث يكاد يكون وطنا بديلا، بشروط مختلفة عن الوطن في الأرض الأولى، عن الأرض البديلة.
تتحدث مها عن المصادفات بين الرواية والحياة، وتتساءل ما إن كانت في اللحظة التي أنهت فيها حياة هدهد في الرواية، كانت نهاية أمها تُكتب هناك. وتقول إن لهذه الرواية مكانة غامضة في داخلها، مكانة تنوس بين الحب والخوف، بين شعورها بأنها قدمت لأمها شيئا ما، وشعورها بأنها أنهت حياتها بطريقة ما، وهي تتخلص من الرواية، وتقتل أم ساره، بل كأنها تنقذ أمها أيضا من ذعر المنفى، الذي كان سيكون عبئا عليها إن عاشته.
تراها تتساءل أيضا "هل تقتل الرواية الأبطال الحقيقيين في الحياة، لتخلدهم على الورق أحيانا؟". وتؤكد أن هذا ما تشتغل عليه الآن.

lundi 14 novembre 2016

I Came to Writing from the World of Politics

Maha Hassan
From the author of the novel 'Umbilical Cord', excerpted in Banipal 44 
A testimony on Writing

I Came to Writing from the World of Politics

I grew up in an environment that was more interested in politics than anything else. There was no interest in my family in literature, but politics brought me to reading. Because of my readings in politics, I was gradually drawn to reading world literature. I began with Russian novels. Then I discovered the enjoyment of literature and became interested in French literature. My discovery of French literature introduced me to Sartre. He dominated my spirit for a long time and I struggled to liberate myself from his influence. Then I became acquainted with the writings of Kafka, who enchanted me; I considered that my own life resembled his. Kafka still resides deep inside me.
I was influenced by existentialism and then by surrealism. I read many authors of the surrealist school and really loved André Breton. I was fascinated by the astonishing life history of Rimbaud.
I began writing through polemical texts, because I was influenced by schools that held fast to liberty. I wanted to be different; it was a kind of intellectual adolescence – a desire to provoke the other person. I began with erotica but then struggled for a long time to erase its effects on the history of my writing in the social sense, because Arab society continues to view writing through the lens of morality.
I wanted my first novel Al-Lamutanahi (The Infinite) to be a turning point in my writing career. This book remains very close to my heart, and there is a playful relationship between it and my life. It is a long book about a person who is reincarnated multiple times. His name is Adham Bin Waraqa.
In my second novel, Lawhat al-Ghilaf (Cover Art) I addressed the idea of failure, especially because I belong to a generation that has struggled with disillusionment – in politics first of all – and disappointments that have progressed through all levels of our lives.
The third novel was Tarateel al-‘Adam (Hymns of Nothingness), and in it I employed the technique of creating “ancient” texts as a way of treating the concept of destiny. This novel imitated the structure of ancient Sufi works. Its publication was banned in Syria because I referred in a note to the Kabbalah, and that is forbidden. This actually worked to my advantage because it inspired me to look for a publisher outside Syria. It was the first of my novels I published in Beirut.
After that came the novel Habl Surri (Umbilical Cord), which was longlisted for the Arabic Booker – the International Prize for Arabic Fiction. In it I discussed the concerns of exile and identity and the variable status of woman in the Arab world. The latest of my novels to be published is Banat al-Barari (Daughters of the Wilderness). In it I focus on crimes of honour killing.
My literary themes revolve around my first concerns, which have not changed much and which have not been resolved: identity, belonging, homeland, alienation . . . I believe that the foundation of my writing is a rejection of the state of psychological, spiritual and mental alienation that I experienced living in Syria, within my family and within my milieu, because I am from a Kurdish family but do not believe in nationalism or an ethnic identity for states. I also believe in the right of others to establish their destinies politically. I have multiple identities. Those that I discuss the most often are my Kurdish upbringing, my Arabic language, and the Western ideas which I gained from readings of Western literature and thought and which established my consciousness before I ever read Arabic literature. I turned to the latter only after I became a “professional” writer. This mixture of identities still leaves me in a state of exile and alienation. I try to create my peace, identity and homeland through language and, strictly speaking, through the novel.
All this anxiety was apparent in the novel Umbilical Cord. Sophie Perrin suffers from it. She bears the seeds of my anxiety and my search for security within the circle of contradictions between a society and an individual. Sophie Perrin is the Eastern woman who left her homeland in search of the idea of a homeland with which she can identify whether it is legally hers or not, because she is different. She leaves behind her a daughter who bears her genes but who lives a reverse history, because she was born in France and feels a need to discover the East that her mother has quit. This contradiction between a motherland and a new homeland and a search for a sense of belonging have kept me awake at night. It also meant sleepless nights for Sophie Perrin and her daughter Paula, since an umbilical cord unites us all, transcending geography and ties of blood and languages.

Translated by William M. Hutchins for Banipal 44