jeudi 29 mai 2014

المثقف ضد اليأس

المثقف ضد اليأس
الهمُّ الأول اليوم قبل المساءلة وتوجيه أصابع الاتهام، هو الحفاظ على سوريا والسوريين. أما المساءلة والمحاكمات فتأتي تاليا.
العربمها حسن [نشر في 2014\05\30]

هل يستطيع المثقف تشكيل قوة ضاغطة لوقف القتل؟ في السنة الفائتة، تحاورت مع بعض الأصدقاء الذين أتقاسم معهم وجهات النظر المتقاربة حول الوضع في سوريا، وهاجس إيقاف القتل. بعد حوارات مطولة عبر الهاتف والسكايب والمراسلات المكتوبة، توصلت إلى صياغة ورقة هي بمثابة نواة لانطلاق مبادرة باسم المثقفين أو المشتغلين في الحقل الثقافي، وأطلقت عليها اسم: “ضدّ اليأس“. لكن مبادرتي، لم تلق الضوء، بسبب المزاجيات الشخصية ولغياب الإيمان والأمل بأننا قادرون على ترك أثر، أو محاولة وقف عجلة القتل. ولأنني “ضدّ اليأس“، سأقوم بتلخيص مبادرتي وعرضها، لمن يمكنه الإيمان دوما بمسؤولية المثقف ودوره الأخلاقي في الحروب والثورات والأزمات الكبرى.
بعد دخول الحراك الثوري في سوريا سنته الرابعة، وفي وقت يستحوذ فيه على الجميع اليأس من استحالة تحقيق الهدف الذي انطلق من أجله، وبعد فشل الكثير من المشاريع والمبادرات السياسية، بسبب تعنت النظام أولا، وبسبب مساندة الكثير من الجهات الدولية للنظام، وبسبب من يُدعون بتجّار الحروب، وكذلك الإشكاليات المعقدة في المعارضة، وتدفق السلاح المؤدلج، والمتعارض مع أفكار الثورة، والذي صُوِّب الكثير منه ضدّ الشعب السوري، تبدو الحاجة إلى تجمّع ثقافي، يتخذ سوريا بوصلته الوحيدة، انطلاقا من وجهة نظر ثقافية، تنظر إلى الإنسان، بوصفه القيمة الأسمى، تجمّع ثقافي يستعيد دور المثقف في النقد الحرّ المستقل.
الخطوة الأولى من أجل الوصول إلى هذا التجمّع هي تشكيل نواة ثقافية تشاورية تنطلق من أفكار المظاهرات الأولى بسوريا في الكرامة والحرية والعدالة، وتتخذ من وقف العنف هدفا أوليا ملحا، ثم المحاكمة لاحقا، لكل من تورّط في الدم السوري.
الهمُّ الأول اليوم قبل المساءلة وتوجيه أصابع الاتهام، هو الحفاظ على سوريا والسوريين. أما المساءلة والمحاكمات فتأتي تاليا.
هي مبادرة مبدئية، لا تطرح الحلول، بقدر ما تقترح التجمّع واللقاء والتشاور، ومحاولة استيلاد الأمل من اليأس ومن العجز. وإذا كان أغلب المثقفين يعتمدون على المخيلة واللغة، من أجل إنتاج نصّ من العدم، فإنّه من الممكن صياغة مبادرة عقلانية ثقافية من قلب اليأس السوري.
لهذا تطمح النواة المأمولة إلى الاختلاف عن غيرها، دون أن تكون بالضرورة مخالفة في الطموحات والأهداف والتوجهات. ذلك أن الاختلاف سيكمن في الاستقلال وفي الحرية وفي اعتماد العقل سلطة لا تعلوها سلطة، بعيدا عن الأنانية والنرجسية والمصلحة الآنية. نواة قد تتحول إلى سلطة رقابة ثقافية وأخلاقية، وربما تكون بارقة أمل للسوريين الجالسين تحت العنف والقصف منتظرين قبسا من نور مأمول.

mardi 13 mai 2014

الصورة النمطية

الصورة النمطية
لكل منا قاموسه المعرفي، ومرجعيته الشخصية، وغالبا ما تكون ثمة قطيعة معرفية مع الآخر، بسبب الاعتماد على الصور النمطية الجاهزة بأدمغتنا في تعريف الآخر أولا.
العربمها حسن [نشر في 2014\05\13]
يتحدث إيريك فروم في كتابه عن “الروائز”، هذه المفردة التي يعتمد عليها علم النفس كثيرا في تجميع عدد من المفردات، وجعل أنه ثمة مرادف لها في اللاوعي. في “تفسير الأحلام” ، بحيث تدل المفردة على الحالة، وكذلك هناك لدى الوجوديين حالات مماثلة، ولديهم قاموسهم الوجودي، مع اختلاف عميق وجوهري في التعامل الذهني والواعي مع المفردة. هذه مقدمة فقط للقول بأننا نستخدم، دون وعي أحيانا، قواميس جاهزة في التعرف على العالم، وأحيانا، بل غالبا، نظلم الحالات الجديدة أو الأشخاص أو المستجدات التي لم تُبرمــج داخل قواميسنا المعرفية الذاتية.
لكل منا قاموسه المعرفي، ومرجعيته الشخصية، وغالبا ما تكون ثمة قطيعة معرفية مع الآخر، بسبب الاعتماد على الصور النمطية الجاهزة بأدمغتنا في تعريف الآخر أولا، ثم تجهيز هذه الصورة، وقلبها نحو الخارج، بحيث تكون بمثابة تعريف نعتقد بأنه معرفة الآخر. من هذه القواميس الجاهزة، الرأي في الفرد الآخر، وفق دلالات الجماعة.
هناك أفراد بل وجماعات، رهائن رأي الآخر الجماعي بهم، الخاطئ غالبا، والنمطي، الذي تشكّله تجارب صغيرة لا يمكن تعميمها، أو الإعلام، الذي يهدف إلى زرع التعميم وقتل التفاوت الذي يعني التفرّد والتمايز والخصوبة البشرية.
في صالة الانتظار أثناء موعدي الطبي، كنا مجموعة نساء ورجال، سيدة شقراء ترتدي “ميني جوب”، تلف ساقا فوق أخرى، وتقرأ في كتاب فرنسي، إلى جوارها سيدة محجبة من أصول عربية، تقرأ مجلة بالفرنسية، مقابلهما رجل مسنّ من أصول عربية، يقرأ في القرآن بصمت، وإلى جواري جلست سيدة كبيرة بالعمر، هي زوجة ذلك العجوز، ترتدي الزي المغربي المحلي، الإيشارب الملون، وثوبا طويلا، وثمة شاب أبيض، لا يدل مظهره على أصوله، يعبث بجهاز الهاتف، يرسل الرسائل ويستقبلها مستغرقا في عالمه، بينما جلست أنا أقرأ في رواية عربية.
السيدة العجوز بجواري، كانت تحاول التلصص على صفحات كتابي، وهي لا تفهم ماذا أقرأ، لاحظت الدهشة ذاتها في عيون السيدة المحجبة التي تقرأ بالفرنسية، وبطريقتي التلصصية في دماغ الآخر، كنت أقرأ تساؤلاتهم، حول أصولي، أنا المرأة السمراء بلون لا يشي بأصول عربية مغربية، لكنني أقرأ بالعربية، كما أن عمري لا يوحي بأنني طالبة، مجبرة على القراءة بهذه اللغة، لتحسين وضعي الدراسي.
كل منا، يحمل صورة نمطية عن الآخر؟ أنا لا أشبه المغربيات، كما أنني لا أشبه الفرنسيات؟ فالمغربيات عامة يتقنّ الفرنسية حيث أن بلادهن فرانكفونية، ولا أبدو بلكنتي الفاضحة بأنني فرنسية أو عربية تتحدث الفرنسية، من أنا إذن برأي الآخر؟

jeudi 24 avril 2014

ثورات النساء في ظل الربيع( العربي): هل حان الوقت؟

بقلم
تظاهرة أمام نقابة الصحفيين في مصر ضد التحرّش الجنسي وفشل الشرطة في حماية النساءتظاهرة أمام نقابة الصحفيين في مصر ضد التحرّش الجنسي وفشل الشرطة في حماية النساء.
جئت إلى الحياة كامرأة: قبل الربيع السوري
لا أنكر أنني أنسى أحياناً كوني امرأة، في غمرة انشغالاتي في الكتابة والحياة والهاجس اليومي لبلدي الرازح بين ضفاف القتل.
حين بدأت الكتابة، تجاهلت طويلاً أنني امرأة، ثمة تربية ذكورية تلقيتها، جعلتني أتنكّر لجنسي، وأشعر بدونية كوني أنثى ومن ناحية أخرى، لم تكن النماذج النسائية التي تتصدر المشهد الأدبي والإعلامي تروق لي ليقترب حلمي ليصبح مثلها.
كانت أحلامي رجالية، أتماهى مع الرجال، وأنتمي لهم، سارتر ونيتشه وهيغل ، ثم كافكا وبروتون ومؤخراً، قبل صحوتي النسائية، ديستويفسكي وكونديرا وأسماء كثيرة، كلها لرجال.
لاقيت في حياتي الشخصية نساء عظيمات، لكنهن لم يكن نجمات شهيرات، لا في الكتابة ولا في السينما، لهذا لم أشعر آنذاك بعظمتهن، لأن تقييمي لقيمة الاخر كان مرتبطاً بالورق.
ازدحمت مكتبتي في الصبا بمؤلفات كامو وسارتر وكولن ولسون، فتربيت ذكورياً، وتماهيت مع هؤلاء. بشكل لاشعوري ربما، كنت أحتقر جنسي: المرأة.
كانت كتابات نوال السعداوي جديدة عليّ، شعرت بالنفور من ذلك الخطاب الأحادي، ولم أشعر بالانتماء له، لم أقرأ لغادة السمان، ولا لغيرها من الكاتبات العربيات، حتى الكتّاب العرب، كنت أحس بالغربة أمام كتاباتهم، نرجسية ومراهقة فكرية تبحث عن هويتها وتفردها ربما.
فجأة، وأنا أكبر، وأصطدم بالتابوهات الاجتماعية، اكتشفت أن الآخر ينظر إلي لا كما أرى نفسي، فأنا لست "امرأة" في معاملتي لنفسي وتقديمي لحالي أمام الآخر، لكن الآخر بشحطة قلم، كما نقول للتعبير عن يسر الحالة، يحصرني في خانة"المرأة" فيمارس عليّ احتقاره وإذلاله.
في سيارة السيرفيس في حلب، حاول شاب التحرش بي، ولما نهرته بوصفي كائن مماثل له ولا أقلّ عن الرجال،قال لي بلهجة تهديدية أخافتني : اخرسي أو بضربك أمام الكل.
سكتّ وأنا الضحية، خفت. حينها انتبهت أنني امرأة، وأن جسدي هو هويتي، لا عقلي، في مجتمع الشرق.
تراكمت الحواجز أمامي يوما تلو الآخر لأنني امرأة، حُرمت من كثير من الفرص، لأنني أحمل جسد امرأة، يُعتقد بأنه يحمل أيضاً عقلاً مختلفاً عن عقول الرجال.
وأنا أعاود أدراجي، كما تقول الكليشيهات اللغوية، إلى عالم النساء، وجدتني غريبة بينهم، فللنساء في البيئة التي عشت فيها كذلك قواميس لغوية مختلفة عن عوالم الرجال الذين ربوني، آبائي الكثر، سارتر أبي الروحي، أبي البيولوجي، وخالد، أبي الذهني وغيرهم..
وجدتني غريبة في عالم النساء، الغاويات، المنتصرات على الذكور بالذكاء والحدس وميزات لا أفهمها، ورحت أضطرب وأبحث عن مكاني. حين قال لي أحد الأصدقاء: المرأة الحقيقية، تضاجع عشرات الرجال، دون أن يعرف أحدهم بهذا، أنت امرأة مكشوفة.
كان أصدقائي الرجال، يقيسون أنوثة المرأة بقدرتها على تعذيب الرجل، ولم أكن نموذجاً صالحاً للتعذيب، فأنا مُؤسسة، من خلال قراءتي وتثقيفي لنفسي، على المساواة مع الآخر، واحترامه.
اعتمدت الوضوح في حياتي، فاتُهمت بأنوثتي. أنا امرأة متربية على الشك، على ديكارت ونيتشه والتفكير العقلاني، كيف أكون امرأة تحتفظ بأنوثة تلمح لا تصرّح، تغوي، تعبث ، تقترب ، تبتعد.... الصبايا الأصغر سنا مني، يلقننّي الدروس : حرقصيه، ولا تخليه...
وكنت أفشل في دروس الأنوثة.
بمحاولتي العودة إلى الرجال، اكتشفت أيضاً نفاق الرجل - مع حفظ الاستثناءات- الذي يريد صديقة متحررة، وأخت أو زوجة لا تظهر أمام أحد.
انكفأت، لست رجلاً مزدوج السلوك، ولا امرأة غاوية، أنا كاتبة.
اختبأت داخل السرد ورحت من هناك، أعيد الاعتبار للنساء اللواتي تجاهلتهن في بداياتي، وكتبت.
حسناً، لا أنوي الحديث عن صورة المرأة في رواياتي، ولا عن رواية "بنات البراري" التي كانت بمثابة مانيفستو فني أعلنت فيه أنني أصبحت امرأة، بعد أن تنكرت لجنسي واعتبرت أن الكتابة لا علاقة لها بجنس الكاتب.
لست نسوية كثيراً، ولكنني وأنا أكتب، والكتابة هي أحد أركان هويتي، أنحاز إلى الضحية، الأضعف، وفي هذه المعادلة، بتبين لي دوماً، أن المرأة هي الأضعف غالباً، مع أن من يسحقها ليس دوماً الرجل.
يقول ماركيز أنه وُلد ليروي، وأنا أعتقد أن كل روائي يحمل هذه المقولة في داخله، أنا أيضا وُلدت لأروي، لكنني أنتبه جيداً أنني وُلدت امرأة، وأنني تركت البلاد لأنني امرأة، وأغلب القهر الذي وقع عليّ، لو كنت رجلاً، لحصل لي نصفه على الأقل. أن تكون إحدانا امرأة، يعني ازدواج الوجع ، مرة لأنها إنسان، ومرة لأنها امرأة.
نعم، في هذه السن التي وصلت إليها اليوم، لا أؤمن بجندرة الكتابة، ولكن صوتاً جميلاً يدندن لي وأنا أكتب: صوت جدتي، صوت النساء الراحلات، النساء الباقيات، المعذبات، المعتقلات، الخائفات. نساء يشكّلن كورساً عميقاً في باطني، يدندن لي وأنا أكتب، فأترنح داخل نصوصي، مستندة على كوني مثلهن: امرأة.
الثورة كامرأة: حين وصلت نسائم الربيع إلى سوريا
حين قامت الثورة، ذهبت إليها بتكويني ذاته: كامرأة تدخل الأمكنة الجديدة، وتتحسسها بقرون استشعار داخلية، تمزج بين حدسها البيولوجي، وتاريخها المعرفي المتحصِّل من القراءة والخبرات النظرية. كامرأة تعاطيت مع الثورة.
امرأة تؤمن بدورها ، لا بوصفها موظفة لدى الأحزاب والتجمعات والعقائد الكبرى، بل بدورها التلقائي في الدخول في تفاصيل الآخر: الوجع - الظلم - التمرد - الحرية..
تدخل الثورة عامها الرابع، تزداد يوماً تلو الآخر بالدم والموت والخراب.
امرأة، عفواً ثورة، حلم بها الكثيرون، كصبية عادلة، جميلة، تكنس تاريخ الظلم والتمييز والتيئيس، فتتحول إلى جثة في كل يوم، لتصحو في اليوم التالي، متمسكة بالأمل.
امرأة، عفواً ثورة، تفقد جمالها البراني، تفقد وزنها من الجوع والتجويع، تفقد بريق عينيها من التهم الموجهة لمن يدّعون أنهم أقاربها وأهلها، تضعف دقات قلبها، أمام الاعتقال والاغتصاب والموت...
امرأة، عفواً ثورة، تعرف أنها تسير في ألغام معادية لتطلعاتها، بين رجال يحاولون تحجيبها وتحجيمها وتقديمها، كل منهم، كأنها امرأته الشرعية.
من الجهاد، إلى الأسلمة، إلى عسكرة محددة الأهداف والأجندات، تتناولها الأيدي والشعارات، وتتملص من بين كل تلك الجهات المتكالبة عليها، لتخرج كما هي، من معبر لآخر، من حاجز لآخر، من سجن إيديولوجي لآخر، ترفع رأسها بشمم وتقول: أنا الثورة التي لا تشبهكم.
رجال كثير يدعون حمايتها وتمثيلها وشرعيتها، ونساء يتواطأن مع أولئك الرجال، بينما بنات الثورة الفتية يعانين في الظلمات، وتنتهك شرعيتهن، لكنها الثورة، عفواً المرأة، الأم المدركة لحماقات الأولاد الشرعيين وغير الشرعيين، أولئك الذين اقتحموا بيتها وادّعوا أنهم أبناؤها، ففتحت الباب للجميع، لأنها امرأة ، عفواً ثورة، ترفض التمييز.
نعم، هذا جزؤها العاطفي، الضعيف ربما، الذي يمنعها من إغلاق الباب، في وجه من تقدم، بحسن نية، أو بسوئها، لمساعدتها.
إنها المرأة اليوم، المرأة داخل الثورة، هي البوصلة الدقيقة التي تشير إلى جهة العدل والصواب.
كل ثائر لا يحترم المرأة، لن يستحق مجد الثورة، كل من يحاول أن يزيح المرأة، أن يقمع صوتها، هو ضدهما معاً: المرأة والثورة.
من يختطف النساء، هو ضدهما، من يُبعد النساء عن استحقاقاتهن، ويعيّرهن بفتات العطايا، هو عدو لهما، للمرأة والثورة.
حين لا تكون المرأة بخير، فالثورة ليست بخير. والمجتمع ليس بخير، والرجل ليس بخير.
المرأة هي صمام الأمان في الثورة.
الثورة ليست بخير، إن لم تكن المرأة بخير،المرأة هي معيار الخير.
الثورة ليست بخير طالما سميرة الخليل ورزان زيتونة وغيرهما الكثيرات والكثيرين محتجزات ومحتجزين لدى من يدّعون بنوّتهم للثورة. حيث تم اختطاف السيدتين بتاريخ 10\12\2013 من قِبل مجموعة من المسلحين المجهولين الذين اقتحموا "مبنى مركز توثيق الانتهاكات في سورية", في مدينة دوما-ريف دمشق, واختطفوا السيدتين الناشطتين في المركز مع زميلين معهما هما زائل حمادة ( زوج رزان زيتونة) وناظم الحمادي، ولا يزال مصيرهما مجهولاً حتى اللحظة.
للثورة كذلك، كما في تاريخ النساء، أعداء يرفعون شعارات خارجية، يختبئون خلفها لتحقيق مصالحهم، والثورة، أو المرأة، آخر همهم.
كما في تاريخ الازدواجية الذكورية، لرجال يدافعون عن حقوق النساء حين لا يمتون بصلة بيولوجية أو شرعية لتلك النساء، ويركلون تلك الحقوق في البيوت، ليكونوا أسياد القرار.
كما في قضايا النساء، يبيّض بعض الرجال سجلاتهم السوداء بسائل تنظيف سحري اسمه قضية المرأة، في الثورات أيضاً ثمة من يحاول إخفاء البقع السوداء في أفكاره وسلوكه ونواياه، بمنظّف سحري اسمه الثورة.
المكان الذي لا يؤنّث لا يعول عليه، والثورات التي لا تؤنث، ستتحول فقط إلى معارك وقتل متبادل. الثورة بخير، إذا كانت المرأة داخلها، بخير. الثورة بخير، إذا انحنينا جميعاً أمام النساء، ورفعنا صورة المرأة إلى فوق، كما فعلت باقي الشعوب، حين رفع الفرنسيون مثلاً، وحتى اليوم، صورة "ماريان" كأيقونة راسخة وثابتة، أقوى من صور الزعماء. و"ماريان" التي تجسد الجمهورية الفرنسية، وهي المرأة ذات الطاقية، التي تظهر تماثيلها ولوحاتها في المحافل الفرنسية الرسمية، وكذلك على العلم الفرنسي. وإن كان أصل تسمية ماريان غير معروف، إذ كان اسم ماري-آن شائعاً جداً في القرن الثامن عشر وكان يمثل الشعب، وهي ترمز إلى الحرية وإلى الجمهورية، في ظل الثورة الفرنسية.
وألهمت ماريان الأعمال الفنية ، كما فعل أوجين دولاكروا في لوحته: الحرية تقود الشعب.
الثورة امرأة، حرة، لا تحتاج إلى آباء ولا أوصياء ولا زعماء، تحتاج لأبناء يعملون بحب وإيمان، للتغيير ونصرة النساء خاصة، والإنسان عامة.
الربيع والنساء والثقافة
في العام الفائت، في شهر ايار 2013، شاركت في ندوة ضمن تظاهرة ثقافية أطلقتها فعاليات منظمة القلم اللبنانية بمناسبة تأسيسها، بالتعاون مع منظمة القلم الدولية( بان)، وبدعم من مؤسسة هاي فيستفال وكان محور الندوة يدور حول الثورات العربية والنساء.
ذكرت بأن الحديث عن حقوق المرأة، يبدو نوعاً من الترف في ظل الأوضاع السورية الراهنة، كأنك تحاول إنقاذ رواية في مبنى يحترق بمن فيه.أكدت أنني ضد العمل العسكري في الثورة، وضد صعود التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم، ليقيني أنها ستأخذ القليل الذي حصلت عليه المرأة، نحن لا نستطيع أن نتحدث عن حقوق المرأة إلا في زمن السلم، وقد تجد المرأة نفسها خاسرة في السلم والحرب على حد السواء، شرحت طبقات الاستبداد في المجتمع العربي. بأن( المجتمعات العربية مستبدة في عمقها، وهذا الاستبداد الموجود في بلادنا، هو استبداد مركّب، كأننا أمام طبقات من الاستبداد، حين تزيح الاستبداد السياسي، يأتيك الاستبداد الديني، تزيحه، فيظهر تحته الاستبداد العائلي، دوائر من الاستبداد، متداخلة، يقع أغلبها على المرأة، فهي ضحية جميع طبقات الاستبداد، مثل الرجل، وبالنهاية ضحية استبداد الرجل ذاته، حتى وإن كان في مرحلة ما، ضحية هو بدوره لاستبداد سابق. كأن المرأة تعيش داخل حقل من الأسياج الشائكة، المرأة في المحصلة، هي الخاسر الأكبر، خاسر في السلام، وخاسر في الحرب. الآن ، وضمن مايحدث من ثورات ربما لم يكن خيار المرأة فيها الذهاب إلى السلاح، حيث غالباً النساء ضد السلاح، وهذا موضوع طويل وشائك يتعلق ببحث في أعماق المرأة الميالة إلى السلم وضم العائلة والبيت والألفة والتغيير العقلاني الهادئ ، ولكن ضمن هذه الخيارات ذات الطابع العنفي، لم تستسلم النساء، بل تابعن نضالهن اللاعنفي داخل دوائر من العنف المتداخل، والحديث عن عنف الأطراف، لايعني أبداً الانزلاق إلى المساواة بين الجلاد والضحية، ولكنه يعني إرغام المرأة على خوض معركة ليست معركتها، باعتبارها مواطنة وشريكة،تدخل العمل السياسي أو المدني أو الإغاثي، وتدفع أثمان مضاعفة عن الرجال، فهي دوماً، وفي نظر الأغلبية الساحقة موضوع ومادة، وليست كيان مستقل،فالمرأة في الحروب هي سبيّة الحرب، وفي السلام، هي شرف العائلة، في الحالتين هي موضوع محمّل بقيم المجموع، وليست شخصاً مستقلاً. فالمرأة هي ابنة العائلة وشرفها وعرضها، ثم هي عرض القبيلة وعرض الحارة وعرض البلد...
المرأة المنخرطة في الثورة، لا تبحث حالياً عن حقوقها، هناك طبعاً بعض الجهود الصغيرة، من تجمعات وتكتلات نسائية، تعمل على توثيق ومتابعة وضع المرأة، وتنتقد انتهاكات حقوقها، لكنها تبدو فعلا ًغير واقعية كثيراً أمام القتل الجماعي والمجازر...
المرأة خاسرة، لأنها تضع حقوقها جانباً، لأنها تشترك مع الرجل في ثورة تؤمن أنها ستحقق لها حقوقها كمواطنة، وفكرة المواطنة بحد ذاتها، ينبغي أن تضمن لها حقوقها ومساواتها...ولكن هذا الكلام نظري، لأن تجارب ثورات الجوار، جاءت بأنظمة مستبدة أيضا، ولكن استبداد من نوع آخر، فالاستبداد الديني لا يقل خطورة وقمعاً للمرأة عن الاستبداد السياسي، حيث لم تخرج النساء السوريات في الثورة، من أجل الهيئات الشرعية أو تطبيق عقوبة الجلد مثلاً،بل خرجت من أجل مفاهيم مدنية معاصرة، من أجل العدالة والمساواة...
ثم الاستبداد الاجتماعي، حيث تعاني النساء من سلطات الذكور: الأخ، الزوج، ابن الجيران، ابن العم.، فكل هؤلاء لهم حقوق على المرأة، لأنها حامل العرض والشرف...
مابعد الاستبداد غير موجود،بعد الاستبداد الحالي، هناك استبداد آخر.
وآخر معارك المرأة مع طبقات الاستبداد، هي الرجل الرديف، الموازي، حيث " الفحولة" الشرقية، التي تعيق الرجل الشرقي من الاعتراف بالمرأة كموازية حقيقية. حضور المرأة شكلي في المؤتمرات السياسية والثقافية. في عمق الرجل، المرأة أقل منه، تحتاج إلى وصايته،وهناك نساء متماهيات مع هذا التفكير الذكوري، يقمعن النساء ويؤمن بدونية غير واعية، أن الرجل هو الحامي، يتقربن من الرجال ويتمتهين معهم للحصول على الرضا، والحماية والشعور بالأمان.
ولأن المرأة حامل موضوع الشرف، ولأنه يحق لجميع الرجال التدخل في شؤونها لحماية "العرض"، فما يحدث، أنه حتى المرأة التي ثارت ضد النظام، ما أن تتخلص من سيطرته، حتى تنصدم بالسلطة الدينية والسلطة الذكورية، وهذا ماوقع مثلاً للسيدتين سميرة الخليل ورزان زيتونة، اللتين ناضلتا ضد النظام والاستبداد السياسي، ليصبحن من أوائل ضحايا الثورة الذكورية – الدينية، التي تماهت مع النظام، وخنقت حرية الصبيتين، واعتقلتهما.

Women’s revolutions in the shadow of the Arab Spring: Has the time come?


I came into this world a woman: Before the Syrian revolution
I don’t deny that I sometimes forget I’m a woman, busy as I am with writing, life and fretting daily over my country, caught between the millstones of death. For a long while after I began writing I ignored the fact I was a woman. The male-oriented education I had received alienated me from my gender and I felt inferior for being a female, while the female role models on the literary and media scene did not appeal to me: they weren’t my dream.
My dreams were masculine. I identified with men; I was one of them: Sartre, Nietzsche and Hegel, then Kafka and Proudhon and finally, in the period before my feminist awakening, Dostoevsky, Kundera and many other names besides—all men. In my private life I met many great women, but none were stars on the page or screen and so, back then, I had no sense of their greatness because my evaluations of others were linked to what they had written.
As a child, my library was crammed with works by Camus, Sartre and Colin Wilson; I grew up a male and it was with them that I identified. Perhaps unconsciously I loathed what I was: a woman.
Nawal Saadawi’s writing was new to me. This monologic discourse repelled me and I did not relate to it. I did not read Ghada Al Samman or any of the other Arab women authors, even the men whose writings left me cold with their narcissism and intellectual immaturity in search of an identity—of a uniqueness, perhaps…
Growing up I was suddenly confronted by social taboos. Others, I discovered, did not see me as I saw myself. I did not treat myself, or present myself to other people, as a woman, but these others, with the stroke of a pen (it seems a fitting idiom to use), would condemn me in the box marked “woman” and unleash their contempt and disrespect.
In a minibus taxi in Aleppo, a young man tried to molest me and when I told him off—as a creature who was his equal, not inferior to men—he said, in a threatening tone that frightened me: “Shut it or I’ll beat you in front of everybody.”
I shut up, a victim, and took fright. At that moment, I realized that I was a woman and that my body, not my mind, was my identity in the societies of the East. Day after day, the barriers rose higher before me, and all because I was a woman. I was denied many opportunities because I had a woman’s body, a body, it was believed, that contained a mind different to those of men.
Retracing my steps (another cliché) back to the world of women I found myself a stranger amongst them. For in the environment where I lived women are dictionaries unto themselves, quite different to the worlds of the men that raised me: my fathers. I had many fathers: Sartre, my spiritual father; my biological father; Khaled, my intellectual father; and more...
I found myself a stranger in the world of women: temptresses, men’s conquerors through guile and intuition and a host of other qualities I did not understand. Flustered, I set out to find a place for myself, and a (male) friend told me: A real woman sleeps with dozens of men, without any of them finding out. You’re too transparent. My men friends assessed a woman’s femininity by her ability to torment men and I was far from the ideal tormentor: through reading and educating myself I believed in equality with others and in respecting them. Clarity was my motto in life, and I ended up being charged with a lack of femininity. Me, a woman raised on scepticism, on Descartes, Nietzsche and rational thought—how could I be a woman that held fast to a femininity that hinted but never spoke its mind, that flirted and toyed, came close, backed off...? Boys younger than me taught me the lessons: Make him dance, but keep him on the string… And I would fail.
Attempting to make my way back to men I discovered their hypocrisy, too; hypocrisy that—with a few exceptions—sought out a liberated female companion, a sister or a wife, who would appear before no one else.
I threw up my hands. I am no double-dealing man, no dissembling woman. I am a writer. I took refuge in narrative and there began to reassess those women I had previously ignored. And I wrote.
Now, I have no intention of discussing the portrayal of women in my novels, nor of talking about Daughters of the Wilderness, the novel that was like my artistic manifesto in which I announced that I had become a woman, where once I had turned away from my sex in the belief that writing has nothing to do with a writer’s gender.
I’m not much of a feminist, but when I write—writing being one of the cornerstones of my identity—I take the side of the victim, of the weaker party, and it is always clear to me in this respect that, by and large, the woman is the weaker party though it is not always man who grinds her down.
Marquez said that he was born to tell stories and I believe that every novelist holds this truth within them. I, too, was born to tell stories, but note well: I was born a woman, and I left my country because I am a woman, and had I been man I would have borne at most half the hardship I have seen as a woman. To be a woman means doubled pain: once as a human being and once again as a woman.
At the age I am now, I do not believe in writing being gendered, but as I write a beautiful voice rings out: the voice of my grandmother, of the women who have passed away, of those who remain, tortured, detained, afraid; a choir deep within me who sing out as I write and, reeling through my texts, hold myself steady with the fact that I, like them, am a woman.
The revolution as a woman: When the spring breeze reached Syria
When the revolution in Syria began, I went there in the same capacity: as a woman broaching new spaces and feeling them out with her interior antenna… a blend of biological instinct and knowledge acquired from a lifetime of reading and theoretical experience.
I engaged with the revolution as a woman. A woman who believed in her role, not as a functionary within the systems of political parties, associations or the major faiths, but spontaneously entering into the warp and weft of others’ experience: of pain, injustice, rebellion, liberty…
The revolution moves into its fourth year, and day-by-day the tide of blood and death and destruction rises.
A woman… sorry: I mean a revolution—one many dreamed of: a fair-minded, beautiful girl sweeping away a history of injustice, discrimination and enforced despair, rendered each day into a corpse to arise the next, hope clutched in her hand.
A woman… sorry: I mean a revolution—one that knows it must walk through a minefield laid against its dearest hopes, through a crowd of men each one trying to veil it, conceal it, guide it, as though it were his lawful, wedded wife.
Jihad, Islamization, militarization, all with their carefully defined goals and agendas. The revolution is passed from hand to hand, from slogan to slogan; it slips and slides through and past these warring camps and emerges untouched, leaping from crossing to crossing, from barrier to barrier, from one ideological prison to another, head held high and on its lips: I am the revolution; I am not like you.
Many men claim to be its protector, to represent it and uphold its legitimacy and are aided and abetted in this by women, while the revolution’s daughters suffer and are violated. But the revolution… sorry, the woman, who knows and understands the idiocies of her children, legitimate and illegitimate alike—the ones who batter on her door and cry that they are hers—she opens the door to all, for woman… sorry, revolution, rejects discrimination.
This is her emotional side, her weakness perhaps, which prevents her from shutting the door against those that come, meaning well, or ill, to help her. Today, she is woman, woman within revolution: this is the precise formulation, the formulation that conveys her justice and righteousness.
Any revolutionary that does not respect woman is not deserving of the revolution’s glory. Anyone who tries to remove woman or shut out her voice, is against them both, woman and revolution together.
Whoever abducts women is against them both; whoever hinders women from obtaining what is theirs by right, who throws them crumbs from the table to make up for their loss, is an enemy to both woman and revolution.
When woman is in trouble, the revolution is in trouble, society is in trouble, man is in trouble. Woman is the revolution’s rock. The revolution is in trouble if woman is in trouble: woman is the touchstone.
The revolution is in trouble while Samira Khalil, Razan Zeitouneh and many other women and men are locked up by those who claim that they are the revolution’s children. The two women were abducted on December 10, 2013 by an anonymous group of armed men who raided the Violations Documentations Centre in the Damascus satellite city of Douma. They snatched the two activists along with two of their male colleagues—Wael Zeitouneh (Razan’s husband) and Nazim Hamadi—whose fates are still unknown to this day.
This is what revolution is, like the history of women: enemies raise alien slogans, hiding behind them to achieve their goals, while the revolution, or woman, remains the least of their concerns.
The same is true throughout the schizophrenic history of men: men who defend the rights of women to whom they have no biological or legal ties, batter these same rights about their own homes to assert the fact that they are in charge.
Some men whitewash their own black records with a magic cleaning fluid called “women’s issues”. And so in the revolution we also find those who try to conceal the dark stains that mar their thoughts, behaviour and intentions, with the occult bleach called revolution.
That which cannot be feminized cannot be relied upon. Revolutions that cannot be feminized can only become battlefields and mutual slaughter. Revolution fares well if the woman within it fares well. The revolution fares well when we all bow our heads before women and hold their image aloft, as other nations have done. The French, for instance, still raise Marianne aloft, unwavering, more powerful than the portraits of their leaders. Marianne, embodiment of the French republic, the bonneted woman whose statues and paintings feature during state celebrations, who stands on equal footing with the flag. Though the choice of name remains a mystery, Marie-Anne was a very popular first-name in the seventeenth century and often used as shorthand for “the people”. Under the revolution, Marianne came to symbolize liberty and the republic. She became the inspiration for a number of artworks, such as Eugene Delacroix’s Liberty Leading the People.
The revolution is a woman. Free, she has no need for fathers, guides or leaders. She needs children, working with love and faith for change and to champion women (in particular) and mankind.
The spring, women and culture
Last year, in May 2013, I participated in a forum that was part of a cultural demonstration, itself one the events put on to mark the founding of PEN in Lebanon, a series of celebrations organized in cooperation with PEN International and with the support of the Hay Festival. The discussion at the forum revolved around the Arab revolutions and women.
What was said about women’s rights seems almost self-indulgent now in light of current events in Syria: like trying to save a book from a building that’s burning down around the ears of its inhabitants. I emphasized that I was against the militarization of the revolution and against Islamist groups coming to power because I was sure they would repeal what little gains women had made. I said it is only possible to talk of women’s rights in times of peace, that women themselves might find themselves the losers in both war and peace. I laid out the levels of despotism in Arab society, saying that Arab societies are deeply despotic and this despotism in our countries is complex, like sedimentary layers. If you peel back political despotism you encounter religious despotism. Remove that and familial despotism lies exposed. Wheels within wheels, most of them borne by woman who, like man, is the victim of every one of these layers but in the end is the victim of man’s despotism, too—no matter that he himself might have been victim of an earlier phase of oppression. It is as thought woman dwells in a field of barbed wire fences. Ultimately, woman is the greatest loser, loser in peace and war alike. Now, as revolutions take place around them, revolutions in which they do not have the option to take up arms (principally because most women are against it, though this is a deep and thorny issue related to research into women’s instinctively peaceful tendencies and to their predilection for family, home life, familiarity and the processes of non-confrontational, rational change), women do not surrender but pursue their non-violent struggle within the interlocking circles of violence.
A discussion about violence carried out by all parties does not for one second mean we are equating perpetrator and victim, but it does entail forcing women to enter a fight that is not her fight in her capacity as a citizen and equal partner who enters politics, civil society or aid work and pays, in the process, double the price paid by men. In the end, in the view of the overwhelming majority, she is object and symbol, never an independent entity. In wartime, she is a hostage, in peacetime she is the family honour: in both she is a symbol laden with generalized values and never a person unto herself. Women is the daughter, the honour and the shame, first of the family, then of the tribe, then of the neighbourhood, then of the country.
Women caught up in the revolution are not immediately concerned with their rights. Of course, a few small efforts being made by the women’s collectives and associations that work to document and monitor the situation of women in Syria and the violations of their rights, but given the mass killings and massacres such efforts seem unrealistic.
Woman is the loser because she sets her rights aside, because she joins with men in a revolution, which she believes will secure her rights as a citizen and the concept of citizenship itself; which will, necessarily, guarantee her these rights and equal standing. But all that is just theory, because the reality is that revolutions in neighbouring countries have ushered in dictatorial regimes, dictatorial regimes of a different stamp—but religious dictatorship is no less dangerous and abusive to women than political dictatorship. Syrian women did not take to the streets in support of Sharia councils or the implementation of Islamic punishments—they took to the streets for the sake of contemporary, civil concepts: for justice and equality.
Then there is social tyranny, where women suffer male authoritarianism: the dictates of brother, husband, neighbour’s son or cousin. All these men have rights over woman, because she carries their honour and their shame. There is no post-oppression: after today’s tyranny there is always another to come.
The deepest layer of the tyranny that women must battle with is that of the reactionary man, the shadow man inside every Eastern male that prevents him admitting woman as his equal. Women’s attendance at political and cultural conferences is tokenistic. Deep down all men think woman is less than him, that she needs his advice, and there are women that identify with this male mind-set, who oppress women and subscribe, with subconscious inferiority, to the idea of man as protector, who huddle round men and reap the benefits: contentment, protection, a sense of security.
Because woman is responsible for honour, and because all men have the right to intervene in her affairs to protect this honour, what happens is that even those women who have risen up against the regime—once the regime’s power has been broken—collide with religious and patriarchal authority. This is what happened to Samira Khalil and Razan Zeitouneh, who fought against the regime and political despotism, only to become some of the first victims of the religious-patriarchal revolution that, indistinguishable from the regime, stifled their freedom and locked them away.

mercredi 12 mars 2014

الكتابة كنهر يطل على النيل

العدد 658 - 2013/9 - آداب - مها حسن http://www.alarabimag.com/Article.asp?ART=12368&ID=298

إذا كانت الحياة في مكان آخر، فيجب أن تكون في القاهرة، حيث روح الكتابة في القاهرة، يشبه الانبعاث. كما لو أن تلك الحرارة العالية والغبار، يحملان ذرّات روحية لآباء الإبداع الفرعوني، ذرّات متناثرة في الغبار وأشعة الشمس، ما إن يمسّ جلدك، حتى تتفتح خلاياك الروحية، وتستسلم للكتابة.
تأخّر ذهابي إلى مصر طويلًا، أنا التي تأسستْ أحلامي ومخيلتي وعواطفي في المراهقة، وتغذّتْ، من السينما المصرية والأغاني المصرية.
خالي، أو بوصف أدقّ ، خال أمي، والذي أدعوه بـ«خالي»، وأنا التي لا أذكر شكله، بل أحاول تخيّل ملامحه، من الصور التي تحتفظ بها أمي، وتتحدث عنه بـ«نوستالجيا» كبيرة، وهي تروي لي اهتمامه بي حين كنت في «اللفّة»، وقد ورّثني شكل عينيه، حسب رواية أمي. خالي الذي غادر البلاد باكرًا، متشردًا، تائهًا، عرفت العائلة، في وقت لاحق، وهي تحاول تتبّع أثره، أن آخر جهاته، كانت مصر. لا أحد يعرف عنه شيئًا، فيما لو كان تزوج أو أنجب أو مات عازبًا، أو لايزال على قيد الحياة.
حلمت بمصر كثيرًا، وانتابني الارتباك كلما التقيت بمثقف مصري يسألني مندهشًا وكأنه يلومني «لسه مارحتيش مصر!». حلمت بمدينة نجيب محفوظ، والأحياء التي كتب منها وفيها، حلمت بالفيشاوي، بمقاهي القاهرة، وكان أصحابي السوريون يصفونها لي وصفًا سحريًا من منطلق ثقافي: الكاتب الفلاني الكبير، يخرج من بيته، يسلّم على صبي المقهى، والصبي يرفع صوته بالسلام: صباح الفل يا أستاذنا. الروائي المصري معروف لدى صبية القهوة، وليس متعاليًا، يجلس في مقاهٍ تابعة لفنادق الخمس نجوم، يشرب الماء في كؤوس معقّمة.
الصور التي امتزجت في مخيلتي، بين أفلام يوسف شاهين المتمردة، وأفلام الأبيض والأسود الرومانسية، وحكايات الأصدقاء عن وصف المثقفين المصريين، والصور التي شاهدتها على الإنترنت، لكاتبات مصريات صديقات، يجلسن في المقاهي، ويدخنّ «الأرجيلة» بتساوٍ يصيبني بالشغف، بين المرأة الكاتبة والرجل الكاتب، وصور أخرى، امتزجت كلها في مخيلتي، وخلقت هاجسًا روائيًا إضافيًا، هو خالي الضائع في مصر.
تشوّقت دومًا لرؤية هذا البلد، وكان حلمي بالذهاب إليه، جزء من الأحلام القلقة، أن أموت قبل أن أرى مصر.
وتحقق حلمي بغتة. تحقق في ظرف ضيق. كان عليّ أن أقرر السفر في ليلة واحدة، ودخلت في كآبة القلق، كلبتي التي أعتبرها جزءًا من دائرتي المقربة جدًا، بل الكائن الأقرب لي، والتي تواجدت معي في أوقات شدتي، حيث فقدت والدي وأنا في المنفى، ودون أحد على الإطلاق، كانت وحدها من ينظر إلي بتعاطف وأنا أبكي الفقدان المدمّر. حسنًا، كوارتز مريضة، ماذا لو ماتت في غيابي؟
الحيرة بين ذهابي الأناني لتحقيق حلمي الذي تأخّر، وبقائي العاطفي مع كلبتي المريضة. حسمتها بأنانية لمصلحة الحلم، وذهبت. ذهبت إلى القاهرة... بلد المخيّلة.
الكتابة كنهر.. أطلّ على النيل
في شرفة الطابق الثالث عشر، رحت أطلّ على النيل، وفي لحظة شعورية مكثّفة جدًا، تشبه ما تحدث عنه كولن ولسون واصفًا رغوة الصابون، حيث تتركّز كل أحاسيسنا، وتتجمّع فقط في هذه الصورة، صورة رغوة الصابون لدى ولسون، ولحظة إطلالي على النيل، ما يشبه قليلًا ربما حركة التلويح باليد في رواية كونديرا... تكثيف كلّي للجسد والروح والمخيلة والذاكرة، احتشد في فكرة «أطلّ على النيل». هبت عليّ نسائم الطقس الساخن، روائح الذرة المشوية للباعة المنتشرين على ضفّة النهر العظيم، اخترق الضجيج روحي، كأنني في فيلم، ولكنه لم يكن فيلمي القديم الذي صنعته في مخيلتي مركّبًا من مقتطفات السينما، بل كان فيلمًا مستقلًا، لم أتدخل في صناعته، المراكب الكثيرة، بأحجام متنوعة تسير على واجهة النهر أمامي، أغانٍ لم أسمعها من قبل، وأخرى أعرفها، تصدح من المراكب مختلطة بزعيق يأتي من جهات عديدة، من ركاب المراكب، من الشارع، الزمامير.... كل هذا الخليط الصوتي والبصري، تكثف في لحظة «أطلّ على النيل» فبكيت.
في الليلة الأولى لوصولي إلى القاهرة، خرجت مع الأصحاب، لتناول العشاء في مطعم يجاور النيل، يلتصق به، و كأننا داخل النيل.
لم أكن قد خرجت بعد من ذاكرة المكان، قادمة من باريس، أنظر إلى الأضواء الساقطة داخل النهر، فتختلط عليّ الصورة، بين أنني أمام السين أو النيل.
يذهب الليل بخصوصية النهر، أنا على ضفة النيل، ولكنني أحاول أن أتذكر هذه المعلومة، حيث أعتقد أنني على ضفة نهر السين.
مع أنني لم أولد من الماء، وربما لأنني لم أولد من الماء، كنت مهووسة بالمقارنات النهرية، في أمستردام، أغرمت بنهر أمستل، وفي باريس، كتبت طويلًا أمام نهر السين، وبكيت على جسر ميرابو، حيث كتبت أولى رواياتي، منذ عشرين سنة تقريبًا، مفتتحة المقطع الأول بقصيدة أبولينير ، التي غناها ليو فيري: على جسر ميرابو يجري نهر السين، لا الزمن يعود ولا الأحبة يرجعــــون. ارتجفت أمام النيل الليليّ. في الصباح هو شخصية مستقلة، واضحة، له ملامحه، ملامح نهر عربي، في مدينة عربية.
بعد الفرات، هذا أول نهر عربي أراه، ولم يمسني فقط لهذا السبب، بل لأنه اختلط في ذاكرتي بالفراعنة وقدرتهم على الخلود، وتجاوز الموت.
في المدرسة الإعدادية درست في مدينة حلب، في مدرسة «النيل للبنات»، في شارع سكنت فيه، اسمه «شارع النيل»، لم أفهم حــتى اليــــوم، لماذا يُسمى شارع في حلب، باسم النيل؟ إن لم يكن لأسباب فرعونية غامضة فانـــــتازيّة تــــتعــــلق بأننــــــي سأولد في هذا الحي، وأدرس فيه، وأحلم بالنيل؟
الكتابة تتدفق... أتدفق كنهر وأنا أكتب، مع أنني أخاف من السباحة، ولا أتقنها. في عمق البحر الأطلسي، نزلت الماء، فشدني بقوة مباغتة، ولم أفهم قانون الدفاع عن جسدي لأطفو أو أتصرف بتقنية السباحين مع التيار، صرخت، وهربت، وتوقفت علاقتي بالسباحة والغوص في النهر. ولكنني أسبح في الكتابة، بتقنية النهر، أكتب متدفقة، تهبط أفكاري من مخيلتي، وتسيل على أصابعي، من دون توقف، كأنها مخزّنة هناك، فقط، أزيح الحصوة أو الحجرة، حجرة الكسل مثلًا، أو المزاج العكِر، فتأتي الكتابة، بسلاسة الماء.
المقهى الثقافي
في الصباح، أول ما اقترحه علي صديق شاعر يعرف شغفي بالمقهى القاهريّ، وأجواء محفوظ، أن نذهب إلى المقهى. قبل الفطور، انطلقنا إلى ذلك المقهى.
محامون بحقائب المهنة، بربطات عنق أنيقة، كتّاب كبار بالسن، كتّاب شباب، مهنيون، عمّال... كائنات من كل صوب وحدب، كما يقال، جاءت إلى المقهى. رجال ونساء أيضًا.
كما لو أنني ألتحم بمشهد تلفزيوني لمسلسل من تأليف محمد فاضل، أو لنص مأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، كأنني في مسلسل «خان الخليلي» الذي داعب مراهقتي، وبحثت عنه طويلًا في «اليوتيوب» ولم أجده، لليلى حمادة وصلاح ذوالفقار، كأنني جزء من مقطع مرئي، شعرت وأنا في المقهى، بين المصريين، أتحدث بلكنتهم التي نجيدها جميعنا تقريبًا في العالم العربي، الذي غزتنا فيه الدراما المصرية، هذا الغزو المحبب الذي أبكانا ونحن مراهقون، ولايزال هذا الغزو العاطفي يُبكي أمهاتنا وعمّاتنا وخالاتنا أمام «شجرة اللبلاب» و«اللقيطة»، ورومانسيات الدراما القديمة والمستمرة.
في المقهى الشارعي، حيث تصطف الكراسي والأراجيل على جانبيه، ويقطعه المارة، عبورًا بين الزبائن، تعرفت على شخصيات ثقافية، من «إحداثيات» المشهد الثقافي. التقيت بمكاوي سعيد، برءوف مسعد المقيم في أمستردام، والذي جاء في زيارة في نفس فترة زيارتي، وعلى المفاجأة الأدبية، جميل عطية إبراهيم، الذي راح يمتحن معرفتي بالكتاب المصريين. رحت أعدّد له أسماء أصدقائي وصديقاتي فنجحت في الامتحان حين قال لي: «أنت تعرفين الكل إذن!».
حين قلت لصديقي الناقد والصحافي إيهاب الملاح، إنني في «زهرة البستان» فوجئ ضاحكًا، أنني إذ وصلت إلى هذا المقهى، فقد دخلت قلب القاهرة إذن... نحن في وسط البلد.
الفندق الآخر الذي انتقلت إليه، القريب من تمثال طلعت حرب، لن يضيّعني، سيكون هذا التمثال دومًا، علامة فارقة، أحدّد منها الجهات، صوب الفندق، صوب المقاهي: زهرة البستان، ريش، الغريون، استوريل، جروبّي، التكعيبة ... حيث نحدد مواعيد اللقاء مع الأصحاب الكتّاب المصريين أو العرب الموجودين في القاهرة... مقاهٍ تتفاوت ما بين بذخ يميل إلى «البرجزة»، ودفء شعبي يميل للبساطة... تشعرني، أنا الروائية الشغوفة بكل هذه الاختلاطات، بجمالية المكان في القاهرة، كيفما كان.
المقهى الشعبي المتواضع في القاهرة، على رصيف مليء بالغبار والذباب والمارة والمتسولين، يكاد لا يقل أهمية عن «المقهى الثقافي» القادم من الغرب،الديمقراطية في الحوار، الاسترخاء دون تشنج المحاورين العرب عادة، اللطف وقبول الآخر، والأهم من كل ذلك، الظاهرة الثقافية المصرية خاصة، والتي نعاني غيابها في سورية ولبنان، ولا أعرف عن بقية البلدان، غياب فكرة صراع الأجيال. المثقف المصري الكبير بالسن، يتعامل بمحبة وموازاة واعتراف بالمثقف الأصغر سنًّا، بل وبرعاية أحيانًا، مفسحًا له الطريق. حالة «الأبوية» بمفهومها الوصائي أو الاستعلائي لم أرها لدى المصريين، وإن وجدت، فهي تحمل مفهوم الرعاية والعناية. المثقف «الأب» في مصر، هو صديق الابن، وليس أهم وأعلى، وتحتاج إلى بروتوكولات للوصول إليه، فهو متاح، وعلى القهوة، لا في فنادق وخلف أبواب موصدة، كالزعماء والشخصيات الصعبة المنال.
الإبداع والحرارة
في مصر، طبّقت الصفحة التخييلية عن مصر، فوق الصفحة الواقعية، فازدهرت إقامتي، والتصق ماضيي المحلوم به، وأفلام السينما، وأغاني عبدالحليم ونجاة، وصور مجلة الموعد عن الممثلات، بالحاضر، ووجدت أن الحياة تتكثف هنا، وأجمل ما فيـــها هو هنا.
الحسين، المقاهي، أحياء نجيب محفوظ، الباعة الذين يعرضون منتجات مصر الخاصة، عين حورس المتكررة على الميداليات والأساور والعقود، كانت تشدني لأقتني الكثير من العيون، متذكرة تراث أمي بالتنقيب عن الخرزات الزرقاء، تدسّها في ملابسنا، لتحفظنا من شرّ العيون الحاسدة، أحببت عين حورس الزرقاء، وحاولت صناعة أسطورة جديدة، تخلط حكاية أمي بحكاية مصر... أجاء خالي متلهّفًا خلف هذه الخلطة؟ الحرارة والغبار وأرواح الفراعنة، وصفة خاصة لإبداع ساخن، أنا ابنة المنفى البارد، بين باريس وأمستردام وقليل من بروكسل وبرلين وفرانكفورت....
الإبداع، مرتبط بالانفتاح للشمس والغبار، لا للنقاء والترتيب الصارم، المريح للجسد، الحابس للروح. إذا كانت الحياة في مكان آخر، حسب عنوان رواية كونديرا، فيجب أن تكون للكاتب في مصر، حيث الدفء يساعد على الكتابة، وحيث برد المنفى الأوربي، يخلق كآبة ورتابة، ويُخشى من إحباط العزلة.
في مصر الدافئة، الحارة، لا يمكن للمثقف ممارسة العزلة، فالشارع والمقهى والعالم كله يقتحم حياة أحدنا. ربما تكون أفضل كتاباتي في نظري، هي ما دوّنته في منفاي الباريسي، لكنني لاأزال مؤمنة، أنني لم أكتب ما أحلم به، وربما ما أحلم بكتابته، لن أكتبه إلا في مصر. هناك حيث أحسستني جنية فرعونية سمراء هاربة من أرض ما، ومتنقّلة بين شوارع القاهرة مع سائق مجنون، كان يغني لي طيلة الطريق، وهو يعرّفني على شوارع المدينة القديمة، نمرّ على الأحياء الفقيرة، أتفرج بدهشة على الشوارع والبيوت وعربات الباعة المتجولين، وكأنني من نافذة السيارة، أرى العالم الحقيقي. لم يكن لدي وقت للمشي طويلًا في تلك الشوارع، كان عليّ العودة سريعًا إلى بلاد البرد.
في مصر، شربت من نيلها، ودخلت الرواية المصرية، ومشيت في شوارع المسلسل المحبب الذي كنت أنتظره بلهفة، مع صحن البزر. ثم عدت إلى باريس.
بين فرحتي باكتشاف جذوري الفرعونية الميتافيزيقة، واختلاط أنفاسي بأنفاس خالي التائه هناك، وشعوري بالذنب نحو كلبتي، التي لم تنتظر عودتي، فماتت قبل وصولي إلى باريس، أترنّح باحثة عن كتابة جديدة، كتابة دافئة، تستمد إبداعها من شمس، وأساطيره هناك، شمس الذي يقهر برد الروح، ورتابة الغرب الأنيق، المرتب بدقة، والخالي من المفاجآت.
--------------------------------------------
* كاتبة سورية مقيمة في باريس.

vendredi 7 mars 2014

النساء السيئات

النساء السيئات
مها حسن

حين كنت أتحدث في حلب، قبل عشر سنوات على الأقل، عن جرائم الشرف، كانت السيدات البورجوازيات المحيطات بي، بسبب طبيعة عملي، يتعالين بأنوفهن بقرف واشمئزاز، ويقلن لي: هذه حالات قليلة تحدث في المجتمع المتخلف الريفي والبدوي. وحين حملت هاجسي إلى فرنسا، وكتبت عن الموضوع ذاته، وأدرجته في قائمة أولوياتي، رحت أحاضر بين الطلاب الفرنسيين، ككاتبة أجنبية، في مناسبات تتعلق بالمرأة خاصة، عن الفوارق بين حريات المرأة في الغرب والأخرى في الشرق، نهرتني إحدى الإعلاميات من أصل عربي: تتحدثين عن قلّة في مجتمعاتنا وتشوّهين صورة المجتمع، نحن مو هيك؟

ينتابني ما يشبه الصدمة وانزياح الواقع، حين أرى سيدات أنيقات، يتمتعن بالكثير من الحريات السطحية: التنقل، العمل، التبرّج.. يمثّلن قضايا القهر لدى المرأة الغائبة. كيف تتحدث امرأة تحتقر في أعماقها صورة المرأة التي تتحدث عن مشاكلها، فتمثلها، وهي رافضة في العمق فكرة التساوي معها، بل تنظر إليها باستعلاء؟

كأن حقوق المرأة ومساواتها انزاحت من موقعها لتغيير وضع النساء المقهورات، لتتحول إلى كليشيه تتمتع بمزاياها نساء ـ مقهورات دائماً، لكنهن قاهرات بنفس الوقت لنساء في مراتب اجتماعية أقل منهن.

الفرق شاسع، بين المرأة التي تعاني، وتلك التي تنقل معاناتها. الأولى تدفع حياتها مقابل لحظة حرية أو تحقيق لذاتها، والثانية تحصل على استحقاقات نقل وجع الأولى.

من هنا يمكن الحديث عن مفهوم الاستغراق، للفصل بين الحقيقي والمزيف، بين نساء موجوعات فعلاً من مصير المرأة وتدهور وضعها، وبين أخريات، لا تشكل المسألة بالنسبة لهن أكثر من ظهور إعلامي، ومجد شخصي.

من قال بأن النساء كلهن نبيلات ويعملن لمصلحة المرأة؟

من قال بأن المرأة ليست أكبر عدو للمرأة؟

لننظر إلى النماذج النسائية المندمجة في الحكومات الديكتاتورية، وهي تنحاز للطاغية، وتشرعن استبداده.

نساء سيئات أيضاً، يتواجدن بالكمية ذاتها، أو أكثر، في طريق النضال ضد اضطهاد المرأة، منهن يعلنَّ كراهيتهن للمرأة، المنضوية على إحساس بالدونية، وتفوقهن الشخصي على بنات جنسهن، ومنهن من يُخفين دونيتهن، فيبرعن في تلميع صورتهن الشخصية، المسيئة للمرأة.
الأمثلة كثيرة عن النساء السيئات، هؤلاء اللواتي لا يقل ضررهن بقضايا النساء عن الذكور القامعين للمرأة.
المرأة التي تظهر في الإعلام كامرأة جميلة حائزة على جميع مواصفات النجاح التي يروّج لها صانعو الفقاعات: الجمال ـ الأناقة ـ مهارة الحديث، والصدمة.
الصدمة بشقّها الرديء، حيث تخرج المرأة المقصودة عن سياق أخلاقي، إنساني، يركّز على حقوق الإنسان عامة، والمرأة خاصة، وبخصوصية أكثر في مجتمعات شرقية تطحن المرأة ليل نهار، لتتحدث، المرأة الصادمة، عن تمييزها الطبقي والثقافي والمهني، في تقييمها للآخر، فتفصّل الحق وتمنحه وفقاً للطبقة والبيئة، لا للإنسان بوصفه إنساناً.
هل أتحدث بلغة الألغاز؟ ألم يسمع أغلبنا، عن كاتبات، باحثات، إعلاميات، ينظرن باحتقار، ويتحدثن بنرجسية عن حقوق لا يستحقها الآخر المتخلّف، الجاهل؟

أمراض فكرية

يكاد التعاطي مع ملف النساء، لا يختلف عن كثير من أمراضنا الفكرية الرائجة، التي لم تكن ظاهرة بشكل فاقع، إلا أنها موجودة بيننا. ذلك الهمس الذي يدور في الجلسات الخاصة في تقييم البشر وفق انتماءاتهم الطائفية أو الإثنية. لا يختلف، الهمس ذاته، المريض، عن وصف امرأة ما، ناجحة، بأنها «عاهرة»، أو باحتقار كل من يحقق إنجازاً ما، وتقديمه على أنه دفع مقابل أخلاقي لقاء نجاحه. هذا التشكيك في المقابل المفترض، يطلق على النساء غالباً، ومن نساء.
تشعر النساء بالغيرة من نجاح نساء رديفات لهن، وتحاربهن، ولكنهن لا يشعرن بنفس الغيرة من الرجل، بل يبررن نجاحه ويدافعن عنه، لأنه صورة الأب النبيلة الخالية من العيوب، ولأن الأم في العمق، محجوزة لأماكن ثابتة: الحنان ـ الدفء ـ العائلة...
حين تنشقّ بعض النساء عن هذا الدور التقليدي للمرأة «الأم ـ الزوجة ـ العشيقة ..»، فإنهن يحرصن على أن يتميزن وينفردن بهذا الانشقاق، في عالم الرجال، على طريقة «شوفوني» التي كشفها السوريون الساخرون من النجوم المارقين، المتعطشين للظهور، وهنا، فالمرأة الخارجة عن النمط المرسوم لها، وهو أمر يحسب لها من دون شك، ويستحق التقدير، إلا أن ما لا يجب السكوت عنه، هو نرجسية الانفراد بسبق الموقف المخالف للمجتمع، بحيث تتحول هذه المرأة إلى نموذج فرداني، يحقق إنجازات شخصية، تتعلق بسياق ذاتي، من دون أن يضيء في نفس الوقت، على النساء الأخريات العالقات في الظل.
الترويج مثلاً، بأن المرأة إن أرادت الثورة على حياتها، لفعلت، إلا أنها هي التي ترغب بتمثيل دور الضحية، هو استلاب لإرادة المرأة، التي تحول العادات الاجتماعية من ناحية، والجهل بالحقوق من ناحية ثانية، والخوف من العقاب والعنف من ناحية ثالثة، والقلق من النبذ الاجتماعي والوحدة في مواجهة المصير من ناحية إضافية، وتفاصيل كثيرة ومخاوف تقف في وجه المرأة لتحول بينها وبين صرخة التمرد، لا يمكن ردها جميعاً وحبسها ضمن قالب: عدم إرادة المرأة بالتغيير.
لننظر من طرف آخر، إلى النساء الواصلات، اللواتي يستطعن الكتابة، والظهور في الإعلام، هنا يمكننا محاكمة إرادة المرأة السلبية، بعدم التغيير.
النساء السيئات موجودات بكثرة إذن، ومن إحدى أشكال الدفاع عن المرأة، تعرية هذه النماذج، التي تستخدم كليشيه المرأة، ليصعدن عليه لمتابعة قهر المرأة.
النساء السيئات موجودات، وعلينا فقط التنبّه لوجودهن، اللواتي يُقصين غيرهن من النساء، فقط لأنهن نساء. اللواتي يصادرن حق غيرهن من النساء بالظهور إلى جانبهن، لأن الصورة لا تتسع إلا لواحدة. اللواتي يستبعدن النساء وهن يدافعن عن قضايا النساء. يُزحن نساء متواجدات لينفردن بتمثيل نساء غائبات، فعن أي نساء يدافعن!
النساء السيئات موجودات، إلى جانب النساء الجيدات، ومن الضروري الانتباه إلى ميزان الحكم على الجودة أو السوء، لا من منظور أخلاقي تقليدي يربط هذين المفهوم، أو المفهوم ذاته، وعكسه، بالربط المادي، الفيزيائي بالمرأة، بل بأخلاقية تخدم تطور المرأة. بحيث نستطيع أن نحلل مواقف النساء، والرجال طبعاً، إلا أن الحديث هنا مقصور على النساء، فإذا كانت تصب في مصلحة إلقاء الضوء على معاناة النساء، وإذا كانت تحرّك فعلاً لدى المتلقي مشاعر قد تترافق بسلوك من أجل رفع المعاناة عن النساء، فهي نماذج جيدة على الأغلب، والعكس، حين تتصرف امرأة بطريقة تجعل الآخر، المتلقي، المجتمع، يحتقر المرأة، فهن نساء سيئات.
قد يبدو الحكم الأخلاقي مجازفة، وقد يبدو هذا الكلام بمثابة ضربة قاصمة في سلوك المرأة الفردي، المرأة التي ترفض جندرة مواقفها وسلوكها، لأنها تطمح إلى الحرية بشكل أعلى، حرية متحررة من توظيفها في خدمة الآخر، وهذا من حق المرأة، أن تتماهى مع الرجل، أو أن تشعر بالعلو على الرجل، بوصفها كائناً، لا بوصفها الجنسوي، من حقها حين يكون هذا الأداء واعياً، دقيقاً، فهو أيضاً يصب في مصلحة الكائن الإنساني، امرأة كان أو رجلاً، لكن ما لا يحق لها، أن يكون ذلك الأداء، غير واع، بشكل يُفضي بطريقة مكشوفة أو مبطنة، إلى احتقار جنسها.
حين تكتب امرأة عن العنف ضد النساء، فتقدم نموذجاً لرجل عنيف، يضرب زوجته، أو أخته، وفي سياق المعالجة، يتعاطف القارئ مع الرجل، إما لأن الكاتبة تعني هذه النتيجة، لتبرر العنف، أو أن إحساسها بالدونية، لا قصدياً ربما، يجعلها تنحاز إلى الطرف الأقوى، فتنسى الضحية، وتذهب برفقة المنتصر، الأب، الذي تخاف، الكاتبة ذاتها، من عقابه، وإن بحرمانها من رضاه والطبطبة عليها، حيث التواطؤ الباطني بين الأم والإبنة، يبرر في سردياته الطويلة، غفران الأم. الأمر الذي تضمنه الكاتبة المنحازة إلى قضية المرأة في العمق، والمنحازة، من دون وعي، إلى صف الرجل، لتملك صك الأمان، الذي لا يحمله إلا الرجال.
قد تكون كاتبة هذه الكلمات، امرأة سيئة أيضاً وفق الميزان المفترض هنا، لأنها ركّزت على السوء لدى النساء، ما يغفر لها ربما، أنها ترغب بهزّ النساء القادرات، على الوقوف ضد الرجال، والتخلص من أمان الصك الأخلاقي الذي يمنحه الأب ـ الزوج ـ الزعيم.
نساء الطغاة في العالم العربي خاصة، شريكات في غنائم السلطة، سيئات، وهن يشجعن الطاغية، بالصمت، بالابتسامة المشجعة، بالاستمتاع بالوقوف في ظل رجل جبار قاهر، يعيد إلى دونيتهن الاعتبار.
هل بدا الفصل واضحاً بين نساء عظيمات يقفن في الظل، أو في الضوء، خلف نساء ورجال، ليدعمن حرية الإنسان، وحرية النساء كذلك، يسحبنهم ويسحبونهن، نحو الضوء، وبين نساء متواطئات مع أنظمة القمع والاستبداد، حتى ولو في طريقة الهمس السرّية، ليشرعنّ ركل النساء نحو الحضيض، أو المزيد من الحضيض؟
جريدة السفير

samedi 1 mars 2014

حوار France 24



 حوار



http://www.youtube.com/watch?v=hf1t2lorIvM