samedi 6 août 2016

ألفة الأمكنة وذعر المنافي





"مترو حلب".. ألفة الأمكنة وذعر المنافي


هيثم حسين
 
ما يمكن توصيفه بخلل المنافي هو ما يحرك بطلات الروائية السورية مها حسن في روايتها الجديدة "مترو حلب" التي تتأرجح فيها بين باريس وحلب، وتنتقل بأحلام شخصياتها وحياتها بين المكانين في وقت واحد، يكون للصحو زمنه عندها، وللنوم زمنه، وكأن الشخصيات تنسلخ عن منافيها في النوم لتستعيد بهجة حضورها في حلب التي تظل مرادها الدائم.

تنسج مها، المقيمة في فرنسا، روايتها (التنوير، بيروت 2016) وفق حبكة قوامها الأحلام والكوابيس واليوميات والرسائل، تتأسس على تفاصيل الحياة السورية الراهنة التي يتقاطع فيها التشرد والاغتراب والتشتت والنفي واللجوء والانتظار.
سارة بطلة الرواية تجد نفسها في مهب تغييرات عاصفة تجتاح حياتها، لا بسبب الحرب المستعرة في مدينتها حلب فقط، بل بتأثير حروب عائلية خفية سابقة يتوجب عليها دفع ضريبتها، والمساهمة بقسطها الواعي فيها، بعد أن كانت ضحية تلك الحروب والتوترات.

تسعى صاحبة "حبل سري" المولودة في حلب عام 1966 للتعبير عن مختلف وجهات نظر السوريين بعد مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق الثورة السورية، وحالة الاحتراب التي ازدادت استعارا وتدميرا للمدن وتشريدا لأهلها، وكيف انتشرت على هامش الثورة ظواهر سلبية أفرزت حالات متباينة من الاستغلال والمتاجرة بتضحيات الشهداء والثوار ومآسي الناس.
تتفاجأ سارة بطلب والديها منها ضرورة تلبية رغبة خالتها "أمينة" التي لم تسمع بها من قبل، والمريضة بالسرطان، للسفر إليها في باريس. تتكشف خيوط الحبكة رويدا رويدا، يتسارع إيقاع السرد وتكثر الأحداث وتتشابك، تسعى سارة إلى تفريغ أحاديث أمينة التي سجلتها على أشرطة من أجلها تحكي فيها حكايتها وتعترف بكثير من التفاصيل، تصدمها باعترافها أنها أمها الحقيقية وليست خالتها، وأن أمها المفترضة هدهد هي خالتها، وهي التي تقمصت دورها وشخصيتها بعد هروبها من زوجها وأمومتها وأسرتها، وضحت بكل شيء من أجل فنها وشغفها، وتوجهت صوب المنفى الاختياري.
بعد تعرف سارة إلى التفاصيل والأسرار تسعى لخوض مغامرة العودة إلى حلب، تقرر مرافقة صحفي فرنسي ينوي دخول سوريا، وتكون فرصة لها للتخلص من أعباء أحلامها وكوابيسها، والتصالح مع عالمها، والرجوع إلى مدينتها الأثيرة، حيث تعيش شخصيات الرواية هوسا لا يرتوي وتعلقا لافتا بها. مترو باريس يكاد يكون في خيال الراوية وأحلامها عابرا لأحياء حلب وضواحيها.
هناك شخصيات رجالية تكون متحركة في ظلال النساء، منقادة لطيشها وجنونها تارة، ومتحكمة بمصائرها بغرابة وجنون تارة أخرى. من تلك الشخصيات وليد وعادل وكلاهما فقد حبيبته ووجد نفسه أمام خيار القبول بالأمر الواقع، وهناك طارق الثوري اللاجئ في باريس الذي يكون سندا لسارة، كما أن هناك ماتيو الفرنسي الذي يحاول الانتقام من النساء في شخص أمينة، لأنه رأى فيها صورة أمه التي تركته وهو صغير وهاجرت بعيداً عنه.
http://www.aljazeera.net/file/getcustom/3fe924cc-3380-4df4-8f64-b835ed77ea11/fba009bf-1850-4730-9e33-d0c379a3f6dc
في اللحظة التي أنهت فيها الروائية مها حسن حياة "هدهد" في روايتها فجعت بموت أمها في حلب (الجزيرة)
وفاء للأم الراحلة
في تصريح خاص للجزيرة نت تذكر الروائية مها حسن أنها أثناء كتابة روايتها التي أهدتها لأمها - التي تجهل سبب إطلاق اسمها "أمينة" على إحدى الشخصيات الأساسية في الرواية - فجعت بموت أمها.
وتشير إلى أنها منذ لحظة الإهداء، كانت تستبق موت أمها، فتقدّم لها شيئا ما من عالمها الذي تحب، برهان ولاء وانتماء، لا لها فقط، بوصفها أما ومعلمة لها في السرد، بل ولحلب التي تشبثت بها أمها، ورفضت أن تغادرها، مفضلة الموت تحت القصف، بدلا من ترف المنفى. تقول حسن بأسى: "كانت أمي تخاف من المنفى، تخاف من التشريد والضياع. لهذا ماتت أمي".
"تشبه الكاتبة المنفى بالتأرجح بين الوجود واللاوجود، كما تصفه بأنه كائن افتراضي غير مكتمل"
تؤكد صاحبة "طبول الحب" أنها كانت تكتب هذه الرواية والجبهات مشتعلة في حلب، حيث كل طفولتها وصباها وبيت أهلها وحارتها وأمها.. وأنه كان عليها أيضا التحرر من الرواية، لتتفرغ لأمها، لتحاول إخراجها من جبهة الحرب في حلب. خاصة بعد سقوط بيتها، وتشير إلى أنها صارت تلهث صوب مسؤولياتها الكثيفة.
تتحدث مها عن ألفة الأمكنة، وتشبه المنفى بالتأرجح بين الوجود واللاوجود، كما تصفه بأنه كائن افتراضي، غير مكتمل.. وتقول إنها تحب أن تشرح هذه النقطة، تدعوها بينها وبين نفسها بخط السير. لهذا اشتغلت على تفصيل المنفى الجديد على السوريين، هذا المنفى الكبير، حيث يكاد يكون وطنا بديلا، بشروط مختلفة عن الوطن في الأرض الأولى، عن الأرض البديلة.
تتحدث مها عن المصادفات بين الرواية والحياة، وتتساءل ما إن كانت في اللحظة التي أنهت فيها حياة هدهد في الرواية، كانت نهاية أمها تُكتب هناك. وتقول إن لهذه الرواية مكانة غامضة في داخلها، مكانة تنوس بين الحب والخوف، بين شعورها بأنها قدمت لأمها شيئا ما، وشعورها بأنها أنهت حياتها بطريقة ما، وهي تتخلص من الرواية، وتقتل أم ساره، بل كأنها تنقذ أمها أيضا من ذعر المنفى، الذي كان سيكون عبئا عليها إن عاشته.
تراها تتساءل أيضا "هل تقتل الرواية الأبطال الحقيقيين في الحياة، لتخلدهم على الورق أحيانا؟". وتؤكد أن هذا ما تشتغل عليه الآن.

samedi 23 janvier 2016

أرشيف أمي



أرشيف أمي




"أتعتقد حقاً، أنه سيعلّق في يوم ما، على هذا المنزل، قطعة من رخام كُتب عليها، في هذا المنزل، في 24 تموز 1895، كُشف سر الحلم للدكتور سيغموند فرويد" - من رسائل فرويد إلى فليس.
ورد السطران أعلاه في هامش في روايتي "تراتيل العدم"، ودغدغت أحلامي عبارة "في هذا المنزل"، كما ربّما الكثير من الكتّاب الذين يحلمون أن يعود القرّاء إلى منازلهم الأولى، لاكتشاف منابع الإلهام



عدا على أنني كنت منهمكة بزيارة بيوت الكتّاب والشعراء والفنانين، في البلاد التي تتاح لي زيارتها. كنت أحب التفرّج والتدقيق في الزوايا التي كان يكتب فيها الكتاب، وقد هممت بفكرة بيوت الكتابة ولا أزال.

لهذا كانت علاقتي مع بيت أهلي دائماً استثنائية، فبيت أهلي ليس أجمل بيت في العالم من الناحية الموضوعية، كما أن أمي ليست أعظم امرأة في العالم، موضوعياً. ولكن بما أنها أمي، فهي كذلك بالنسبة لي، لأنها أمي أنا، وليست أم أحد آخر من العالم، وبيت أهلي تنطبق عليه القاعدة ذاتها، فيصبح بيت الأهل، أعظم بيت في العالم. هذا البيت الذي نعتقد أننا ننساه، فيظهر لنا بصيغ متعددة، وفي ظروف مختلفة، كما حصل لبروست في قطعة المادلين حين ظهر البيت من طعم قطعة الحلوى تلك، في روايته عن الزمن الضائع، زمن البيت الأول.

إلا أنني لن أتحدّث عن علاقتي ببيت أهلي، أو بيت الطفولة، حيث اكتشفت الكتابة، وخربشت أحلامي على الجدران، بل سأتحدث عن بيت الأم. عن علاقة أمي ببيتها، تلك العلاقة التي تكاد تكون غراماً وجودياً من نوع مختلف، غرام يؤدي فقدانه إلى القتل وفقدان العلاقة مع الحياة.

                                 




كانت أمي امرأة موغلة في التفاصيل. حين كانت تزور أحداً، تعود لتصف لنا كروائية تهتم بمعالم الأشياء بقوة: نوع أغطية الكنبة، لون مخدات الصالون، لون السجادة، مفرش الطاولة، المزهرية، اللوحات

في بيتها، تحتفظ أمي ببقج سرية، تتشاجر معنا نحن البنات من أجلها، حين نفتح البقج في غيابها، ونشهق مكتشفات ملابس أمي في صباها: أثواب مزركشة بالخيوط اللامعة، خيوط ذهبية، فضية، قماش مرشوش بما يشبه الثلج الملون اللمّاع. أثواب قصيرة دون أكمام، نحاول سرقتها من أمي، وإعادة تدويرها، لنرتديها

كانت أمي تكتشف بسرعة ما إن تُفتح البقج. تنادينا لاستجوابنا: مين فتح السكرتون؟ كانت لها تقنيتها في إغلاق البقجة، بدقّة نعجز عن اتّباعها. كانت تخرج من الغرفة، تصل إلى العتبة، ثم تعود إذ تكتشف أن تطبيقة الفرش غير متوازنة، تعود لسحب البطانية أو اللحاف، وإعادة طيهما، كأنها تطوي ورقة، يجب أن تكون كل الزوايا متطابقة، من دون بروز أي طبقة أو ميلانها عن الأخرى، كأنها تمسك مسطرة في رأسها، تسوّي الأغطية وفق طيّ واحد.
في خزائن أمي المحرّمة علينا، نهرع للتفرج حين تضطر لفتحها أمامنا، إرث عالق منذ سنوات. ثمة "ديارتي"*، تلك الملابس التي خاطها أبي بيده، على ماكينة السينجر، قبل ولادتي. هناك "قنداق"** أختي، الذي كانت أمي تلفّها بها وهي وليدة الأيام والشهور، إذ كانوا يلفّون الطفل كقطعة سكر، لتبقى أعضاؤه مشدودة. تقول أمي إنها ستنقل ملكية هذه الأشياء، لأولادنا

أما غسالة أمي الأتوماتيك، البنكوان، فتكاد تشكّل فصلاً روائياً مهماً في تاريخ البيت. حيث اشترتها بالتواطؤ معي، من دون موافقة أبي، الذي كان يؤمن بأن المرأة خُلقت للعمل المجُهِد، كأمه وجداته. ويرفض أن تتعامل أمي مع الحياة بترف السيدات الحديثات. غسالة البنكوان تلك، كانت أحد أهم الصروح في بيت أمي، التي تجعلها ترفض مغادرة البيت في الحرب. "وغسّالتي؟"، كانت تقول متسائلة، فأقول لها، إن المهم حياتها لا الغسالة، وكانت تهز رأسها رافضة: أموت هنا ولا أترك بيتي

كانت أمي في القرية في الصيف الفائت، تود قطع الحدود من عفرين إلى تركيا. حين اتصل بها جارنا وأخبرها أن ثمة من كسر قفل الباب، وأن باب البيت مشرّع. قطعت أمي التي أكاد أؤمن أنها محمّلة بطاقة سحرية، حيث تلهث وتتوقف عشرات المرات قبل الوصول من الغرفة إلى المطبخ، قطعت الطريق الطويل المحتشد بالحواجز، من القرية لتعود إلى البيت في حلب؛ "تصوري الباب مفتوح يا بنتي!"، عادت أمي لتستدعي من يركّب لها القفل، وتؤمن من جديد على أرشيفها الخاص

العربة الزجاجية من الكريستال الشفاف، التي يجلس فيها صبي وبنت، وكنا في صغرنا، نصدق أن راكبي العربة هما أنا وأخي، الصينية الفضية التي جلبتها جدتي من الحج، المملحة الزجاجية البيضاء التي اشتراها عمي، وأغراض كثيرة أنساها، تعني لأمي تواريخ وأحداثاً.
عليّ ألا أنسى البنطال الجلدي الأحمر، الذي أحضره عمها من ألمانيا، قبل أربعين سنة، وكنت أرتديه في صغري، و"بربطوز"*** أختي، الذي كانت ترتديه وهي في السنتين من عمرها. لكل قطعة من البيت حكاية وتاريخ.

أما جدار غرفة الجلوس، الذي كان لغة الحوار السرية مع أم هوزان، حين نسمع الخبط عليه، ولم يكن لدينا هواتف أرضية آنذاك، تهرع أمي إلى الصالون، تمد رأسها من تلك الطاقة المطلة على ممر أم هوزان، ابنة الشاعر المعروف جيكرخوين، ليبدأ الحوار.
نافذة المطبخ، تطل على ممر أم توفيق من الجهة المعاكسة لبيت أم هوزان، هناك يدور حديث آخر بين أمي والجارات المتعاقبات في السكن، حيث تؤجّر أم توفيق غرف الطابق السفلي.
من ذلك الممر الطويل، المؤدي إلى الحمام، من المطبخ، انبثقت أشباح الخوف. كانت الإضاءة ضعيفة جداً في الممر. وكانت أختي تصرّ أنها رأت دباً في الممر، وكنت أسمع أصواتاً تناديني في الليل، حين أذهب وحدي إلى المرحاض.

حين أجرى أبي تعديلاً على الممر. ألغاه وهو يكسب المساحة، فيضيفها إلى المطبخ، ويصبح المرحاض داخل المطبخ، تبخّرت مخاوفنا من الجن والأشباح، وصار المطبخ بحجمه الكبير ملاذاً جديداً للسرد الشفوي والقصّ الذي ينمو في بيئة دافئة مشحونة بروائح الأكل.
كنا نُمضي أوقاتنا، بعد المدرسة، إخوتي وأنا، مع أمي. نأخذ الكراسي الصغيرة من الصالون ونصفّها كأننا في مسرح افتراضي، فنجلس خلف أمي، العالقة طيلة الوقت بين المجلى وفرن الغاز. وكالقطط المتسولة، ننتظر أن تجود علينا بعيّنة ساخنة من طعام لم يكتمل استواؤه بعد.

جرة الغاز التي تناضل لتبديلها كلما فرغت، وبرميل المازوت على السطح، وطقم الكنبايات الذي اشترته بالتقسيط، والسجادة العجمية التي اشترتها بالدين، ودفعت ثمنها لاحقاً وطقم فناجين القهوة وأطباق روميو وجولييت غير المُعدّة للاستعمال ولا اللمس، وأغراض كثيرة، لكل منها تاريخ حميمي مع أمي، تموت ولا تتخلى عنه.
كان الأصدقاء في حلب، يقولون لي إن حارة أمي جبهة مشتعلة، ويخافون من دخول الحارة، حين أطلب منهم الاطمئنان عليها.

ظلت أمي وحيدة في الحرب. حين كانت في المطبخ، متجهة إلى الصالون، وقد اعتادت أصوات القصف، لم تفهم أو تستوعب ذلك الصوت. فجأة، رأت الحارة من زاويتها، ورأت السقف يهبط كما في الأفلام.
تجمدت أمي مكانها كما أتخيل، فنحن لم نمتلك الوقت للحديث والشرح. وقفت تنتظر إما أن يغيثها أحد فتنجو، أو يهبط السقف فوقها.
دخل الجيران من بين الأنقاض، وأخرجوها على حمّالة. ونظرت بذهول إلى الخراب، إلى تبخّر البيت.

أرشيفها تبخّر تحت الأنقاض: صورنا، شهاداتنا، ملابسنا، ألعابنا، أثاثها. كل شيء صار تحت الحجر.
صار البيت الذي كان كل حياتها، مرتعاً للقطط والحيوانات الضالة، وصار يمكن لأي عابر طريق، أن يدخل تلك الخرابة، ينقّب بين الحجارة، ليعثر على قطعة من مقتينات أمي الغالية عليها: ثوب طفولتي.. البنطال الجلدي الأحمر.. بربطوز أختي .. العربة الكريستالية... غسالة البنكوان....
ماتت أمي بعد أسبوع واحد فقط. سقط البيت يوم الأربعاء، ورحلت أمي عن البيت/ الحياة، يوم الأربعاء التالي



مها حسن
العربي الجديد


اقرأ أيضًا : شغف المقهى

*الديارة: هي مجموعة من الملابس التي يتمّ تحضيرها للرضع.
**قنداق: كلمة فارسية وتعني القماط باللغة العربية.
***بربطوز: كلمة فرنسية barboteuse، وتعني ثوباً فضفاضاً للأطفال. - See more at: http://www.alaraby.co.uk/supplementculture/2016/1/11/%D8%A3%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D9%81-%D8%A3%D9%85%D9%8A#sthash.FpMZfRK1.dpuf

samedi 14 novembre 2015

الأدب المهاجر

https://www.youtube.com/watch?v=IiNhcOqOD7o

vendredi 13 novembre 2015

 مها حسن: الروائي كعامل المنجم لا تكفيه حياة واحدة

أوس يعقوب

  • غالبا ما تلتصق الشهرة الروائية بالرجال من الكتاب، وتقصي النساء، اللاتي يمثلن مهد السرد الأول، ويبقين مقصيات بعيدا عن القضايا الهامة، منفيات إلى أحضان الذكورة، وبالتالي لا يتحدثن عن قضايا جوهرية تمس الأبعاد الإنسانية والتاريخية على اختلافها، ويصنف أدبهن تحت يافطة كبيرة ومخادعة اسمها “الأدب النسوي”. الكاتبة السورية مها حسن رفضت هذا التوجه علانية، وثارت ضده في مواقفها وأدبها، الذي كتبت من خلاله الإنسان والثورة، لذلك ارتأت “العرب” أن تلتقي بالكاتبة، وتتحدث معها عن الأدب والسياسة والثورة، في محاولة لاكتشاف عوالم الكاتبة، والكتابة معا، فكان لنا معها هذا الحوار.
العرب أوس يعقوب [نُشر في 13/11/2015، العدد: 10096، ص(15)]

أكتب بالعربية، وأعيش في فرنسا، وأستمد حكاياتي من ذاكرتي الكردية

تعد الكاتبة والروائية السورية مها حسن المقيمة في باريس، من الأصوات المجددة في السرد الروائي السوري والعربي، بفضل حسها ووعيها بالجماليات السردية، واشتغالها على ذلك بحرفية عالية، متسلحة بأدوات معرفية وثقافية واسعة نهلت من تراث قوميات متنوعة وانتماءات دموية مختلفة وثقافات وعوالم متعددة، ما مكنها من تشكيل نسيج كتابة مليء بالحكايات المحبوكة بمقدرة عالية. وهي -كما يرى النقاد- ممن أضفن إلى جنس الرواية العربية مضامين ذات خصوصية أنثوية قلما غامر في طرقها الروائيون الذكور، رغم تأكيدها لنا أنها ليست مع مصطلحات تفصل الإبداع وتصنّفه وفق صاحبه.
ولدت مها حسن بحلب في شهر ديسمبر عام 1966 في أسرة كردية بسيطة. ولما أنهت المراحل الدراسية الأساسية التحقت بجامعة حلب لدراسة الحقوق، فحصلت على الإجازة فيها.
وفي منتصف عقد التسعينات، حين كانت في التاسعة والعشرين من عمرها، أنهت كتابة روايتها الأولى “اللامتناهي – سيرة الآخر”، لتنشر بعد ذلك سبع روايات، هي: “لوحة الغلاف: جدران الخيبة أعلى” (2002)، “تراتيل العدم” (2009)، “حبل سري” (2010)، “بنات البراري” (2011)، “طبول الحب” (2012)، و”الراويات” (2014)، وأخيرا “نفق الوجود” التي صدرت العام الماضي في لبنان. وقد وصلت مها حسن إلى القائمة الطويلة لـ”جائزة بوكر” العربية مرتين، 2011 و2015، بروايتيها “حبل سري” و”الراويات”.
خلقت لأروي
نساء كرديات وعربيات وتركمانيات، منحن الكاتبة الانفتاح على الآخر، وعلى السرد، لهذا تتسم كتاباتها بالتجريبية
تبدأ “حسن” روايتها الأخيرة “الراويات” بجملة “خلقت لأروي” واصفة نفسها بـ”الآلة الكاتبة”، وكأن الكتابة حياة أخرى تعيشها. وتعلق على ذلك بالقول: الكتابة هي الحياة الحقيقية بالنسبة إليّ. حين أقيّم نهاري وأحصي أعمالي وأنشطتي، أجد أنني أمضي أغلب ساعاتي بالعمل في القراءة أو الكتابة.
مع تقدم العمر تصبح الحاجة إلى ساعات الكتابة أكثر إلحاحا، كأن أحدنا يخاف أن يباغته الموت دون أن ينهي ما يريد، بل وكأنه من المهم أن ينهي بعضا مما لديه قبل الموت. هي معادلة معقّدة، ولكنها الإحساس الوجودي الوحيد الذي يمنح الكاتب شرعية حياته، أو هكذا هي حالتي.
نسأل ضيفتنا إن كانت قد كتبت روايتها التي تريد، بعد ثماني روايات صدرت لها حتى اليوم، فتقول: لماذا يجب أن تكون هناك رواية واحدة تعبّر عن حلمي وتوقي الروائي؟ هذا المفهوم “الرواية التي أريد”، فيه حصر وتضييق على الإبداع. وقد ورد في مقدمة روايتي “الراويات”: إن حياة واحدة لا تكفي الروائي. وقارنت حياة الروائي بعمال المناجم قائلة: حياة الروائي، كعمال المناجم، يشتغل لسنوات، ويموت قبل أن يكمل مشروعه.
الرواية والحرية

الكتابة صوت الهامش والمظلومين

عن مدى إمكانية انفتاحها على أجناس أدبية أخرى وطرق أبواب تعبير مغايرة، بعد أن كتبت القصة إلى جانب كتابتها الرواية. تقول حسن: أنا في الوقت الحالي، منشغلة أكثر بهاجسي الروائي، فالرواية في حد ذاتها لم تعد جنسا أدبيا منغلقا، ومن الممكن ضمن الرواية أن نبتكر أساليب جديدة، وما ذكره إدوار الخراط حول الكتابة عبر النوعية، لا يزال قابلا للتفعيل، أنا مع الذهاب إلى توليد أجناس فرعية داخل الرواية ذاتها. أكثر من الذهاب إلى أجناس أخرى، مثلا، أحلم ذات يوم بكتابة تدمج تقنية السينما بالرواية.
حول كتابتها عن أمكنة وآلام وأوجاع بلدها وهي بعيدة عنه، تتساءل الكاتبة: من قال إنني بعيدة؟ وتضيف: سبق أن كتبت مقالا عنونته بـ”خيانة المكان”، حيث أعيش جسديا في باريس، ونفسيا في سوريا. حين أنام، أجدني دائما في سوريا. إن وعيي لا يزال في سوريا. أتحدث يوميا عبر الهاتف مع سوريا، ألتقي بالسوريين في عدة مدن من العالم، وسوريا معي، ومقياس العلاقة مع المكان ليس فقط عبر التواجد الفيزيائي.
وعن مدى أثر تواجدها في بلد غربي كفرنسا على أعمالها الروائية، تشير ضيفتنا إلى أن الحرية ليست كلمة عادية، بل هي مفهوم دقيق للعيش، وهي تحظى بالحرية في هذا المكان، ما يساعدها على التفعيل اليومي للكثير من الحالات الداخلية والأفكار والمشاعر، والمـــــراجعة اليومية للذات، للتاريخ، للعلاقة مع الكتابة، وللمساءلة. وكل هذه التفاصيل، يتيح المكان الفرنسي محاكاتها ونبشها؛ فالحرية التي تنعم بها الكاتبة، تخلّص كتابتها وتنقّيها وتجعلها طازجة خارجة من حاسوبها إلى القارئ، دون الغربلة الرقابية، التي يمارسها الكاتب نفسه على نفسه في كثير من الأحيان.
وبسؤالها عن معنى قولها في روايتها “حبل سري” إن “المستقبل للرواية المشرقية”، توضح مها حسن قائلة: كانت صوفي (بطلة الرواية) متيقنة إلى درجة الإيمان المطلق، بأن مستقبل الرواية سوف يقفز من الشرق، فهاهو كويللو، الذي تحبه وتغار منه أيضا، قد وضع كل سحره الروائي، في أرض مصر، وقطع طريق الرواية، ذاهبا إلى الأهرامات.
الحرية التي تنعم بها الكاتبة، تخلص كتابتها وتنقّيها وتجعلها طازجة خارجة من حاسوبها إلى القارئ دون غربلة رقابية
كانت صوفي تتنبأ أن مستقبل الرواية، هو للمرأة القادمة من الشرق، لأن الرواية مهارة نسوية، هكذا فكرت هي، فكتابة الرواية تحتاج لمهارة امرأة تجيد التفاصيل، لكن “لماذا الرجال فقط هم مشاهير الرواية؟” فكرت لحظتها، الرواية دقة وبناء وصبر ومتعة سرد، كل هذا تجيده المرأة، وتجيده المرأة الشرقية أكثر من غيرها، فهي موغلة في ثنايا الروح، والرواية روح.
أبناء الذاكرة
وننتقل مع حسن إلى ذكريات الطفولة لتحدثنا عن الجدة والعمة الكرديتين والأم المولودة من أم عربية وأب كردي، وعن الأثر الذي تركنه في نفسها، تقول ضيفتنا: إذا أضفنا إلى صورة المرأة الحكواتية الشفهية، التي منح أغلبنا، نحن كتّاب المنطقة هذه النماذج في طفولتنا، فإن نوعية الحكايات هنا هي التفصيل الجديد.
من جدتي الكردية وجدتي العربية استطعت خلق مزيج سردي يثري كتابتي. هؤلاء النساء، كرديات وعربيات وتركمانيات، منحنني الانفتاح على الآخر، الانفتاح على السرد، لهذا تتسم كتابتي بالتجريبية كما أظن.
وتتابع حسن حديثها عن البيئات الثقافية التي ولدت وعاشت فيها، فهي التي عاشت بين ثقافات ثلاث؛ العربية والفرنسية اللتين تكتب بهما، والكردية التي تنتمي إليها، وعن مدى تأثير هذه الثقافات على تجربتها الأدبية. تقول: سبق لي أن كتبت عن تعدد الهويات المثري.

مها حسن تعتبر أن الحرية مفهوم دقيق للعيش

أعتقد أنني منحت هذه التعددية، أن أكتب بالعربية، وأعيش في فرنسا، وأستمد حكاياتي من ذاكرتي المتشابكة والمروية من عدة ينابيع، وأشتغل عليها في فرنسا. هذه مزايا وهبتني إياها الحياة، حررتني من النظرة الأحادية أو السرد الضيّق، كما أظن.
وعما إذا كان لقوميتها الكردية تأثير على مواقفها من مجريات الأوضاع في سوريا كما يشير البعض. تؤكد الكاتبة أن ذلك مجانب للحقيقة. وتوضح: الكاتب ينتمي دون جدال إلى الأطراف الضعيفة. لهذا ربما نكتب، لنكون صوت الهامش ولنقف مع المظلومين.
وقوفي إلى جانب الشعب السوري لا يتطلب مني أن أنتمي إلى فريق أو قومية أو أمة، حتى لو لم أكن سورية، لانحزت دون تردد إلى حراك الشعب السوري، الحراك الأخلاقي المشروع دون جدال.
تعتبر مها حسن أن تاريخ المرأة لا يزال يمثل “التابو الكبير”، وأنه إحدى حالات إلهامها، وتجزم الكاتبة بمدى تمكنها من اختراق هذا “التابو”، لكنها تؤكد على محاولتها الدائمة في سبيل ذلك.
وترى حسن أن الكثير من الأصوات النسائية تفوقت على الكتابة الروائية لدى الرجل في بعض الزوايا والخصوصيات، وهو ما دعانا إلى سؤالها عن موقفها من مصطلح “الكتابة النسائية” أو “الأدب النسائي”، لتشير إلى أن هناك فعلا أسماء كاتبات تفوقن في أعمالهن على كتابة الرجل، مؤكدة أنها ليست أبدا مع مصطلحات تفصل الإبداع وتصنّفه وفق صاحبه.
وعن رأيها في تصنيف النقاد بأن رواياتها “نسوية بامتياز”، تقول ضيفتنا: لا أعرف ما المقصود بأن رواياتي “نسوية”، ولا يمكنني الاعتراض، هي وجهات نظر قابلة دائما لتأويلات عديدة.
وحول رأيها في الجوائز الأدبية، ومدى إسهامها في صناعة الروائي وتطوير تجربته وترويج اسمه، تبين الكاتبة أنه لا يمكن للجوائز صناعة مبدع، لكنها تروّج للكاتب دون شك، وتساعد على إيصال كتابته إلى شرائح أوسع من القراء.
الكتابة والثورة
مع تقدم العمر تصبح الحاجة إلى ساعات الكتابة أكثر إلحاحا، كأن أحدنا يخاف أن يباغته الموت دون أن ينهي ما يريد
وننتقل مع محاورتنا للحديث عن الثورة السورية، وهي التي رأت في روايتها “طبول الحب” أنها وثّقت الثورة بنبلها وإنسانيتها، قبل أن تحوّل بجهود السياسيين، سواء من النظام، أو من قوى إقليمية أو من أطراف معارضة، أو من جهات عالمية، إلى عمل مسلح ثم إلى فوضى يصعب فهمها.
فنسألها هل مازالت على رأيها في إمكانية الحديث عن ثورة شعب في بلد تحول إلى مقاطعات مسلحة؟ فتجيبنا: أعتقد أن الثورة مفهوم شاسع يصعب إنجازه وحصره في دائرة زمنية.
أنا وفية لذكرى الأشخاص الذين ماتوا من أجل الثورة، أولئك الأبطال الذين حلموا بحياة عادلة وكريمة للسوريين، ومع أن العالم تآمر على الثورة، وأصبحت سوريا اليوم، مقاطعات مسلحة، لكن هذا لا ينفي أن التاريخ يتغير، وأنا مؤمنة بأن سوريا ذات يوم ستكون مكانا آمنا وديمقراطيا، لكن هذا سيطول، وقد لا يعيشه جيلنا، ولكنني أثق في الجيل القادم، الذي يهجّر قسم كبير منه، والآن يعيش ثقافة جديدة، سيفهم ويحلل لماذا غادر وقُلع من جذوره هناك.
تضيف: سيكون هناك جيل متعدد الانتماءات، سيتعلم الانفتاح من الأرض الجديدة التي يعيش عليها، من اللغة الجديدة، سيكون جيلا خارقا مؤمنا بالعدالة، جيل كهذا لن يضيّع سوريا. هذا ما أشعر به اليوم وأنا أرى مئات الأطفال يذهبون إلى عالم أكثر أمانا لهم. ذات يوم، سيعودون، سيعودون أقوى وأكثر وعيا وفي ظروف أفضل من آبائهم.

مها حسن تؤكد أن انعكاس المنفى عليها كان بطريقة إيجابية

وعن اعتقادها هل أنه من المبكر كتابة رواية عما يحدث في سوريا، تقول محدثتنا: لا أتفق مع الرأي العام المؤثّم للكتابة أثناء الحدث، وقد سبق لي أن شاركت بورقة عمل في جامعة بروكسل، حول “تجريم الكتابة” أثناء الحدث.
لقد صدرت “طبول الحب” بعد السنة الأولى للثورة، إذا فكرت اليوم، أو حتى قبل سنة أو سنتين، بالكتابة عن الثورة، فلن أستطيع، بسبب التفرّعات الهائلة والانقسامات التي أصابت الثورة. إن قيامي بتدوين الحدث في سنته الأولى، أمر لا أندم عليه، لأنني فعلا لا يمكنني اليوم فعل هذا.
ربما انعكاس المنفى والشتات على نتاج مها الحسن الأدبي، وتؤكد هي نفسها ذلك، لكنها تلفت إلى أن انعكاس المنفى كان بطريقة إيجابية، أما لفظة الشتات فهي لا تؤمن بها، خاصة بعد الهجرة السورية الهائلة.
اليوم في باريس، حيث تقيم، تلتقي بسوريين أكثر مما تلتقي بفرنسيين. فلم يعد الكلام اليوم عن المنفى كما كان قبل خمس سنوات. فاليوم العالم مفتوح على بعضه، وهناك سوريون في كل بلد في العالم، وهذا يثري الفن والكتابة ويكسر الانغلاق سواء الثقافي أو الاجتماعي.
وبالانتقال إلى الحديث عن وقع رواياتها في بلدها، وفي الوطن العربي تؤكد حسن أن ما حدث لها هو أنها عرفت في البلاد العربية قبل سوريا، في المغرب أولا، ثم في مصر.
أما عن وقع رواياتها فهذا أمر لا يستطيع الكاتب تحديده، في رأيها، فهو لا يعرف تماما قرّاءه. فأن يتصل بالكاتب أو يكتب له أو عنه بعض القراء، لا يعني أبدا أنه عُثر على “أثر الكتابة”، بل على العكس، تعتبر حسن أن هناك قراء مجهولين لا نعرف عنهم شيئا، يعرفون عن الكتّاب كل شيء، لقد اكتشفت بعضهم بالصدفة عبر المنتديات الأدبية، وهناك مجموعات نشأت على الإنترنت، وبأسماء وهمية غالبا، متكونة من أشخاص يقرأون بعناية ويتابعون بجدية، ولا يوجد أيّ نوع من أنواع التواصل بينهم وبين الكاتب.

Le secret du roman



[Par Maha HASSAN]
[Par Maha HASSAN]

[Par Maha HASSAN]


Est-ce le hasard si la Maison des journalistes est la dernière adresse que j’ai vue avant de quitter Paris ? Ou est-ce un hasard objectif, comme l’appelait André Breton, comme en un roman qui me pousse à écrire ce qui suit avant de quitter Paris ?
(Auteur : @ENPC)
Quand je suis arrivée à Paris pour la première fois, j’ai eu la chance d’être logée à la MDJ au bout de quatre mois de mon séjour parisien.
Quand je suis arrivée, également pour la première fois dans le quinzième arrondissement et que je suis descendue au métro Javel, j’ai presque poussé un cri de surprise en regardant le Pont Mirabeau.
En Syrie, sans connaître ce pont, sauf par le poème d’Apollinaire, mon premier roman commence par la chanson que mon héros écoutait : « Sous le pont Mirabeau coule la Seine… ».
J’ai publié mon premier roman, L’infini, en 1995, et me retrouve dix ans après à côté du Pont Mirabeau.
Et voilà, dix ans encore après mon arrivée à la MDJ, je prépare mon départ de Paris. Le secret du roman me pousse encore une fois vers la Maison des journalistes, comme s’il me fallait dire au revoir au Pont Mirabeau où coule la Seine.
Un ami romancier et journaliste qui a quitté son pays en fuyant la guerre et les menaces des djihadistes arrive à Paris une semaine avant mon départ.
J’ai contacté Darline, la directrice de la Maison, pour prendre un rendez-vous pour cet ami ; Darline me donne aussitôt une date, serrée, un jour juste avant mon départ.
Je vais avec mon ami pour le présenter à la MDJ et chercher son soutien. On passe devant le Pont Mirabeau comme si je le faisais il y a dix ans, comme si ces dix ans ne s’étaient pas écoulés.
Depuis la Syrie en 1995, à Paris en 2005 puis en 2015, le Pont Mirabeau m’accompagne.
Ce n’est donc pas le hasard qui me ramenait à la MDJ un jour avant de quitter Paris, mais le roman. Le roman qui a créé un lien secret entre le Pont Mirabeau, mon roman et le roman de mon ami, pour lequel je suis allée à la MDJ.
(source : http://les-balades-de-yaya.over-blog.com/)
Aujourd’hui, une semaine est passée… Je suis dans mon nouvel exil, mon deuxième exil. Mon ami vient de m’appeler pour m’annoncer que Frédéric (qui travaille à la MDJ) lui avait trouvé une chambre pour demain. Il pourra ainsi commencer son nouveau chemin à Paris, celui que j’ai moi-même terminé.
Mon ami dont je ne veux pas dévoiler le nom, va mettre à son tour, les pieds sur le chemin de son premier exil, alors que moi, en même temps, je m’engage dans mon second exil.
Entre ces exils, entre Paris et la Bretagne, la seule différence, la grande différence est que je sens naturellement que je suis chez moi à Morlaix, où le sentiment d’exil se confond avec la sensation d’être chez moi. J’en suis à penser que le secret du roman c’est vivre toujours en exil, même si on vivait dans son pays natal. L’écriture même est un acte d’exil. On se déplace entre réalité et fiction.
Finalement, la sécurité de l’exil français est indispensable pour les journalistes et écrivains- journalistes pour vivre leur exil intime, l’exil intérieur. Sans la sécurité de l’exil extérieur nous ne pouvons pas écrire et nous déplacer dans le grand terrain de l’exil choisi.
La Maison des journalistes est un grand pas pour trouver cette sécurité recherchée et pour y vivre tranquillement notre exil.