lundi 21 septembre 2015

مها حسن: ولدتُ لأروي


مها حسن: ولدتُ لأروي

001


ولدت فراشتنا في مدينة حلب السورية في شهر ديسمبر/ كانون الأول سنة 1966، المدينة التي دمرتها الحرب العبثية الدائرة هناك منذ ما يزيد على أربعة أعوام، والتي بمجرد ذكر اسمها تعتري فراشتنا رعدة بسبب المصير الذي شهدته مدينتها الأثيرة، ولدت في أسرة كردية بسيطة، محاطة بنساء العائلة الكبيرة اللواتي علمنها فنون الحكي والحكايات والأساطير، ومنذ الصغر عرفت أنها وقعت في غرام الحكايات التي كانت تطاردها في الليالي الطويلة من السهر.
أنهت مراحلها الدراسية الأساسية والتحقت بجامعة حلب لدراسة الحقوق وحصلت على إجازة فيها، وفي منتصف عقد التسعينيات كانت قد انتهت من كتابة روايتها الأولى «اللامتناهي ـ سيرة الآخر» والتي صدرت عن دار الحوار السورية سنة 1995، ولم تحظ الرواية باهتمام وقت صدورها، ما ترك أثراً سيئاً في نفس فراشتنا، وجعلها تتوقف بعض الوقت عن الكتابة حتى جاءت روايتها الثانية «لوحة الغلاف ـ جدران الخيبة أعلى» (2002) بعد ذلك بسبع سنوات، ثم تتابعت رواياتها حتى وصلت اليوم إلى ثماني روايات هي: «تراتيل العدم» (2009)، «حبل سُرّي» (2010، اللائحة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية)، «بنات البراري» (2011)، «طبول الحب» رواية، (2013)، «الراويات» (2014، اللائحة الطويلة لجائزة البوكر للرواية العربية)، وأخيراً روايتها «نفق الوجود» (2014) والتي صدرت عن دار رياض الريّس في لبنان، فراشتنا اليوم هي الروائية السورية الكردية مها حسن، والتي تعيش منذ اثني عشر عاماً في العاصمة الفرنسية باريس.
ولأن المشوار الذي قطعته مها حسن مع الكتابة الروائية طويل وحافل بالعديد من الأعمال التي حققت الكثير من الانتشار لاسمها، أردت أن أسألها عن بدايتها مع الكتابة فقالت: «خُلقت لأروي. لا أذكر كيف نشأت علاقتي مع الكتابة، أعتقد أنني وُلدت في وسط حكّاء تديره النساء على الأغلب، كانت أمي تقرأ فنجان القهوة كحارسة للميتافيزيقا، نشأتي كانت أسطورية فكان أبي وجدتي يحكيان لي قصص الجن والخرافات المنتشرة في المنطقة، ثم جاءت الآيديولوجيا باكراً فأخذتني السياسة إلى القراءة، من هنا عشت انقساماتي بين الميتافيزيقا والآيديولوجيا، لأجدهما معاً عبر الفلسفة، وخاصة المدارس التي اهتمت بالإنسان داخل المجتمع، ثم نزحت صوب الفرد واكتشفت الوجودية، إلى أن وجدت نفسي في الكتابة، فرحت أسرد عوالمي تلك، كأن الكتابة كانت عبارة عن تعرّفي إليَّ وإلى العالم عبر الذاكرة، حتى اليوم أكتشف تفاصيل غابت عني في طفولتي وأوظّفها في الكتابة، ربما أهم المحطات التي أوصلتني إلى ما أنا عليه هو حرصي على الطفولة بداخلي، الكتابة من مكان الدهشة، الجرأة غير القصدية، باختصار: الصدق».
ولأن أول أعمال مها حسن صدرت قبل عشرين عاماً من الآن، حين كانت في التاسعة والعشرين من عمرها، سألتها حول ملابسات كتابتها لهذه الرواية وكيف صدرت، فأجابتني: «روايتي الأولى كان عنوانها «اللا متناهي»، نشرتها حيث لم تكن دور النشر آنذاك قد أدخلت المعلوماتية، أرسلت مخطوطها مكتوباً بخط اليد وتم طبعه عبر الآلة الكاتبة، هذه الرواية لم تأخذ حقها ربما لأنني كنت صغيرة، والثقافة العربية لا تمنح الاعتراف لكتاب ناشئين، أحلم دوماً بإعادة طباعتها، فكما يتضح من عنوانها تأثري وقتها بالفلسفة، حيث سردت شخصية بطلي أدهم بن ورقة عبر عدة ولادات تتم له، وفي كل ولادة يحمل أدهم شخصية مختلفة، كنت مهووسة بالتنوع داخل الفرد الواحد، ومازلت مؤمنة بهذا التنوع والكثرة في الشخصيات داخل كل منّا، لم تلق روايتي ما تستحق من اهتمام، فالتجريبية تتطلب جرأة وربما بعض الخبرات، لكنني خرجت بأول عمل، بكتاب غير تقليدي، واحتجت سنوات طويلة لأجعل الآخر يعترف بمشروعي الروائي، وأن (اللامتناهي) لم تكن نزوة وصرعة تجريبية».
غزارة إنتاج مها حسن من الأعمال الروائية مقارنة بكثيرات من بنات جيلها جعلتني أسألها حول تعاملها مع طقس الكتابة، فقالت: «أنا مهووسة بالكتابة، حين لا أكتب فأنا أكتب، حين أصمت وأشرد فإنني أكون مستغرقة في شخوصي، أبحث عن حيواتهم وتفاصيلهم، أكتب في كل مكان؛ على الورق، على هاتفي في الطريق، على فواتير المقاهي، دائماً محاطة بشخوصي، وتحدثت عن هذه التجربة في روايتي «الراويات»، أنا مسكونة بعوالم وبشر، أكتب قبل أن أموت وتموت شخوصي معي».
عانت مها حسن طويلاً قبل خروجها من سوريا، وتعاني اليوم مثلها مثل ملايين من السوريين من المصير الذي أحاق ببلدها وشعبها، وهي أيضاً واحدة من الكتاب السوريين القلائل الذين كتبوا روائياً عن الثورة السورية، وهو ما توضحه قائلة: «في روايتي «طبول الحب» غامرت بالكتابة عن الثورة السورية وقدمت شهادتي عنها؛ الكتابة في زمن الحرب ومخاطرها الفنية، لكنني كنت تحت وطأة ضرورة التعبير عن الحدث طازجاً، بسبب تعقد الوضع في سورية والانتقالات الحادة التي تعرضت لها الثورة، تلك التي خرجت سلمية وحالمة ووردية ثم أقحم فيها السلاح والدم، حتى انقلب الحلم الثوري الجمالي النبيل المتمثل في العدالة والحرية والمساواة إلى خطر يهدد ليس سورية فقط، بل العالم أجمع، أحاول ككاتبة التعبير عن الطرف الضعيف دوماً في المعادلة، النساء مثلاً، الأشخاص الذين ليست لديهم خيارات ويدفعون الثمن، وقد دفعوه قبلاً».
اختارت مها حسن فرنسا لتكون منفى اختيارياً لها قبل عدة سنوات، وعن هذا تقول: «فرنسا اليوم هي وطني، هي الأمان والحرية، كتبت أهم أعمالي في فرنسا بسبب ترف الحرية الكبير الذي أتمتع به، ومتزوجة بفرنسي أتاح لي هو أيضاً الكثير من المناسبات الإنسانية للتعرف إلى حريتي واختبارها، أن تولد في بيئة قامعة ومؤثّمة للحرية ليس سهلاً، تخاف من أي اختيار حر لك يتعارض مع الآخر، وتشعر بالذنب، عبر زوجي فيليب تعلمت ممارسة حريتي بحب، فأن أكون أنا لا يعني أنني ضد خيار الآخر المختلف عني، نستطيع أن نختلف ونبقى معاً بحب واحترام، فرنسا غيّرت لي إذاً شكل العقد الاجتماعي، وحررتني من الإذعان والسلطة».
نهاية أسأل مها حسن عما إذا كانت راضية عن المكانة التي وصلت إليها اليوم على خريطة الرواية العربية، فتقول: «راضية إلى حد كبير بل ومحظوطة أن أعمالي وصلت إلى القراء العرب أكثر من السوريين، أعتقد أن المثابرة وامتلاك أحدنا لمشروع جاد، تجعله مسموعاً أو مقروءاً مع الأيام، أي أن الوصول إلى القارئ لا يأتي دفعة واحدة، إنه أيضا اشتغال، القارئ ذكي جداً خاصة في زمن الوفرة، يستطيع أن يهملك أو يكتشفك، عليك إذاً خلق صيغة العلاقة التشاركية معه، فكلنا في نهاية الأمر نكتب من أجل هذا القارئ».

dimanche 26 avril 2015

Syrian novel expresses distrust of storytelling

Syrian novel expresses distrust of storytelling

Al-Rawiyat
Maha Hassan
Dar Al-Tanweer, 192 pages
Beirut, 2014
London, Asharq Al-Awsat


Al-Mustafa Najjar



In her most recent novel, Al-Rawiyat (Female Narrators), published last year, Syrian novelist Maha Hassan explores the esoteric realms of oral and written storytelling through a set of female characters, who are not necessarily connected, but are all obsessed with the art of narration.
From the book’s dedication to the unpublished “female raconteurs [who] . . . lived and died in darkness” to the last sentence highlighting the “emancipatory” powers of writing, a celebratory, almost naive tone dominates the novel.
The first narrator, Abbadon, says she lives two lives: A superficial, “typical” one concerned with the satisfaction of mundane day-to-day needs, and a “rich and dense” one centering on fiction writing. “[I was] born to tell tales,” she says, echoing the title of Gabriel Garcia Marquez’s memoir.
“Telling tales is the only entertainment and pastime she has to pass the days in peace,” the narrator says. Even when someone steals the manuscript of her debut novel and publishes it under their name, she does not seem too bothered.
33c82333-0b4e-4c39-bace-912c43268304
“What’s the harm? What is important is that my characters have a chance to come out to the world, that tales come out for people to read. What is important is the novel not the novelist.”
Rama, the last of the narrators, lives in a parallel, imaginary world, overflowing with fictional characters. Concerned about Rama’s sanity, her mother tries to “suppress” her imagination by exhausting her with all sorts of physical activities. Rama, who was born in India, inherited from her grandmother “the magical ability to tell stories.” Compared to her peers who find in bedtime stories a passageway to sleep, Rama waits for her grandmother to end the story so that she can deconstruct and reconstruct it from scratch. When she grows up, her relationship with her husband reaches a dead-end when she confesses to him that “the only moment I feel ecstasy that resembles orgasm is when I tell tales.”
There are many similarities between these two narrators: both derive sexual pleasure out of storytelling. Abbadon says: “A sexual energy is generated inside me when I write.” But it would be a mistake to think that this is what Al-Rawiyat is all about, that the female protagonists are the 21st century version of Scheherazade, who tamed Shahryar after One Thousand and One Nights of storytelling. Al-Rawiyat is deeper than just a cry against patriarchy, or a manifesto calling for a feminist revolution. Beneath the bluntly “revolutionary” surface of the novel, there is a complex narrative structure threatening to subvert it.
Each of the book’s stories culminates with a twist in the plot that contradicts the narrator’s expectations and thus raises questions about their credibility and familiarity with the stories they tell. While Abbadon finds in Sabato the man of her dreams who does everything in his power to help her write her first novel, we discover at the end of their story that he has been using her for purely utilitarian purposes.
The same is also true of Rama, who realises—albeit too late—that Aravind, the musician whom she thought would liberate her repressed soul, is nothing but “an idiot who lacks imagination.”
“To tell a story is to claim a certain authority, which listeners grant,” writes American critic Jonathan D. Culler in his Literary Theory. Faced with the narrators’ celebratory tone about the ability of storytelling to undermine patriarchy, readers have no choice but to take what they say at face value, and thus submit to their narrative authority.
However, following the disappointments the characters/narrators face, we start to doubt that they are worthy of our trust. The dramatic twists in the novel implicitly raise questions about the credibility of the narration and whether or not the narrator deserves the authority that the reader grants. Unlike One Thousand and One Nights, which highlights Scheherazade’s mastery of the art of storytelling, Al-Rawiyat sheds light on the narrators’ failure to have control over the stories they tell. The novel does exactly the opposite of what it preaches. Hassan’s female narrators give a fake impression of Scheherazade.
In what seems to be a diversion from the plot, Alice—a PhD candidate in “philosophy and its relation to art,”—visits Cairo, having been “possessed with the spirit of Pharaohs.” The chapter overflows with references to the success of the Arab Spring in Egypt. Alice says she “has trust in the Egyptian people. Those who toppled Mubarak are capable of toppling the Muslim Brotherhood, and will not accept a new dictatorship.”
For all the failure that the Arab Spring has proved to be, such remarks—which we now find as either cynical or naïve—are said by Alice with the utmost seriousness. Based on what has been written about Al-Rawiyat in the Arab press, there seems to be a consensus about the chapter’s irrelevance to the rest of the novel. In fact, the chapter is highly significant in that it underlines the discrepancy between reality and narration.
Alice, the narrator, is merely offering her “narrative” of the Arab Spring, which stands in stark contrast to reality.
We all heard about the events in Tahrir Square on television, or in newspapers and magazines. In other words, what we know about the Egyptian Spring is nothing more than “narratives” that express the views of their authors. We are surrounded by narratives. Take newspapers, magazines, TV channels, YouTube and social media; they are all platforms for multiple voices and narratives. But do all of them reflect reality? Al-Rawiyat answers in the negative.
The structure of the novel is confusingly divergent, with the frame narrative resembling a Matryoshka doll that encases four stories. The multiple and overlapping narrative voices mean readers never stop asking: “Who is speaking?” and “What are they talking about?”
Added to this confusion is Hassan’s tendency to give several names to each of her characters. Abbadon is both Miriam and Maha, while Sabato can be Ernesto or Franco. “Our names have no significance  . . . We are mere virtual creatures.”
A similar uncertainty surrounds the place in which the novel is set. It is “that big city which resembles Cairo, New York, Tokyo, Paris, London or Beirut.”
Al-Rawiyat is a well-crafted work whose turbulent form gives it the uncertainty and ambiguity of great works, such as Season of Migration to the North by Tayeb Salih and Ulysses by James Joyce, novels that raised more questions than they offered answers.
Al-Rawiyat
Maha Hassan
Dar Al-Tanweer, 192 pages
Beirut, 2014
London, Asharq Al-Awsat

In her most recent novel, Al-Rawiyat (Female Narrators), published last year, Syrian novelist Maha Hassan explores the esoteric realms of oral and written storytelling through a set of female characters, who are not necessarily connected, but are all obsessed with the art of narration.
From the book’s dedication to the unpublished “female raconteurs [who] . . . lived and died in darkness” to the last sentence highlighting the “emancipatory” powers of writing, a celebratory, almost naive tone dominates the novel.
The first narrator, Abbadon, says she lives two lives: A superficial, “typical” one concerned with the satisfaction of mundane day-to-day needs, and a “rich and dense” one centering on fiction writing. “[I was] born to tell tales,” she says, echoing the title of Gabriel Garcia Marquez’s memoir.
“Telling tales is the only entertainment and pastime she has to pass the days in peace,” the narrator says. Even when someone steals the manuscript of her debut novel and publishes it under their name, she does not seem too bothered.
33c82333-0b4e-4c39-bace-912c43268304
“What’s the harm? What is important is that my characters have a chance to come out to the world, that tales come out for people to read. What is important is the novel not the novelist.”
Rama, the last of the narrators, lives in a parallel, imaginary world, overflowing with fictional characters. Concerned about Rama’s sanity, her mother tries to “suppress” her imagination by exhausting her with all sorts of physical activities. Rama, who was born in India, inherited from her grandmother “the magical ability to tell stories.” Compared to her peers who find in bedtime stories a passageway to sleep, Rama waits for her grandmother to end the story so that she can deconstruct and reconstruct it from scratch. When she grows up, her relationship with her husband reaches a dead-end when she confesses to him that “the only moment I feel ecstasy that resembles orgasm is when I tell tales.”
There are many similarities between these two narrators: both derive sexual pleasure out of storytelling. Abbadon says: “A sexual energy is generated inside me when I write.” But it would be a mistake to think that this is what Al-Rawiyat is all about, that the female protagonists are the 21st century version of Scheherazade, who tamed Shahryar after One Thousand and One Nights of storytelling. Al-Rawiyat is deeper than just a cry against patriarchy, or a manifesto calling for a feminist revolution. Beneath the bluntly “revolutionary” surface of the novel, there is a complex narrative structure threatening to subvert it.
Each of the book’s stories culminates with a twist in the plot that contradicts the narrator’s expectations and thus raises questions about their credibility and familiarity with the stories they tell. While Abbadon finds in Sabato the man of her dreams who does everything in his power to help her write her first novel, we discover at the end of their story that he has been using her for purely utilitarian purposes.
The same is also true of Rama, who realises—albeit too late—that Aravind, the musician whom she thought would liberate her repressed soul, is nothing but “an idiot who lacks imagination.”
“To tell a story is to claim a certain authority, which listeners grant,” writes American critic Jonathan D. Culler in his Literary Theory. Faced with the narrators’ celebratory tone about the ability of storytelling to undermine patriarchy, readers have no choice but to take what they say at face value, and thus submit to their narrative authority.
However, following the disappointments the characters/narrators face, we start to doubt that they are worthy of our trust. The dramatic twists in the novel implicitly raise questions about the credibility of the narration and whether or not the narrator deserves the authority that the reader grants. Unlike One Thousand and One Nights, which highlights Scheherazade’s mastery of the art of storytelling, Al-Rawiyat sheds light on the narrators’ failure to have control over the stories they tell. The novel does exactly the opposite of what it preaches. Hassan’s female narrators give a fake impression of Scheherazade.
In what seems to be a diversion from the plot, Alice—a PhD candidate in “philosophy and its relation to art,”—visits Cairo, having been “possessed with the spirit of Pharaohs.” The chapter overflows with references to the success of the Arab Spring in Egypt. Alice says she “has trust in the Egyptian people. Those who toppled Mubarak are capable of toppling the Muslim Brotherhood, and will not accept a new dictatorship.”
For all the failure that the Arab Spring has proved to be, such remarks—which we now find as either cynical or naïve—are said by Alice with the utmost seriousness. Based on what has been written about Al-Rawiyat in the Arab press, there seems to be a consensus about the chapter’s irrelevance to the rest of the novel. In fact, the chapter is highly significant in that it underlines the discrepancy between reality and narration.
Alice, the narrator, is merely offering her “narrative” of the Arab Spring, which stands in stark contrast to reality.
We all heard about the events in Tahrir Square on television, or in newspapers and magazines. In other words, what we know about the Egyptian Spring is nothing more than “narratives” that express the views of their authors. We are surrounded by narratives. Take newspapers, magazines, TV channels, YouTube and social media; they are all platforms for multiple voices and narratives. But do all of them reflect reality? Al-Rawiyat answers in the negative.
The structure of the novel is confusingly divergent, with the frame narrative resembling a Matryoshka doll that encases four stories. The multiple and overlapping narrative voices mean readers never stop asking: “Who is speaking?” and “What are they talking about?”
Added to this confusion is Hassan’s tendency to give several names to each of her characters. Abbadon is both Miriam and Maha, while Sabato can be Ernesto or Franco. “Our names have no significance  . . . We are mere virtual creatures.”
A similar uncertainty surrounds the place in which the novel is set. It is “that big city which resembles Cairo, New York, Tokyo, Paris, London or Beirut.”
Al-Rawiyat is a well-crafted work whose turbulent form gives it the uncertainty and ambiguity of great works, such as Season of Migration to the North by Tayeb Salih and Ulysses by James Joyce, novels that raised more questions than they offered answers.

الأديبة مها حسن: خُلقت لأروي



حوار/ إبراهيم الحجري
الجزيرة نت
تعتبر الروائية السورية المقيمة في فرنسا مها حسن من الأصوات المجددة في السرد الروائي العربي، بفضل حسها ووعيها بالجماليات السردية، وحرصها على الانزياح الشكلي في صياغة العوالم الروائية.
كما أنها أضافت إلى جنس الرواية العربية -باعتبارها امرأة كاتبة- مضامين ذات خصوصية أنثوية قلما يغامر فيها الروائيون الذكور، وإن كانت هي تنفر من هذا التصنيف.
وحصلت مها حسن على ليسانس في الحقوق من جامعة حلب، ونشرت حتى الساعة ثماني روايات، هي "اللامتناهي-سيرة الآخر" (عام 1995) و"جدران الخيبة أعلى" (2002) و"تراتيل العدم" (2009) و"حبل سري" (2010) و"بنات البراري" (2011) و"طبول الحب" (2012) و"الراويات" و"نفق الوجود" (2014).
فازت مها حسن بجائزة هيلمان/هامت الأميركية عام 2005، كما أنها وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية مرتين (2011) و(2015) من خلال روايتيها "حبل سري" و"الراويات".
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg تجعلين الكتابة جوهر الحياة، إن لم تكن هي الحياة نفسها. ما سر هذه المعادلة لديك؟
"خُلقت لأروي"، هذه العبارة التي بدأت بها روايتي الأخيرة (الراويات)، من هنا تتبدى أهمية الكتابة بالنسبة لي، فالعيش بالنسبة لي هو الكتابة، تماما كما قلت في السطر الأول من الرواية: أعيش حياتين.. ووصفت نفسي بالآلة الكاتبة. أعتقد أن الكتابة تمنح المرء حياة إضافية، ربما هي قدر أيضا.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg بعد حصيلتك الروائية التي تحققت لحد الساعة، هل تحسين أن جزءا كبيرا من الذاكرة والوجود قد تحقق أم أنك تصارعين الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذاكرة خزنتها النساء عبر التاريخ؟
""خُلقت لأروي"، هذه العبارة التي بدأت بها روايتي الأخيرة (الراويات)، من هنا تتبدى أهمية الكتابة بالنسبة لي، فالعيش بالنسبة لي هو الكتابة، تماما كما قلت في السطر الأول من الرواية: أعيش حياتين"
لا أعتقد أنني أدون الذاكرة، أنا أكتب الرواية، وهي فن متخيل في قسم كبير منه، ينهل من المخيلة أولا، ثم يرفدها بالواقع والفكر والتحليل والذاكرة.. لهذا فإنني وكما تحدثت أيضا في (الراويات) أعيش حالة المنجم الكتابي، ثمة الكثير بداخلي، وثمة إحساس دائم لدي أنني لم أكتب روايتي بعد.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg كتبت القصة إلى جانب الرواية. ألا تفكرين بالانفتاح على أجناس أدبية أخرى أم أنك تجدين في الرواية الأفق الذي يحضن كل أجناس القول؟
في الوقت الحالي اشتغالي مركّز على الرواية، شغفي الأساسي، لكن هذا لا يمنع أبدا من طرق أبواب مغايرة، على العكس تماما، حيث كما أجبتك من قبل، عن كتابي أو روايتي التي لم أكتبها بعد، قد يكون ذلك الكتاب، مسكوبا في جنس جديد علي لم أكتبه من قبل، القصة أو ربما الرواية السيرية.. بالإجمال، نعم، أفكر بالانفتاح على أجناس أخرى، لكنني لا أعرف متى أفعل.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg تكتبين عن الوطن والعالم العربي وأنت بعيدة عنهما، ونشعر في كتاباتك السردية بإحساس ربما يفوق إحساس الذين يعيشون هناك ويتفاعلون يوميا مع الأحداث. كيف تتحقق لديك هذه الحاسة السحرية التي تتسلل إلى القيعان الخبيئة للإنسان والأرض؟
أنا ابنة هذه المنطقة، لدي مخزون هائل من حكاياتها، ومتأثرة بثقافتها، دون أن ألغي أثر العيش الغربي علي، والذي فتح لي كذلك آفاق الثقة بذاتي الكتابية، ومنحني الإيمان بالكتابة دون طابوهات إبداعية. تذكر ربما أنني قلت في روايتي "حبل سري"، أن المستقبل للرواية المشرقية، لأن منطقتنا غنية بالروح والجدل، منطقة حيوية رغم العنف والجهل والحروب والاستبداد.. لكنها غنية بالإنسان وشغفه الدائم للتطور والتعلم إبداعيا، أشعر أن منطقتي الروائية تكمن هنا، في الكشف عن ثراء الإنسان شبه الفطري، الإنسان الذي لم تخربه بعد الحضارات، ولم تتلفه الماكينة والتكنولوجيا.
"أنا ابنة هذه المنطقة، لدي مخزون هائل من حكاياتها، وأنا متأثرة بثقافتها، دون أن ألغي أثر العيش الغربي علي، لأنه فتح لي كذلك آفاق الثقة بذاتي الكتابية، ومنحني الإيمان بالكتابة دون طابوهات إبداعية"
أذكر للتو كتاب "تدهور الحضارة" وأشعر أننا في العالم العربي بكامل إثنياته وتعقيداته، من عرب وكرد وأمازيغ وموازييك إنساني هائل مصهور في مفاهيم قديمة لم تتطور، لدينا الكثير -كروائيين وشعراء ونقاد وباحثين- الكثير من العمل، لدينا مساحات لم يشتغل عليها أحد، لهذا فأنا "مهجوسة" إن صحت اللفظة بأبناء هذه المنطقة وبناتها.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg نلمس في أغلب رواياتك انشغالا كبيرا بقضية المرأة العربية تلك التي راحت ورحلتْ معها قصتها. ونحس أنك تختزنين في صدرك كل حكايات اللواتي قضين واللائي يعشن، واللواتي لم يأتين بعد. من هي المرأة التي أودعتك كل هذه الأسرار، وحملتك كل هاته الأثقال السردية؟
وُلدت في مجتمع نسائي حكّاء.. في منزل تحكمه ثلاث نساء يتبادلن السلطة، ويتنازعنها، وقد تناوبن على تربيتي، وتنازعن علي، إلى أنني حتى اليوم، أحاول إيجاد صيغ توفيقية لأعبّر عن ولائي لهن معا، دون تعارض أو نزاع.
جدتي لأبي، مربيتي الذهنية، امرأة عُرفت بالحكمة، وكانت تُدعى إلى مجالس الرجال حتى لفض النزاعات. كانت امرأة قليلة الكلام، صوفية إلى حد ما، كردية لا تجيد من العربية إلا السور القرآنية. علاقتها بي استندت إلى القص والنُصح غير الفج، والكثير من الحب، ثم جاءت ابنتها، عمتي، التي كانت طموحة ومتمردة ضمن محيطها الضيق، لكن المجتمع هرسها وأقفل عليها داخل بيوت تقليدية، فماتت شابة، ولا تزال ملهمتي عن النساء الرافضات لقدرهن، حتى أنني أظن أنها ماتت برغبتها، ماتت كرفض للحياة المملة والعادية.
وأخيرا أمي، مورثتي للسرد.. أمي امرأة لا تكف عن السرد، ولولا أنها أمية ولا تجيد الكتابة ولا تقرأ سوى في فنجان القهوة الذي فتح مخيلتي باكرا لنازعتني على الكتابة.
"أعتقد دون تعصب، أن الكون أنثوي، وأن الإبداع هو المرأة.. لنعد إلى قصة الخلق الأولى.. حواء هي صاحبة الفضل على البشرية في تجربة العيش"
ثم دخلت حياتي نساء أخريات طبعا، والسلسلة لا تزال مستمرة.. نساء أتلفن هناءتي، وهن يستنجدن بي لأحكي وجعهن، نساء قُتلن غدرا بسبب ما ندعوه في الشرق بالشرف، نساء حُرمن من أحلامهن وتطلعاتهن ورُمين في العتمة... هؤلاء ينغصن عيشي، ويثقلن كاهلي، فأكتب، أكتبهن محاولة الغوص أكثر، في تاريخهن وتاريخي المتداخل.. حيث تاريخ المرأة لا يزال هو الطابو الكبير، وبالنسبة لي، إحدى حالات إلهامي.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg في "الراويات" تتعدد قصص النساء، كل تحكي مأساتها بأسلوبها الخاص، فتتعدد الأصوات، وتتداخل. فكيف تقيسين المسافة بين الكاتبة والرواة (الأقنعة) والشخوص؟
هل نجوت فعلا في "الراويات" من خطر المسافة؟ أعرف أنني تورطت في هذه الرواية إلى حد الخدر.. فوجدت "ساباتو" -بطلي- يوقع لي نسخة من الرواية، باسمي أنا.. هذه الرواية سرقتني مني، وسمحت لنفسي بمشاركة بطلاتها قصصهن، تذكر منذ المقدمة، وأنا أتحدث عن جدي، وأبي... كما لو أنني أريد أن أقول إن هذه الرواية هي أنا المتعددة، المتوالدة.
حسنا، لن أكشف أسراري، لكن هذه الرواية أخذتني، ووجدتني مع "الراويات" كراوية ألهث معهن، أفرح وأبكي، أخاف وأغضب... أحيانا تأتي الكتابة الثانية، أي في مرحلة تدقيق النص ومراجعته، لأحاول زجر الروائية بداخلي، فأخفف من حضورها، وهكذا أقيس مسافتي.. لكن في "الراويات" كان الزجر أقل.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg حققت الكتابة النسائية العربية تراكما ملموسا. بل إن كثيرا من الأصوات النسائية تفوقن على الكتابة الروائية لدى الرجل في بعض الزوايا والخصوصيات. كيف تفسرين هذا الأمر؟
لا أزال أندهش من هذه الأسئلة، كما لو أنه من الطبيعي أن تكون المرأة أقل من الرجل.. أعتقد ودون تعصب، أن الكون أنثوي، وأن الإبداع هو المرأة.. لنعد إلى قصة الخلق الأولى.. حواء هي صاحبة الفضل على البشرية في تجربة العيش، لولا هواجسها وتشكيكها ورفضها للثابت، وإن كان النعيم، لما نزلنا على الأرض وخبِرنا الحياة... لهذا، فأنا أعتقد بتفوق المرأة الإبداعي في الأصل، وما هذه المحاولات القليلة التي تظهر، سوى إعادة الاعتبار لإبداع المرأة.
"حين تتحرر المرأة من استرضاء الرجل، وتستعيد سلطتها على ذاتها وعلى العالم، سنجد الكثير من المفاجآت في الإبداع.. لا نزال في البدايات الخجولة"
المشكلة تكمن في الكليشيهات التي حبست المرأة ذاتها، فراحت تنتج أدبا يطبطب للرجل.. حين تتحرر المرأة من استرضاء الرجل، وتستعيد سلطتها على ذاتها وعلى العالم، سنجد الكثير من المفاجآت في الإبداع.. لا نزال في البدايات الخجولة، وهذه الأصوات التي نسمعها ونقول بتفوقها، ليست إلا عينات بسيطة.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg يتحدث المتتبعون حاليا عن هيمنة الجنس الروائي على باقي الأجناس الأدبية الأخرى. هل تتفقين مع هذا الطرح؟
ربما بسبب انتشار جوائز الرواية في العالم العربي، ثمة سوق تميل لإنتاج الرواية، وثمة ميل لدى الناشرين العرب خاصة في استقطاب الرواية، وهذا ينطبق أيضا على الغرب.
الجوائز في الغرب كذلك تشد الاهتمام صوب الرواية أكثر، ولا ننسى أن للشعر نخبويته، والرواية أكثر اقترابا من النبض الجماهيري، خاصة الرواية بالمعنى التلقائي الدارج، أي الحكاية.
شخصيا أميل إلى الكتابة الجميلة، حتى مجرد مقال من ألف كلمة أو أقل، يمكن أن يتمتع بجمالية تتفوق على كتاب نقدي أو رواية من ألف صفحة.. بالنسبة لي، لا معايير ثابتة للإبداع، لكنها السوق -للأسف- من تحدد الهيمنة الأدبية وقانون البضاعة الرائجة.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg كرست الجوائز الأدبية أسماء روائية جديدة، وأسقطت أسماء باتت مكرسة طوال عقود. هل تؤمنين بأن الجوائز تساهم في صناعة الروائي وتطوير تجربته وترويج اسمه؟
"الإبداع الذي يصمد، كأدب دستويفسكي أو كافكا أو كونديرا... هو حفر طويل وشاق، لا علاقة له بالآنية التي تثيرها الجوائز والإعلام"
قد تساهم الجوائز أو المناسبات الاستثنائية في صناعة اسم ما، لوقت ما، ولكن الأمر يشبه نجومية السينما والغناء.. نحصل على ظواهر مؤقتة سرعان ما يبتلعها الزمن، أي أنه يمكن التحدث عن الموجة العابرة، أما الأثر الطويل، فمن النادر أن تكتشفه الجوائز، أو أن تصنع الجائزة روائيا ما..  فالإبداع عملية تراكمية، واكتشاف ظاهرة أو اسم أو تجربة، قد يكون لها أثرها السريع والحالي، إلا أنها تذوي مع الزمن... الإبداع الذي يصمد، كأدب دستويفسكي أو كافكا أو كونديرا... هو حفر طويل وشاق، لا علاقة له بالآنية التي تثيرها الجوائز والإعلام، دون أن يعني هذا استنكار الجوائز أو الاعتراض عليها، فهي تساهم دون شك في تحريك المشهد الإبداعي والنقدي، وهذا مهم جدا للكاتب والقارئ وللثقافة عموما.
http://www.aljazeera.net/mritems/images/2002/9/24/1_115755_1_10.jpg هل نالت تجربتك في الكتابة حظها من المتابعة النقدية؟ وإلى أي حد أسهم النقد في تطوير وعيك السردي؟
إلى حد ما، أنا راضية عن المتابعة النقدية لكتابتي، هناك أسماء مهمة في العالم النقدي كتبت عن أعمالي، ولكن موضوع التطوير أمر آخر.. فالإبداع عملية فردية لا أعتقد أنها تتأثر بالخارج.. ربما يضيف الخارج المزيد من القلق والإحساس بالمسؤولية، وهذا من وصفات الكتابة الحقيقية المشغولة بخوف وشغف معا، لكنه برأيي لا يؤثر على تطوير الوعي السردي، إلا من حيث تفتيح آفاق النقد، أي النقد المتعلق بأي نص، سواء كان النص المشتغل عليه نقديا هو نصي أنا أو نص غيري... شخصيا، أسمع وأستمتع، ولكنني لا أحاول اتباع وصفات مهما كانت برأي الآخرين ناجحة، بل أجدني متشبثة بعنادي، هذا العناد الذي حماني حتى اللحظة من الانجراف خلف رأي الآخر الإبداعي أو وصفته للكتابة الناجحة. 

الرواية أم الراوي



الرواية أم الراوي؟
خالد الحروب
8 مارس 2015





مدام بوفاري (بطلة رواية "مدام بوفاري") صارت أهم من فلوبير،
وأنطون روكانتان (في رواية "الغثيان") أهم من سارتر، وراسكولنيكوف (في "الجريمة والعقاب") أهم من دوستوفيسكي. هذا ما تقوله لنا مها حسن في روايتها، أو لنقل مجموعة حكاياتها، الموسومة بـ "الراويات". ملكات الروايات وأميراتها هن الإناث: الجدات والحفيدات على وجه التحديد. تكبر الحفيدات وحكايا الأمسيات الطويلة والباردة والدافئة والحميمة محفورة في طيات وجدان يتوهج مع ركض السنين. تصير الحكايات المُختزنة بعيداً وعميقاً في لاوعي اليفاعة، فيضاً فواراً من السرد والكلام المحكي والمنقول. فيه حِكَمٌ بسيطة وغامضة، عابرة ومقيمة في آن معاً. الراويات هن موطن الحكايات والأسرار والسرد الطويل. الجدات هن رواة قصص الزير سالم، رواة قصص شهرزاد، رأين ما لم يره الذكور. يتحدثن مع أطياف تطير وتدور في البيوت وتمرق من وراء الجدران، يتهامسن مع قطط تجأر بالشبق في أزقة الحارات في أواخر ليالي شباط، يطمئنن على المواليد الجدد..

الراويات يؤمنّ بالحكي والحكايات، لا يركضن وراء النشر والكتابة. يتمردن على مقولة قديمة رددها الذكور منذ زمن سحيق أن "الخاطرة صيد والكتابة قيد". هذا ما يقوله عقل الرجل القناص. تعود القنص منذ فجر البشرية: قنص الصيد، وقنص النساء، وقنص الأفكار.


مها حسن تتوقف عند القنص الثالث. بطلتها الحكاءة تعمل في مكان ما، في مصنع، يجز وقتها وحياتها روتين اللهاث اليومي وراء رغيف خبز عنيد وحقير. حلمها أن تحكي ما تعيش فيه من عوالم وأطياف وقصص تغرق فيها كلما تأملت في الفراغ المنثور حولها. يأتيها القناص. يدرك حلمها ويعرض عليها أن تتفرغ شهوراً من عملها وهو يمنحها راتباً شهرياً، ومسكناً، ويطمئن على كل احتياجاتها مقابل أن تكتب أحلامها. لماذا يفعل ذلك؟ تسأل. يقول لأنه يريد أن يشاركها الحلم وحسب. يريد أن يخرج من واقع بليد ورتيب وضاجٍّ بأمور الحياة وجمع المال. تقبل.

تنشدّ إلى هذا الرجل الوسيم، الذي يشترط عليها (نعم هو يشترط عليها) أن لا تنام معه لقاء ما ينفقه عليها، حتى لا تموت الأحلام. تطلق عليه اسم سباتو، مؤلف رواية "ملاك الجحيم (أبدون)"، الرواية التي أحبتها وتداوم على قراءتها. تحلم به وهي تكتب طيلة شهور. تنهي النص وقد اختلطت عليها مشاعرها. كتبت حكاياتها كما حلمت، لكن حكاية جديدة نشبت مع هذا الرجل وهو لا يريد لها أن تُستكمل. تعطيه النص وتغادر كأنما هي صفقة. القناص ينشر النص باسمه ويصبح روائياً مشهوراً. يعيش في نجومية النص ومقابلاته الصحافية والتلفزيونية وما جلبه عليه من مال لسنوات عدة. يصبح سجين نجومية غير مُستحقة، ويزداد بشاعة.

راما الهندية تظهر فجأة في نهاية الحكاية لتختم القصة والسرد. غابت كل النسوة اللواتي صحبننا في فصول الرواية، واحتلت راما المسرح وحدها لعدة صفحات. في مونولوج انفرادي تأخذنا إلى عوالم الهند، بعيداً عن الفضاءات العربية التي تكثفت في الرواية. عوالم مخلتفة وبعيدة، لكنها قريبة إلى روح الحكاية لأن فيها جوهر "الحكي" الإنساني. تستدعي مها حسن راما الهندية وتختم بها كي تقول، ربما، إن شبق الحكي والحكايات واحد، لا جغرافيا له، بل يتسع بامتداد الراويات الجميلات، الجدات الكبار، والصبايا الحالمات الصغار. يحررن الرواية، ولا يلقين بالاً لجحافل القناصين الواقفين هناك بغية قنصها ونشره
   

العربي الجديد

mercredi 11 février 2015

شهرزادات مزيفات

لندن: المصطفى نجار
في عملها الأخير «الراويات» (2014، دار التنوير)، الذي وصل هذا العام إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، تسبر السورية مها حسن أغوار السرد وعوالمه الخفية، بشقيه الكتابي والشفاهي. ويدور العمل حول مجموعة من الشخصيات، التي ليست بالضرورة مترابطة، ونسائية في أغلبها، يشغلها هم الروي، وتتملكها رغبة ملحّة بالتعبير عن المخيلة.
ابتداء من الإهداء.. «إلى النساء الحكواتيات في بقاع الأرض، اللاتي لم تساعدهن الحياة، على نشر رواياتهن على الملأ، فعشن ومتن في الظلمة»، وانتهاء بآخر جملة في العمل «عبر الكتابة، تحررت أعماقي، وخرجت إلى الضوء» (ص 190)، تحضر نبرة احتفالية، تكاد تكون ساذجة، حول أهمية الروي ودوره في خلق عوالم «يُكتب لها الخلود» (ص 8).
فالراوية الأولى تعيش كما تقول حياتَيْن، واحدة سطحية «نمطية» في عالم الواقع، وأخرى «غنية كثيفة» (ص 7)، تدور حول الكتابة وما يتخللها من شد وجذب مع شياطين السرد. «خُلقتُ لأروي» تقول الراوية، مستعيرة عبارة ماركيز بتصرّف، كتعبير عن مدى تعلّقها بهذا الفن. فهي «ليس لديها إلا متعة وتسلية الروي، لتمضية الحياة، وتمريرها بسلام، حتى النهاية» (ص 38). حتى عندما يسطو أحدهم على روايتها الأولى ويقوم بنشرها باسمه، لا تكترث أبدون، «وما الضرر، المهم أن شخوصي يملكون فرصة للخروج إلى العالم.. المهم أن تخرج الحكايات ليقرأ العالم.. المهم هو الرواية، لا الروائي» (ص 78، 79).
راما، آخر الراويات، تعيش في عالم موازٍ خاص بها، مليء بشخصيات وهمية لا وجود لها، لذلك حاولت أمها، التي خشيت عليها من الجنون، «زجر» مخيلتها بإرهاقها بشتى التمارين الجسدية وهي طفلة. فالطفلة التي وُلدت في الهند، ورثت عن جدتها «سحر القدرة على الحكي» (ص 181) وعلى عكس أقرانها الصغار، الذين يجدون في الاستماع إلى حكايات الجدات ممرا إلى النوم، راما تنتظر نهاية الحكاية لتفككها وتعيد بناءها بتفاصيل جديدة. عندما كبرت وصلت علاقتها مع زوجها إلى جدار مسدود، ذلك بعد أن اعترفت له بأن «اللحظات التي أشعر بها بنشوة تشبه الأورغازم، تتحقق فقط حين أروي» (ص 188).
هناك نقاط تشابه كثيرة لا يمكن تجاهلها بين الراويتين، أحدها هي الوصول إلى المتعة الجنسية عبر الروي. تقول أبدون: «ثمة طاقة جنسية تتولد بداخلي أثناء الكتابة» (ص 42).
لكن يخطئ من يظن أن هذا كل ما تنطوي عليه «الراويات»، أو أن شخصيات العمل النسائية هنّ «شهرزادات» يسرن على خطى معلمتهن الأولى التي استطاعت بعد «ألف ليلة وليلة» من الروي أن تنتصر على ذكورية الملك شهريار. «الراويات» لمها حسن أعمق من مجرد صرخة مدوية في وجه الثقافة الذكورية، أو مانيفيستو حماسي يدعو إلى ثورة نسوية. فأسفل السطح الاحتفالي «الثوري» الصقيل للعمل، هناك شبكة سردية معقدة من الحفر والمطبات تهدد بالانهيار.
تنطوي كل قصص الشخصيات على انقلاب مفاجئ في الحبكة، يناقض توقعات الراوية، كما يثير التساؤلات حول مصداقيتها ومدى إلمامها، أي الراوية، بالواقع الذي ترويه. فبينما ترى أبدون، على سبيل المثال، في ساباتو رجل الأحلام الذي قدم لها كل ما بوسعه لتكتب روايتها الأولى، يتبين للقارئ في نهاية قصتهما أنه استخدمها لتحقيق غايات نفعية بحتة.
كذلك الأمر بالنسبة لراما، التي بعد أن تعتقد أنها وجدت في الموسيقي الحالم أرافيند حيّزا لتتحرر روحها السجينة، تتلقى صفعة مدوّية لدى إدراكها، ولكن بعد فوات الأوان، أنه مجرد «أبله فاقد للمخيلة» (ص 189).
يقول الناقد والأكاديمي الأميركي جوناثان كولر: «روي القصص ينطوي على ادعاء سلطة معينة يقرّها المستمع». وكذلك هي علاقتنا كقراء مع راويات مها حسن الست، إذ أمام نبرة الشخصيات الاحتفالية حول دور السرد في تحطيم الثقافة الذكورية، لا نجد خيارا سوى أن نصدّق بظاهر ما يقلن، وبالتالي أن نعترف بسلطتهنّ على اعتبار أنهنّ الطرف المسيطر في عملية الحكي.
لكن وبعد الخذلانات، أو الصفعات، المتكررة للشخصيات/ الراويات، لا بد أن تساورنا الشكوك فيما إذا كنّ فعلا أهلاً للثقة التي منحناهن إياها في بداية العمل. لذلك يمكننا القول، إن الانعطافات المفاجئة داخل البنية الدرامية للعمل تحمل تساؤلات مبطنة حول مصداقية السرد، وفيما إذا كان الطرف السارد فعلا يستحق السلطة التي يمنحه إياها المستمع. بعكس «ألف ليلة وليلة» الذي يتمحور حول تمكّن شهرزاد من فن الروي، يسلّط عمل مها حسن الضوء على إخفاق الراويات في التحكم بخيوط السرد. فالعمل يدعي الشيء ويفعل نقيضه، إذ إن النبرة الحماسية للشخصيات توحي بثقتهنّ تجاه ما يروين، لكن الانقلاب الدرامي في النهاية يحيل الثقة إلى خذلان. راويات مها حسن يقدمن صورة مزيفة عن شهرزاد.
في أحد أكثر المشاهد ابتعادا عن أجواء العمل، تقوم أليس، المختصة في «دراسة الفلسفة وعلاقتها بالفن» (ص 156)، بزيارة القاهرة، بعد أن «مسّتها روح الفراعنة» (ص 158) القسم يطفح بإشارات حول نجاح تجربة الربيع العربي في مصر. تقول أليس، إنها «تثق بالمصريين، من أسقط مبارك، قادر على إسقاط الإخوان ولن يقبل ديكتاتورية جديدة» (ص 159، 160).
هذه وغيرها من العبارات، التي تبدو لنا الآن إما تهكمية أو ساذجة، يتم تمريرها بغاية الجديّة على لسان الراوية أليس، على الرغم من انقلاب الربيع العربي إلى خراب. حتى الآن، وبناء على ما كُتب عن «الراويات»، هناك نوع من الإجماع على عدم ضرورة هذا القسم، إذ إن الاعتقاد السائد يقول بإقحامه على بقية نص مها حسن. لكن في الواقع القسم بالغ الأهمية، إذ إنه يظهر بجلاء التباين بين الواقع والروي. فأليس، تقدّم للقارئ «روايتها» عن الربيع العربي، التي تتباين مع الواقع إلى حد كبير.
جميعنا شاهد عبر شاشات التلفزيون، وقرأ في الصحف والمجلات المختلفة عن الأحداث في مصر. بمعنى أن ما نعرفه عن الربيع المصري لا يرتقي إلى أكثر من «روايات» تعبر عن وجهة نظر أصحابها. الإنسان محاط بـ«الراويات» في كل مكان، في الصحف والكتب والتلفزيون و«يوتيوب»، ناهيك بوسائل التواصل الاجتماعي التي هي في نهاية الأمر منصة لأصوات/ روايات متعددة. لكن ترى هل كلها تعكس الواقع؟ «الروايات» لمها حسن تجيب بالنفي.
القارئ أيضا ينال نصيبه من الصفعات. فالبناء السردي لـ«الراويات» مربك في تشعبه، إذ يحتوي على أربع روايات في آن معا، «جلد الحية»، و«حور العين»، و«مقهى شهرزاد»، وأيضا «الحياة المزيّفة» لأبدون، جميعها تتداخل فيما يشبه دمية «الماتريوشكا» الروسية. كما أن تعدد وتداخل الأصوات الروائية يجعل القارئ لا يكفّ عن تكرار هذين السؤالين في رأسه: «من المتكلم؟» و«عماذا يتكلم؟»، يضاف إلى ذلك «تلذّذ» مها حسن، على ما يبدو، في ممارسة لعبة الأسماء الفضفاضة مع شخصياتها. فأبدون هي نفسها ميريام التي هي نفسها مها، وساباتو هو نفسه إرنستو، وكذلك فرانكو. أما ديبة فقد تصبح ظبية أو لويز، لا فرق، إذ «ليس لأسمائنا أهمية.. نحن كائنات افتراضية» (ص 38) كذلك الأمر بالنسبة للفضاء المكاني للعمل، فالمكان هو «تلك المدينة الكبيرة، التي تشبه القاهرة، أو نيويورك، أو طوكيو، أو باريس، أو لندن، أو بيروت» (ص 82).
«الراويات» لمها حسن عمل صِيْغَ بحرفية عالية من ناحية التكنيك والبناء، كما أن الاضطراب الظاهري للشكل يمنحه «لا نهائية» وغموض تلك الأعمال العظيمة مثل «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و«عوليس» لجيمس جويس، التي لم تقدم إجابات بقدر ما أثارت تساؤلات
 
http://aawsat.com/home/article/287556/شهرزادات-مزيفات

lundi 9 février 2015

Interview with longlisted author Maha Hassan


When did you begin writing Female Voices and where did the inspiration for it come from?

I began the novel four years ago. I don’t know if it was about inspiration or obsession because I wrote it in stages. It began with a passing daydream which usually comes to me in the form of an image while I’m on the subway or in the street or while keeping busy with something other than writing. Then I went to paper to develop the dream. This is the only novel, in ten years, that I began on paper, not on a computer as I usually do.

Did the novel take long to write and where were you when you finished it?

It took about three years. I had been living in France the whole time and I wrote every moment of the novel there. In fact, I wrote the last chapter sitting on a bench in the pavement of the subway station, where I missed getting on the subway because I wanted to put down the main points in my notebook before I wrote it at home in the manuscript.

How have readers and critics received it?

I was surprised by the feedback. I don’t want to praise myself, but I am sure that I was surprised by the positive feedback from those who were touched by my female voices and from many levels of readers. Some professional, i.e. critics and writers, and others who read for the joy of reading. I received many messages describing the chemistry that reached the reader through my voices. Others posted quotes from the novel on their social media pages. I will not deny that this set me free from within. The reader saves the writer from isolation and from the phobia of oblivion.

What is your next literary project after this novel?

I am an ongoing writing workshop. I never stop writing. As I said in the first page of Female Voices and in the second paragraph to be exact: “I was born to narrate.” I always have many preoccupations. I haven’t yet decided which work I will publish. I have two works that are ready, which is maybe funny, but I am a writing machine that never stops.

http://arabicfiction.org/news.444.html

dimanche 1 février 2015

«راويات» مهى حسن في مقهى شهرزاد

  
تحفر كأنها تحاول الوصول إلى جوهر ما، تفتش في الرمل بمجهر، تحاول التقاط ذلك الخيط الذي يفكك الحكاية كلها ليثبتها، خيط جاك دريدا الذي يفرط المعنى الثابت ليكشف عن طبقات المعنى. هذا ما تفعله الكاتبة السورية مها حسن في أحدث كتاباتها «الراويات» (التنوير، 2014)، وإن كانت فعلت ذلك من قبل في «حبل سري» (رياض الريس، 2010) في شكل مختلف. أمّا الكتابة فهي دائماً بمثابة همّ للشخوص، بحيث تتحول الكتابة، أو بالأحرى التدوين، إلى أرق دائم لشخصيات مها حسن. كأنّها تُحملهم همّها لتعيد وضعه في إطار سردي - من المفترض أنه تخييلي - أقول من المفترض، لأن النص بأكمله يدور حول إشكالية الكتابة. تلك الإشكالية التي طرحها من قبل إدوارد سعيد في شكل ثلاثة أسئلة: من يكتب؟ لمن نكتب؟ من يقرأ؟... وإذا كان سعيد قد طرح أسئلته ليعيد قراءة المشهد النقدي، فإن مها حسن تطرح هذه الأسئلة لتعيد قراءة إشكالية (نعم لا تزال إشكالية كبيرة) الكتابة النسوية. الطرح الأساسي الذي تنسج حوله الكاتبة نصها هو أن الرواية هي المهمة وليس الراوي/ة، وليس القصد هنا هو موت المؤلف كما طرحه ميشيل فوكو، بل العكس تماماً. الهدف هو البوح وإطلاق الروح من أسر المختبئ والمدفون، البوح الذاتي، ولكل واحدة حكايتها التي تثري حكاية قبلها وتُكملها. ويُعد البوح هو أحد أهم النواقص التي يؤشر عليها النقد (الذكوري) في كتابة النساء، فتشتبك مها حسن مع ما يُعد نقيصة بنص كامل يؤسس نفسه على نقائص أرستها المؤسسة الرسمية فأعلت فيها الكتابة على التدوين، وأعلت التدوين على الحكي الشفوي. تقول واحدة من راويات مها حسن: «التدوين يعني النشر، والنشر يعني تشويش الآخر، ودخوله حاجزاً بين الكاتب والكتابة، ويحرّف الفطرة. الكتابة فطرة وتدوينها يحرّفها. الكتابة فطرة تحتاج إلى الاستمرار في فعل الكتابة في الرأس لا على الورق، ولا في الحواسيب» ( ص180).
تعود الراويات والراوية إلى الأصل: حكي شهرزاد، فتحتل شهرزاد مساحة الذاكرة، ومركز السرد، وتتحول إلى راوية، حتى تصل إلى كونها دالاً على الحكي، مدلوله هو النضال من أجل الاستمرار، وتجنب الانقطاع، وفي هذا، تسقط أهمية كاتب الليالي. ولم يبق في المجال النقدي والذاكرة الجمعية الأدبية سوى صوت شهرزاد ودلالاته المتعددة. وبالفعل تبدأ الراوية الأولى في الكتابة من أجل أن تُخرج العالم الذي تعيش فيه على الورق، وتمنح كل ما كتبته لرجل، هو ساباتو أو فرانكو، الذي ينشر المكتوب فيتحول إلى كاتب شهير. لم تهتم الراوية بذلك، فكل ما كان يهمها هو «الرواية» وليس الكاتب أو الكاتبة: «ليس مهماً اسم الكاتب على الغلاف، المهم أن تخرج الحكايات ليقرأ العالم، ويتعرف إلى أبطالي» (ص 79). وقد أعادت الكاتبة العلاقة الوثيقة بين الكتابة والهوية إلى الصدارة عبر تقنية بول أوستر، الكاتب الأميركي صاحب «ثلاثية نيويورك» (1987)، الذي كتب الرواية البوليسية من أجل التنقيب عن قضايا وجودية. وهي التقنية التي كشفت عنها الراوية الأولى من أجل مساعدة القارئ في الكشف عن طبقات النص.
مع الراوية الثانية، يظهر التدوين. فهي تُدون في القرية بينــما تدوّن توأم روحها في المدينة، وعندما تدفع بما كتــبته إلى النشر تموت. مع راويات المرحلة الثالثة يبدأ الحكي الشفوي في «مقهى شهرزاد» في باريــس. فتعود الروح إلى أصلها، وتتسق مع ذاتها.
وعلى رغم المشهد الذي يتم فيه تقطيع الأوراق ونثر كل المكتوب لتفيض طاقته على العالم، يعود النص في النهاية إلى غرضه الأصلي، وهو كتابة الذات. إنها كتابة القصة التي نمتلكها وليس قصص الآخرين. فساباتو عندما نشر قصة غيره أصابته «كآبة اللا موهبة» و«كان يعرف أنه لم يُخلق للكتابة، لكن عناده أقنعه أن الموهبة يُمكن أن تحصل لاحقاً، بالعمل والمثابرة» (119). وتجيء كلمات آخر راوية لتعبّر عن الرؤية كاملة: «عبر الكتابة، تحرّرت أعماقي، وخرجت إلى الضوء. وعبر الكتــابة، كتابتي، لا كتابة غيري، امتلكت أعماقي المنبوذة، شرعية الضوء، والخروج إلى الملأ» (190).
في هذا التدرّج، تعتمد البنية على خطّين متوازيين، الأول هو بنية الليالي، بحيث تتوالد حكاية من داخل حكاية. والثاني يُحوّل البنية إلى العلبة الصينية التي تحتوي علباً مشابهة داخلها متدرّجة في الحجم (كالدمية الروسية الخشبية)، وقد تحوّلت هذه العلبة مصطلحاً أساسياً في السرد ما بعد الحداثي.
تأتي الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالكتابة (ماذا نكتب؟ لمن نكتب؟ ومن يقرأ؟) لتؤكد أن الهدف الأصلي هو تحرّر ذات الراوية من القيود، في محاولة لاستعادة الروح التائهة أو الخاملة أو تلك التي أوشكت على الانتحار، أو تلك الحبيسة في غرفة في المدينة.
ولا يترك النص شكلاً من أشكال التحرّر عبر السرد إلاّ ويوظّفه لمصلحة الفكرة، من فولكور شعبي، أساطير، منحى بوليسي، عوالم جوّانية مبنية على الفانتازيا، صدف لا معقولة، تماماً مثل حكايات شهرزاد، ومثل محاولتها المستمرة في التحرّر من سيف مسرور.
ولا يعود القارئ إلى عالمه إلا عندما يصل إلى الجزء الخاص برحلة واحدة من الراويات إلى مصر، فيظهر التدوين المباشر الذي تسارع الكاتبة إلى انتشال نفسها منه، عبر مشهد فانتازي في الحرم الحسيني، ويعود النص إلى روايته عن راوياته.
وبهذا الحكي الذي يُعيد الاعتبار والاهتمام لمسألة الحكي/السرد/ التدوين/البوح النسوي، تُعيد مها حسن القضية برمتها إلى الصدارة، وتمنح شهرزاد المقعد الرئيس في مقهي الحكي. لا تعتمد رواية «الراويات» (ضمن اللائحة الطويلة للبوكر) على التناص أو على وجود شهرزاد كأحد الشخوص أو بنية الليالي، لكنها تعتمد عليه وتنطلق من الفعل الشهرزادي الخالص: الحكي، وتضيف إليه الحكي عن الحكي.