dimanche 26 avril 2015

الرواية أم الراوي



الرواية أم الراوي؟
خالد الحروب
8 مارس 2015





مدام بوفاري (بطلة رواية "مدام بوفاري") صارت أهم من فلوبير،
وأنطون روكانتان (في رواية "الغثيان") أهم من سارتر، وراسكولنيكوف (في "الجريمة والعقاب") أهم من دوستوفيسكي. هذا ما تقوله لنا مها حسن في روايتها، أو لنقل مجموعة حكاياتها، الموسومة بـ "الراويات". ملكات الروايات وأميراتها هن الإناث: الجدات والحفيدات على وجه التحديد. تكبر الحفيدات وحكايا الأمسيات الطويلة والباردة والدافئة والحميمة محفورة في طيات وجدان يتوهج مع ركض السنين. تصير الحكايات المُختزنة بعيداً وعميقاً في لاوعي اليفاعة، فيضاً فواراً من السرد والكلام المحكي والمنقول. فيه حِكَمٌ بسيطة وغامضة، عابرة ومقيمة في آن معاً. الراويات هن موطن الحكايات والأسرار والسرد الطويل. الجدات هن رواة قصص الزير سالم، رواة قصص شهرزاد، رأين ما لم يره الذكور. يتحدثن مع أطياف تطير وتدور في البيوت وتمرق من وراء الجدران، يتهامسن مع قطط تجأر بالشبق في أزقة الحارات في أواخر ليالي شباط، يطمئنن على المواليد الجدد..

الراويات يؤمنّ بالحكي والحكايات، لا يركضن وراء النشر والكتابة. يتمردن على مقولة قديمة رددها الذكور منذ زمن سحيق أن "الخاطرة صيد والكتابة قيد". هذا ما يقوله عقل الرجل القناص. تعود القنص منذ فجر البشرية: قنص الصيد، وقنص النساء، وقنص الأفكار.


مها حسن تتوقف عند القنص الثالث. بطلتها الحكاءة تعمل في مكان ما، في مصنع، يجز وقتها وحياتها روتين اللهاث اليومي وراء رغيف خبز عنيد وحقير. حلمها أن تحكي ما تعيش فيه من عوالم وأطياف وقصص تغرق فيها كلما تأملت في الفراغ المنثور حولها. يأتيها القناص. يدرك حلمها ويعرض عليها أن تتفرغ شهوراً من عملها وهو يمنحها راتباً شهرياً، ومسكناً، ويطمئن على كل احتياجاتها مقابل أن تكتب أحلامها. لماذا يفعل ذلك؟ تسأل. يقول لأنه يريد أن يشاركها الحلم وحسب. يريد أن يخرج من واقع بليد ورتيب وضاجٍّ بأمور الحياة وجمع المال. تقبل.

تنشدّ إلى هذا الرجل الوسيم، الذي يشترط عليها (نعم هو يشترط عليها) أن لا تنام معه لقاء ما ينفقه عليها، حتى لا تموت الأحلام. تطلق عليه اسم سباتو، مؤلف رواية "ملاك الجحيم (أبدون)"، الرواية التي أحبتها وتداوم على قراءتها. تحلم به وهي تكتب طيلة شهور. تنهي النص وقد اختلطت عليها مشاعرها. كتبت حكاياتها كما حلمت، لكن حكاية جديدة نشبت مع هذا الرجل وهو لا يريد لها أن تُستكمل. تعطيه النص وتغادر كأنما هي صفقة. القناص ينشر النص باسمه ويصبح روائياً مشهوراً. يعيش في نجومية النص ومقابلاته الصحافية والتلفزيونية وما جلبه عليه من مال لسنوات عدة. يصبح سجين نجومية غير مُستحقة، ويزداد بشاعة.

راما الهندية تظهر فجأة في نهاية الحكاية لتختم القصة والسرد. غابت كل النسوة اللواتي صحبننا في فصول الرواية، واحتلت راما المسرح وحدها لعدة صفحات. في مونولوج انفرادي تأخذنا إلى عوالم الهند، بعيداً عن الفضاءات العربية التي تكثفت في الرواية. عوالم مخلتفة وبعيدة، لكنها قريبة إلى روح الحكاية لأن فيها جوهر "الحكي" الإنساني. تستدعي مها حسن راما الهندية وتختم بها كي تقول، ربما، إن شبق الحكي والحكايات واحد، لا جغرافيا له، بل يتسع بامتداد الراويات الجميلات، الجدات الكبار، والصبايا الحالمات الصغار. يحررن الرواية، ولا يلقين بالاً لجحافل القناصين الواقفين هناك بغية قنصها ونشره
   

العربي الجديد