محمد رشيد السعيدي
مدخل
هذه هي الرواية(1 ) الأخيرة للروائية السورية (مها حسن)، التي صدرت لها منذ عام 1995 (12) رواية، وصدرت الأخيرة عام 2018 عن دار ممدوح عدوان، وتقوم على محور – يبدو مركزيا في روايات المؤلفة – المرأة، لذا يمكن أن تصنف هذه الرواية بالنسوية، وتحتوي الرواية على كمٍّ من الدهشة متناسب مع استخدام هذه اللفظة في العنوان، وفيها بعض التناقضات الفنية، التي قد تكون متأتية من القراءة، فضلا عن وجود بعض الألعاب، بقصدية التأليف، حسب ما ورد في الرواية.
هذه هي الرواية(1 ) الأخيرة للروائية السورية (مها حسن)، التي صدرت لها منذ عام 1995 (12) رواية، وصدرت الأخيرة عام 2018 عن دار ممدوح عدوان، وتقوم على محور – يبدو مركزيا في روايات المؤلفة – المرأة، لذا يمكن أن تصنف هذه الرواية بالنسوية، وتحتوي الرواية على كمٍّ من الدهشة متناسب مع استخدام هذه اللفظة في العنوان، وفيها بعض التناقضات الفنية، التي قد تكون متأتية من القراءة، فضلا عن وجود بعض الألعاب، بقصدية التأليف، حسب ما ورد في الرواية.
عتبات (حي الدهشة)ومن وظائف العتبات: الجمالية، وهي
التي ستؤدي الى الترغيب في القراءة، وفي التسويق، وربما ستكشف عن بعض ما في النص،
وترتبط مع النص بعلاقات متعددة، ومختلفة، قد تكون علاقة الانقطاع واحدة منها
أحيانا، ومن أهم عتبات الكتاب: العنوان، وصورة الغلاف،
والنص المقتبس إن وجد، فضلا عن الغلاف الأخير، وهذه قراءة في بعضها.
أولا: العنوان
ويقوم على الوضوح والمباشرة مرة، وعلى التناقض والانزياح مرة أخرى، باستخدام مفردة دالة على أحد أصناف المكان: حي، وما شخوص المكان في العنوان إلا واحد من الدروس الأساسية في المدرسة الروائية العربية الكبرى: مدرسة نجيب محفوظ، منذ رواياته المبكرة: القاهرة الجديدة، وخان الخليلي، التي استفادت من مفردة دالة على أحد أصناف المكان، مثل زقاق المدق، وصولا الى الاستغناء عن تلك المفردة والاكتفاء باسم المكان مجردا، في الثلاثية الشهيرة: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، لإعطاء نسبة أعلى من التقدير والإشهار للمكان، عند اكتفائه بذاته، وقد لا يتسبب الانزياح – الذي استندت عليه المفردة الثانية في العنوان – بإبعاد الدلالة عن ذهنه، بل ربما ستؤدي دورها في التشجيع على القراءة، متأملا أن يجد في الرواية ما يدهشه، والدهشة أحد أهم ما تمتلكه الرواية من طاقات جمالية.
إن عنوان هذه الرواية ليس ثريا نص تماما، بل هو اقتباس حرفي وموضوعي من النص، إذ تدهش الطفلة هند، التي تنتمي الى الطبقة الارستقراطية، وتعيش في حيٍّ من أحيائها، سوف تدهش بـ (حي الهلك)، حي الفقراء – عندما زارته بدون قصد مع مربيتها – وترى فيه ما يرسخ في ذاكرتها ومشاعرها، الى حدّ تعاطفها مع الساكنين فيه، وقرارها أن تعيش معهم، ولو في وقت العمل فقط.
هند أدهشها (حي الهلك)، واستعارت درية شريف – الكاتبة الافتراضية للرواية – كلمة الدهشة، لتجعلها في عنوان روايتها، بديلا عن الاسم الحقيقي للحي السكني، وسيبقى الموضوع مسيطرا حتى على “أخطط لكتابي القادم، عن المنفى والدهشة”، إذ ستتكرر هذه الكلمة حوالي خمس مرات في الأسطر الأخيرة للرواية، لتوكيد التجانس بين الحقيقي والخيالي.
ويقوم على الوضوح والمباشرة مرة، وعلى التناقض والانزياح مرة أخرى، باستخدام مفردة دالة على أحد أصناف المكان: حي، وما شخوص المكان في العنوان إلا واحد من الدروس الأساسية في المدرسة الروائية العربية الكبرى: مدرسة نجيب محفوظ، منذ رواياته المبكرة: القاهرة الجديدة، وخان الخليلي، التي استفادت من مفردة دالة على أحد أصناف المكان، مثل زقاق المدق، وصولا الى الاستغناء عن تلك المفردة والاكتفاء باسم المكان مجردا، في الثلاثية الشهيرة: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية، لإعطاء نسبة أعلى من التقدير والإشهار للمكان، عند اكتفائه بذاته، وقد لا يتسبب الانزياح – الذي استندت عليه المفردة الثانية في العنوان – بإبعاد الدلالة عن ذهنه، بل ربما ستؤدي دورها في التشجيع على القراءة، متأملا أن يجد في الرواية ما يدهشه، والدهشة أحد أهم ما تمتلكه الرواية من طاقات جمالية.
إن عنوان هذه الرواية ليس ثريا نص تماما، بل هو اقتباس حرفي وموضوعي من النص، إذ تدهش الطفلة هند، التي تنتمي الى الطبقة الارستقراطية، وتعيش في حيٍّ من أحيائها، سوف تدهش بـ (حي الهلك)، حي الفقراء – عندما زارته بدون قصد مع مربيتها – وترى فيه ما يرسخ في ذاكرتها ومشاعرها، الى حدّ تعاطفها مع الساكنين فيه، وقرارها أن تعيش معهم، ولو في وقت العمل فقط.
هند أدهشها (حي الهلك)، واستعارت درية شريف – الكاتبة الافتراضية للرواية – كلمة الدهشة، لتجعلها في عنوان روايتها، بديلا عن الاسم الحقيقي للحي السكني، وسيبقى الموضوع مسيطرا حتى على “أخطط لكتابي القادم، عن المنفى والدهشة”، إذ ستتكرر هذه الكلمة حوالي خمس مرات في الأسطر الأخيرة للرواية، لتوكيد التجانس بين الحقيقي والخيالي.
ثانيا: صورة الغلاف
وقد صنعت بطريقة التشكيل، ولصق صورة جنب أخرى، وحشد عدد من الرموز والإشارات الى محتويات الرواية، فكانت صورة الباب القديم، ربما هو باب من مدينة حلب العريقة، أو المدن التي تشاركها ثقافتها، وقد يعود زمنه الى بدايات القرن العشرين، يتدلى منه فانوس كبير، وتظهر خلفه باب وشباك من طراز قديم، هذه الصورة متعلقة بمفردة حي، ربما هذه باب الحي، وبجنبها صورة أخرى، مصنعة، تحتوي على أكثر من لقطة، لبنات، إشارة الى اهتمام هذه الرواية – وكثير من روايات (مها حسن) – بالمرأة، وربما سيكون نموذج المرأة في هذه الرواية فريدا، أو/ ومستفيدا من نماذج بطلات الروايات السابقة، وتتزين صورة البنات بالورد، نساء وورد: جمال مضاعف، وحب واهتمام، ودلالات أخرى تشير الى العلاقات الإنسانية الحميمية، ثم تؤطَّر صورة الغلاف بعناوين روايات، لتؤدي الى حشد مبالغ فيه، وزيادة في الإشارات تؤدي الى كشف النقاب عن أسرار الرواية وألعابها، وقد يستعين عنوان إحدى الروايات برمز دال على متنها، وهذه مبالغة مضاعفة، فضلا عن بشاعة ذلك الرمز، وقد تكون له علاقة بحدث ما في الرواية، صورة المشنقة المتدلية فوق عنوان (الجريمة والعقاب).
وقد صنعت بطريقة التشكيل، ولصق صورة جنب أخرى، وحشد عدد من الرموز والإشارات الى محتويات الرواية، فكانت صورة الباب القديم، ربما هو باب من مدينة حلب العريقة، أو المدن التي تشاركها ثقافتها، وقد يعود زمنه الى بدايات القرن العشرين، يتدلى منه فانوس كبير، وتظهر خلفه باب وشباك من طراز قديم، هذه الصورة متعلقة بمفردة حي، ربما هذه باب الحي، وبجنبها صورة أخرى، مصنعة، تحتوي على أكثر من لقطة، لبنات، إشارة الى اهتمام هذه الرواية – وكثير من روايات (مها حسن) – بالمرأة، وربما سيكون نموذج المرأة في هذه الرواية فريدا، أو/ ومستفيدا من نماذج بطلات الروايات السابقة، وتتزين صورة البنات بالورد، نساء وورد: جمال مضاعف، وحب واهتمام، ودلالات أخرى تشير الى العلاقات الإنسانية الحميمية، ثم تؤطَّر صورة الغلاف بعناوين روايات، لتؤدي الى حشد مبالغ فيه، وزيادة في الإشارات تؤدي الى كشف النقاب عن أسرار الرواية وألعابها، وقد يستعين عنوان إحدى الروايات برمز دال على متنها، وهذه مبالغة مضاعفة، فضلا عن بشاعة ذلك الرمز، وقد تكون له علاقة بحدث ما في الرواية، صورة المشنقة المتدلية فوق عنوان (الجريمة والعقاب).
ثالثا: النص المقتبس
هذه الرواية تعطي مدينة حلب الاهتمام الذي يليق بها، لتنافس – في مضمار الرواية – القاهرة وبيروت والقدس ودمشق وبغداد وغيرها من المدن التي نالت قسطا من حب أبنائها المبدعين الروائيين، وسيبدأ ذلك من عتبة: النص المقتبس، وهو كلام منقول من كتاب آخر، موثق اسمه واسم مؤلفه، فضلا عن رقم الصفحة، وهو نص تاريخي عن أصل المكان الذي هو مسرح هذه الرواية، والنص يشير الى انه حي عشوائي، قام على مقبرة قديمة، وصار الآن حارة، أو محلة، صار حيا سكنيا يصله الماء والنور والباص، التي هي من أولويات النهضة المدنية، هكذا سيتأكد القارئ بأن هذه الرواية مهتمة بمسرح أحداثها، بل إنها تستند على فكرة حب هذا المكان، وحب الناس الذين يعيشون فيه، إذ هو حي شعبي، يسكنه الفقراء من الناس، والمهاجرين من المناطق المجاورة لحلب، ويطلق عليها حسب المصطلح السوري ريف، الرواية لاحقا – في المتن – ستشير الى قصدية اختيار البطلة هند الطبيبة – وهي من الطبقة الارستقراطية التي تسكن في الأحياء الراقية من مدينة حلب – لهذا الحي السكني مكانا لعيادتها، والسبب هو الاهتمام بأهله.
هذه الرواية تعطي مدينة حلب الاهتمام الذي يليق بها، لتنافس – في مضمار الرواية – القاهرة وبيروت والقدس ودمشق وبغداد وغيرها من المدن التي نالت قسطا من حب أبنائها المبدعين الروائيين، وسيبدأ ذلك من عتبة: النص المقتبس، وهو كلام منقول من كتاب آخر، موثق اسمه واسم مؤلفه، فضلا عن رقم الصفحة، وهو نص تاريخي عن أصل المكان الذي هو مسرح هذه الرواية، والنص يشير الى انه حي عشوائي، قام على مقبرة قديمة، وصار الآن حارة، أو محلة، صار حيا سكنيا يصله الماء والنور والباص، التي هي من أولويات النهضة المدنية، هكذا سيتأكد القارئ بأن هذه الرواية مهتمة بمسرح أحداثها، بل إنها تستند على فكرة حب هذا المكان، وحب الناس الذين يعيشون فيه، إذ هو حي شعبي، يسكنه الفقراء من الناس، والمهاجرين من المناطق المجاورة لحلب، ويطلق عليها حسب المصطلح السوري ريف، الرواية لاحقا – في المتن – ستشير الى قصدية اختيار البطلة هند الطبيبة – وهي من الطبقة الارستقراطية التي تسكن في الأحياء الراقية من مدينة حلب – لهذا الحي السكني مكانا لعيادتها، والسبب هو الاهتمام بأهله.
الإحساس بالمكان
يمكن تعليل الاهتمام بالمكان في الرواية – وفي الشعر أيضا – بمشاعر المؤلف تجاه المكان، فيبدو أن هذا الاحتفاء والوصف الدقيق، الذي يجعل القارئ ساكنا في ذلك المكان، والذي هو أحد أعمدة المدرسة الروائية العربية الكبرى، مدرسة نجيب محفوظ، الذي تمتلئ رواياته بأوصاف المكان، حتى يمكن أن يشعر القارئ بزيارته لتلك الأحياء عبر وصف نجيب محفوظ، إن الاحتفاء الذي يتوج وصف المكان في هذه الرواية نابع من مشاعر المؤلفة تجاه مدينتها، من حبها واعتزازها، وتعلقها بها( 2)، ومثل لوحات الدلالة التي توضع على الطريق بين المدن والأحياء السكنية، فإن فصول الرواية تكللت بعناوين مكانية: “كفر حمرا – ريف حلب”، ثم: “حي الهلك – حلب”، ويتكرر هذا العنوان لعدد من الفصول بوساطة اختلافات في التواريخ المضافة اليه، التواريخ التي لا تحتاج اليها الرواية.
وقبل مغادرة بطلة الرواية الدكتورة هند، والطبيبة والروائية المستقبلية درية شريف، وعدد من أفراد العائلة، قبل مغادرتهم حلب، ستنتهي الرواية “انتهت الرواية، درية شريف، لندن – أيلول 2015″، قبل دخول مكان آخر فيها(3)، أو في عناوينها، فالدخول الأول هو السابق، ثم يأتي العنوان “لندن – خريف 2015” في ملحق توضيحي عن شؤون كتابة الرواية؛ لتبقَ الرواية مخصصة بحلب، وحي الهلك!
قد لا تكون نسبة وصف المكان في (حي الدهشة) عالية، وقد لا تكون بدقة الوصف المحفوظي، لكنه – على الرغم من تلك الملاحظة – ظاهر “كان للحارة شارعان، واحد رئيسي يمر أمام الساحة التي يقع محل الحدادة في طرفها الشمالي مقابل الباب الأول لمحل أبي فؤاد، والشارع الآخر يتفرع عن الأول من الطرف الأيمن للمحل”، ويستمر الوصف، في المشهد عينه، ربما لدرء تهمة نسبته القليلة، “وفيه باب فرعي، وفيه أيضا مدخل البناء الذي تسكن فيه عائلة فؤاد. تحيط بالساحة من الجانب الأيمن بناية اشترت الدكتورة هند إحدى شققها، أما من الجانب الأيسر فهناك طريق ملتوٍ يبدأ من أمام بيت عماد كعك جي، ويمر من أمام بناية شريف وأهله، ثم يلف الى الحارة الخلفية التي يقع فيها محل عماد”.
وهذه الحارة هي المكان الرئيس للرواية، بوجود حركات لشخصيات الرواية وانتقالات، الى “سوق العزيزية”، والى أحياء سكنية أخرى، بعضها في لبنان، وفي هذه الحركة وهذا الانتقال ثمة مشاعر معينة تربط الشخصية بهذا المكان “تمنت لو أن الطريق الى بيتها في حي الشهباء لا ينتهي”( 4).
وتمر الرواية قليلا بمناطق ريف حلب، لتصف الطبيعة، لكنها ستمر عبر المكان الذي تمركز في ذهن هند، وجعلها تتخذ قرارا سيؤثر في كثير من تفاصيل حياتها، ستمر بحي الهلك، وتصف البيت الذي تسكن فيه مربيتها، وبدقة أكثر تسكن المربية في واحدة من غرفه، لأن البيت يؤجر كغرف على فقراء الناس “كان البيت الغرفة جميلا… بتحمم هون.. أشارت زلوخ الى العتبة… المرحاض المشترك، كان بابه خشبيا نصف مغلق”، هذه الغرفة – ومربيتها والمكان الذي تسكن فيه – هي التي جعلتها تهتم بالناس الذين يعيشون هنا “في ذلك اليوم دخلت حي الهلك، لأول مرة في حياتي، ووقعت في غرام الحارة”، لتتخذه موقعا لعيادتها وممارسة اختصاصها الطبي.
يمكن تعليل الاهتمام بالمكان في الرواية – وفي الشعر أيضا – بمشاعر المؤلف تجاه المكان، فيبدو أن هذا الاحتفاء والوصف الدقيق، الذي يجعل القارئ ساكنا في ذلك المكان، والذي هو أحد أعمدة المدرسة الروائية العربية الكبرى، مدرسة نجيب محفوظ، الذي تمتلئ رواياته بأوصاف المكان، حتى يمكن أن يشعر القارئ بزيارته لتلك الأحياء عبر وصف نجيب محفوظ، إن الاحتفاء الذي يتوج وصف المكان في هذه الرواية نابع من مشاعر المؤلفة تجاه مدينتها، من حبها واعتزازها، وتعلقها بها( 2)، ومثل لوحات الدلالة التي توضع على الطريق بين المدن والأحياء السكنية، فإن فصول الرواية تكللت بعناوين مكانية: “كفر حمرا – ريف حلب”، ثم: “حي الهلك – حلب”، ويتكرر هذا العنوان لعدد من الفصول بوساطة اختلافات في التواريخ المضافة اليه، التواريخ التي لا تحتاج اليها الرواية.
وقبل مغادرة بطلة الرواية الدكتورة هند، والطبيبة والروائية المستقبلية درية شريف، وعدد من أفراد العائلة، قبل مغادرتهم حلب، ستنتهي الرواية “انتهت الرواية، درية شريف، لندن – أيلول 2015″، قبل دخول مكان آخر فيها(3)، أو في عناوينها، فالدخول الأول هو السابق، ثم يأتي العنوان “لندن – خريف 2015” في ملحق توضيحي عن شؤون كتابة الرواية؛ لتبقَ الرواية مخصصة بحلب، وحي الهلك!
قد لا تكون نسبة وصف المكان في (حي الدهشة) عالية، وقد لا تكون بدقة الوصف المحفوظي، لكنه – على الرغم من تلك الملاحظة – ظاهر “كان للحارة شارعان، واحد رئيسي يمر أمام الساحة التي يقع محل الحدادة في طرفها الشمالي مقابل الباب الأول لمحل أبي فؤاد، والشارع الآخر يتفرع عن الأول من الطرف الأيمن للمحل”، ويستمر الوصف، في المشهد عينه، ربما لدرء تهمة نسبته القليلة، “وفيه باب فرعي، وفيه أيضا مدخل البناء الذي تسكن فيه عائلة فؤاد. تحيط بالساحة من الجانب الأيمن بناية اشترت الدكتورة هند إحدى شققها، أما من الجانب الأيسر فهناك طريق ملتوٍ يبدأ من أمام بيت عماد كعك جي، ويمر من أمام بناية شريف وأهله، ثم يلف الى الحارة الخلفية التي يقع فيها محل عماد”.
وهذه الحارة هي المكان الرئيس للرواية، بوجود حركات لشخصيات الرواية وانتقالات، الى “سوق العزيزية”، والى أحياء سكنية أخرى، بعضها في لبنان، وفي هذه الحركة وهذا الانتقال ثمة مشاعر معينة تربط الشخصية بهذا المكان “تمنت لو أن الطريق الى بيتها في حي الشهباء لا ينتهي”( 4).
وتمر الرواية قليلا بمناطق ريف حلب، لتصف الطبيعة، لكنها ستمر عبر المكان الذي تمركز في ذهن هند، وجعلها تتخذ قرارا سيؤثر في كثير من تفاصيل حياتها، ستمر بحي الهلك، وتصف البيت الذي تسكن فيه مربيتها، وبدقة أكثر تسكن المربية في واحدة من غرفه، لأن البيت يؤجر كغرف على فقراء الناس “كان البيت الغرفة جميلا… بتحمم هون.. أشارت زلوخ الى العتبة… المرحاض المشترك، كان بابه خشبيا نصف مغلق”، هذه الغرفة – ومربيتها والمكان الذي تسكن فيه – هي التي جعلتها تهتم بالناس الذين يعيشون هنا “في ذلك اليوم دخلت حي الهلك، لأول مرة في حياتي، ووقعت في غرام الحارة”، لتتخذه موقعا لعيادتها وممارسة اختصاصها الطبي.
شعرية اللغة.. وشاعريتها
لا يمكن تجاهل العلاقة بين اللغة والمكان أبدا، فلكل مجموعة بشرية تسكن في مكان ما لغتها الخاصة، حتى لو كانت من لغة واحدة، فسكان مدينة القاهرة – مثلا – يختلفون في حكيهم عن سكان الاسندرية أو الصعيد، والإحساس بهذه اللغة – التي تسمى لهجة – مجاور للإحساس بالمكان، وقد عملت رؤية ما على إقصاء اللغات المحلية من الرواية العربية لمدة طويلة وعدد كبير من الروايات، إلا أنها بقيت متواجدة بشكل أو آخر، أو بكم محدود، وهنا، في (حي الدهشة) تتسلل المفردات عبر أسماء بعض الشخصيات، بخصوصية المحلية أو التحبيب، وبعض المأكولات “علكة الشكلش”، أو أسماء لأشياء أخرى، منها: “امتحانات البروفيه”، أو “خيال الزرقا” التي هي أغنية لسميرة توفيق، وأحيانا في حوارات بعض الشخصيات “قلبي بيعضني لما بتغيب، والدنيا بتضيق بوجهي”، أو في حوار يكشف عن مصطلح محلي “كندرتي.. وقعت كندرتي”، وربما كانت له النسبة الأكبر في حكي الشخصيات.
لا يمكن تجاهل العلاقة بين اللغة والمكان أبدا، فلكل مجموعة بشرية تسكن في مكان ما لغتها الخاصة، حتى لو كانت من لغة واحدة، فسكان مدينة القاهرة – مثلا – يختلفون في حكيهم عن سكان الاسندرية أو الصعيد، والإحساس بهذه اللغة – التي تسمى لهجة – مجاور للإحساس بالمكان، وقد عملت رؤية ما على إقصاء اللغات المحلية من الرواية العربية لمدة طويلة وعدد كبير من الروايات، إلا أنها بقيت متواجدة بشكل أو آخر، أو بكم محدود، وهنا، في (حي الدهشة) تتسلل المفردات عبر أسماء بعض الشخصيات، بخصوصية المحلية أو التحبيب، وبعض المأكولات “علكة الشكلش”، أو أسماء لأشياء أخرى، منها: “امتحانات البروفيه”، أو “خيال الزرقا” التي هي أغنية لسميرة توفيق، وأحيانا في حوارات بعض الشخصيات “قلبي بيعضني لما بتغيب، والدنيا بتضيق بوجهي”، أو في حوار يكشف عن مصطلح محلي “كندرتي.. وقعت كندرتي”، وربما كانت له النسبة الأكبر في حكي الشخصيات.
قصص الحب الجميلة
هذا عنوان إحدى أغاني الفنانة المتميزة نجاة الصغيرة، صوت الحب، حلبية الأصل، وهذه صفة لبعض التفاصيل في روايات (مها حسن)، التي يمكن اعتبارها تحتوي على قصص حب، ويمكن اعتبار (مها حسن) واحدة من الروائيات اللاتي يتمكن من كتابة قصص حب جميلة ومدهشة، بغض النظر عن التفاصيل التي قد يكمن الشيطان فيها.
كان مستهل الرواية قصة، قصة حب غريبة، نادرة، يصعب على العقل تصديقها، لكنها يمكن أن تحدث، فضلا عن مدى تأثيرها على مشاعر المتلقي، الذي قد لا يكتفي بوصف الرواية بأنها مدهشة، بل يضيف: إنها تقطع القلب، قصة الحب التي افتتحت الرواية مقطوعة عن كثير من تفاصيل الرواية، لكنها ليست منقطعة تماما، إذ بوساطة صلات القرابة بين شخصيات الرواية سيتمكن القارئ من اكتشاف العلاقة بين قصة مستهل الرواية، وبين تفاصلي ستأتي ربما بعد أكثر من مائة صفحة.
ستبدأ القصة بالمرأة، بالأنثى، العاشقة، وبغرامها بالماء واهتمامها بسقي الحدائق، لترسم لوحة من وجه حسن وماء وخضراء، اسم المرأة سميرة، وهي زوجة ابن عمها عبد الغني، الذي عشقته طيلة حياته، وماتت بسبب عشقه!!
وفي تفاصيل الحكاية سيعرف القارئ أن سميرة تسمع صوت محرك سيارة زوجها، السائق على طريق حلب – بيروت، تسمع صوت محرك السيارة قبل وصولها الى مدخل الحارة، وفي مرة لم تسمع، وفاجأها زوجها وهي تهتم بسقي مزروعاتها وتغني يا خيال الزرقا، فسألها لاحقا “مين خيال الزرقا”، متهما إياها، ومكررا شكه أكثر من مرة “حسيت في حدا براسك، حدا تاني غيري”، فلم تحتمل هذا الشك.. لتنام ولن تستيقظ.
وستترك الرواية زوج سميرة وابنها حسين، لتنتقل مهتمةً بالطبيبة النسائية هند، اهتماما صنع من هذه الشخصية الروائية نموذجا مثاليا للمرأة، أو للإنسان، ربما تشوبه بعض المبالغة، فهي فراشة، وهي تشبه هند رستم، بل أجمل منها، وهي مصنوعة من ندف الثلج الأبيض، فتتمتع نساء (حي الهلك) بالنظر اليها، هي الملاك الذي أنقذ أم شريف، وهي أكثر من ذلك، فقد رأتها إحدى جاراتها مغرورة وترى نفسها ملاكا أو نبية، معبرة عن كرهها لها ولنموذجها، هذا الكره قد يحسب لصالح بناء الشخصية، إذ لا يمكن أن ينال واحد من الناس رضا الناس كلهم.
ستعيش الدكتور قصة حب فريدة مع شريف، جارها الحداد، المتزوج، ولديه ولد وبنت، الطرفان يشعران بالحب تجاه بعضهما، ويعيشان علاقة قوية، لا هي بالصداقة ولا الأخوة ولا الحب، علاقة تجمع الأصناف الثلاثة، على مرأى ومسمع أمه وأخواته وأهل الحارة، مما يثير غيرة زوجته، ولن تنتهي هذه القصة إلا بنهاية مأساوية، إذ إن شريف يعيش قصة حب أخرى، ومن نوع آخر، هو حب عبثي، على الرغم من عمره وزواجه وأولاده، مع فتاة لعوب اسمها سعاد، المخطوبة لابن عمها ادريس، الذي سيقتل شريف بعد ضبطه مع سعاد، إثر وشاية حسين.
وفي الرواية قصة حب أخرى – أو أكثر – فيها بعض التفاصيل المرضية، ولم تهتم الرواية كثيرا بحكي مشاهدها، هي قصة حب فؤاد، أخي سعاد، لنجوى أخت شريف، التي ستهجر زوجها، أو تتطلق منه؛ بحجة انه ابن عم قاتل زوجها(5 ).
هذا عنوان إحدى أغاني الفنانة المتميزة نجاة الصغيرة، صوت الحب، حلبية الأصل، وهذه صفة لبعض التفاصيل في روايات (مها حسن)، التي يمكن اعتبارها تحتوي على قصص حب، ويمكن اعتبار (مها حسن) واحدة من الروائيات اللاتي يتمكن من كتابة قصص حب جميلة ومدهشة، بغض النظر عن التفاصيل التي قد يكمن الشيطان فيها.
كان مستهل الرواية قصة، قصة حب غريبة، نادرة، يصعب على العقل تصديقها، لكنها يمكن أن تحدث، فضلا عن مدى تأثيرها على مشاعر المتلقي، الذي قد لا يكتفي بوصف الرواية بأنها مدهشة، بل يضيف: إنها تقطع القلب، قصة الحب التي افتتحت الرواية مقطوعة عن كثير من تفاصيل الرواية، لكنها ليست منقطعة تماما، إذ بوساطة صلات القرابة بين شخصيات الرواية سيتمكن القارئ من اكتشاف العلاقة بين قصة مستهل الرواية، وبين تفاصلي ستأتي ربما بعد أكثر من مائة صفحة.
ستبدأ القصة بالمرأة، بالأنثى، العاشقة، وبغرامها بالماء واهتمامها بسقي الحدائق، لترسم لوحة من وجه حسن وماء وخضراء، اسم المرأة سميرة، وهي زوجة ابن عمها عبد الغني، الذي عشقته طيلة حياته، وماتت بسبب عشقه!!
وفي تفاصيل الحكاية سيعرف القارئ أن سميرة تسمع صوت محرك سيارة زوجها، السائق على طريق حلب – بيروت، تسمع صوت محرك السيارة قبل وصولها الى مدخل الحارة، وفي مرة لم تسمع، وفاجأها زوجها وهي تهتم بسقي مزروعاتها وتغني يا خيال الزرقا، فسألها لاحقا “مين خيال الزرقا”، متهما إياها، ومكررا شكه أكثر من مرة “حسيت في حدا براسك، حدا تاني غيري”، فلم تحتمل هذا الشك.. لتنام ولن تستيقظ.
وستترك الرواية زوج سميرة وابنها حسين، لتنتقل مهتمةً بالطبيبة النسائية هند، اهتماما صنع من هذه الشخصية الروائية نموذجا مثاليا للمرأة، أو للإنسان، ربما تشوبه بعض المبالغة، فهي فراشة، وهي تشبه هند رستم، بل أجمل منها، وهي مصنوعة من ندف الثلج الأبيض، فتتمتع نساء (حي الهلك) بالنظر اليها، هي الملاك الذي أنقذ أم شريف، وهي أكثر من ذلك، فقد رأتها إحدى جاراتها مغرورة وترى نفسها ملاكا أو نبية، معبرة عن كرهها لها ولنموذجها، هذا الكره قد يحسب لصالح بناء الشخصية، إذ لا يمكن أن ينال واحد من الناس رضا الناس كلهم.
ستعيش الدكتور قصة حب فريدة مع شريف، جارها الحداد، المتزوج، ولديه ولد وبنت، الطرفان يشعران بالحب تجاه بعضهما، ويعيشان علاقة قوية، لا هي بالصداقة ولا الأخوة ولا الحب، علاقة تجمع الأصناف الثلاثة، على مرأى ومسمع أمه وأخواته وأهل الحارة، مما يثير غيرة زوجته، ولن تنتهي هذه القصة إلا بنهاية مأساوية، إذ إن شريف يعيش قصة حب أخرى، ومن نوع آخر، هو حب عبثي، على الرغم من عمره وزواجه وأولاده، مع فتاة لعوب اسمها سعاد، المخطوبة لابن عمها ادريس، الذي سيقتل شريف بعد ضبطه مع سعاد، إثر وشاية حسين.
وفي الرواية قصة حب أخرى – أو أكثر – فيها بعض التفاصيل المرضية، ولم تهتم الرواية كثيرا بحكي مشاهدها، هي قصة حب فؤاد، أخي سعاد، لنجوى أخت شريف، التي ستهجر زوجها، أو تتطلق منه؛ بحجة انه ابن عم قاتل زوجها(5 ).
إشكاليات شخصية حسين
انقطع الحكي( 6) عن قصة سميرة وابن عمها وحبيبها وزوجها عبد الغني وابنها حسين، بعد استهلالها للرواية عبر صفحات سبع، انتهت بالصفحة (11) من الرواية، حسب عداد برنامج (بي دي اف)؛ إذ خلت الرواية من أرقام صفحات، ثم تمر بالقارئ شخصية حسين، الذي عمل في ورشة شريف للحدادة، في الصفحة (30)، وإشارة الى كون “أبو فؤاد زوج عمة حسين”، مؤكدة بأنه – الذي سيتناقض مع الأمر الأكثر صدمة في الرواية – وقف مع معلمه شريف في الشجار الذي وقع بينه وبين زوج عمة حسين، مما زاد في ثقة شريف به، وكان حسين يشعر صوب عائلة شريف بالانتماء والولاء، حسب الرواية، لتغيب هذه الشخصية – مرة أخرى – أكثر من مائة صفحة، وتظهر بصورة أخرى، من خلال سعاد، التي ذهبت لحضور إجراءات دفن خالها عبد الغني، وبعد تفاصيل تزيد في درامية الرواية، وتقوي حبكتها، وبعد الانقطاع الذي استغرق حوالي (140) صفحة، قد لا يتذكر القارئ أن عبد الغني هو والد حسين، ولم تشر الرواية عبر هذه الصفحات كلها بوضوح( 7) الى أن حسين الذي يعمل في ورشة شريف، هو ابن عبد الغني الذي هو خال فؤاد وسعاد، التي سترتبط بعلاقة حب مع ابن خالها حسين الذي يصغرها بعشر سنين، أو انه هو الذي سيحبها، وسيصرح – وهو في السادسة من عمره – بأن سعاد هي زوجته حين يكبر، ويصارحها بالحب، ويطلب منها أن تعده بالزواج وهو تلميذ في الابتدائية، وقد لا تمكن هذه الخطوط الضعيفة القارئ من رسم صورة دقيقة لشخصية حسين وانتسابه، فضلا عن أن لحسين، وقصة حبه أيضا، تكملات مهمة، مهمة جدا، الى حدّ قد يثير حكم بعض القراء بأن شخصية حسين هي الأنذل في الرواية، لأنها المخالفة لوصية دوستويفسكي، أهم روائي في العالم: حذارِ حذارِ فإن قتل الأب أكبر جريمة في التاريخ، الجريمة التي حصلت في رواية (الإخوة كارامازوف) لا في رواية (الجريمة والعقاب)، الموجود عنوانها على غلاف الرواية والإشارة الى بطلها وقتله للمرأة العجوز في متن الرواية، فحسين سيقتل أباه، حاكما عليه بذلك الحكم لأنه تسبب في موت أمه، حسب رأيه، واتهمه بما سبق لكي يتزوج من أخرى، ثم سيرتكب جريمة أخرى، تتميز بالنذالة والخسة والخيانة، خيانة الأمانة والعهد، وخيانة الخبز والملح، إذ سيشي بشريف ليقتله ادريس، طمعا في سعاد، ولمبرر آخر واه، هو: “كانت دوافعه نبيلة”، والغريب أن يأتي المبرر من بنت المقتول بوشاية حسين، وهي ستنتبه لهذا وستبرره بأشياء أخرى ضعيفة، لن تتخلص من التناقض مع رؤية دوستويفسكي في تأليف الرواية، فضلا عن رؤيته العظيمة لجريمة قتل الأب، قد يرى بعض القراء أن الإنسانية هنا ليست كذلك، فالإنسانية التي تقوم على الرحمة والتسامح لا تلغي القانون، ولا يمكن أن تسمح بالقتل، أو لا تعتبره جريمة، فضلا عن جريمة قتل الأب!! إن هذا التناقض سيشفع بتعاطف الرواية، التي ستسمح لقاتل أبيه برعاية أخيه من زوجة أبيه، ورعايتها هي أيضا! قد يكون هذا تناقضا غير مقنع، على الرغم من احتواء الحياة على نماذج إنسانية وحالات كثيرة متناقضة، لكن تعاطف الرواية معه غير قابل للاختفاء( 8)، إذ تصفه مرة بـ “أشرق وجهه بطفولة مليئة بالبراءة”، وهو الذي قتل أباه، وربّ عمله، بدون أن يرتكبا أي ذنب بحقه!! هل القاتل بريء؟
وحسين لا يشبه( 9) راسكولينكوف – الذي قتل المرأة العجوز صاحبة النزل والمرابية – في تفصيلة القتل المهمة هذه، فالتمثيل برواية (الجريمة والعقاب) وبشخصية بطلها أعلاه، بعيد عن حادثة قتل حسين لأبيه، المشابهة للجريمة التي حصلت في رواية (الإخوة كارامازوف) إذ قتل سميردياكوف أباه، بغض النظر عن الأسباب المتفاوتة في الروايتين، إلا في مبرر المشاعر المختلفة بين حسين وراسكولينكوف، الاختلاف في أن الأول يعذبه ضميره لعدم قتله لأبيه وشريف، والثاني يعذبه ضميره لأنه قتل أباه!!
انقطع الحكي( 6) عن قصة سميرة وابن عمها وحبيبها وزوجها عبد الغني وابنها حسين، بعد استهلالها للرواية عبر صفحات سبع، انتهت بالصفحة (11) من الرواية، حسب عداد برنامج (بي دي اف)؛ إذ خلت الرواية من أرقام صفحات، ثم تمر بالقارئ شخصية حسين، الذي عمل في ورشة شريف للحدادة، في الصفحة (30)، وإشارة الى كون “أبو فؤاد زوج عمة حسين”، مؤكدة بأنه – الذي سيتناقض مع الأمر الأكثر صدمة في الرواية – وقف مع معلمه شريف في الشجار الذي وقع بينه وبين زوج عمة حسين، مما زاد في ثقة شريف به، وكان حسين يشعر صوب عائلة شريف بالانتماء والولاء، حسب الرواية، لتغيب هذه الشخصية – مرة أخرى – أكثر من مائة صفحة، وتظهر بصورة أخرى، من خلال سعاد، التي ذهبت لحضور إجراءات دفن خالها عبد الغني، وبعد تفاصيل تزيد في درامية الرواية، وتقوي حبكتها، وبعد الانقطاع الذي استغرق حوالي (140) صفحة، قد لا يتذكر القارئ أن عبد الغني هو والد حسين، ولم تشر الرواية عبر هذه الصفحات كلها بوضوح( 7) الى أن حسين الذي يعمل في ورشة شريف، هو ابن عبد الغني الذي هو خال فؤاد وسعاد، التي سترتبط بعلاقة حب مع ابن خالها حسين الذي يصغرها بعشر سنين، أو انه هو الذي سيحبها، وسيصرح – وهو في السادسة من عمره – بأن سعاد هي زوجته حين يكبر، ويصارحها بالحب، ويطلب منها أن تعده بالزواج وهو تلميذ في الابتدائية، وقد لا تمكن هذه الخطوط الضعيفة القارئ من رسم صورة دقيقة لشخصية حسين وانتسابه، فضلا عن أن لحسين، وقصة حبه أيضا، تكملات مهمة، مهمة جدا، الى حدّ قد يثير حكم بعض القراء بأن شخصية حسين هي الأنذل في الرواية، لأنها المخالفة لوصية دوستويفسكي، أهم روائي في العالم: حذارِ حذارِ فإن قتل الأب أكبر جريمة في التاريخ، الجريمة التي حصلت في رواية (الإخوة كارامازوف) لا في رواية (الجريمة والعقاب)، الموجود عنوانها على غلاف الرواية والإشارة الى بطلها وقتله للمرأة العجوز في متن الرواية، فحسين سيقتل أباه، حاكما عليه بذلك الحكم لأنه تسبب في موت أمه، حسب رأيه، واتهمه بما سبق لكي يتزوج من أخرى، ثم سيرتكب جريمة أخرى، تتميز بالنذالة والخسة والخيانة، خيانة الأمانة والعهد، وخيانة الخبز والملح، إذ سيشي بشريف ليقتله ادريس، طمعا في سعاد، ولمبرر آخر واه، هو: “كانت دوافعه نبيلة”، والغريب أن يأتي المبرر من بنت المقتول بوشاية حسين، وهي ستنتبه لهذا وستبرره بأشياء أخرى ضعيفة، لن تتخلص من التناقض مع رؤية دوستويفسكي في تأليف الرواية، فضلا عن رؤيته العظيمة لجريمة قتل الأب، قد يرى بعض القراء أن الإنسانية هنا ليست كذلك، فالإنسانية التي تقوم على الرحمة والتسامح لا تلغي القانون، ولا يمكن أن تسمح بالقتل، أو لا تعتبره جريمة، فضلا عن جريمة قتل الأب!! إن هذا التناقض سيشفع بتعاطف الرواية، التي ستسمح لقاتل أبيه برعاية أخيه من زوجة أبيه، ورعايتها هي أيضا! قد يكون هذا تناقضا غير مقنع، على الرغم من احتواء الحياة على نماذج إنسانية وحالات كثيرة متناقضة، لكن تعاطف الرواية معه غير قابل للاختفاء( 8)، إذ تصفه مرة بـ “أشرق وجهه بطفولة مليئة بالبراءة”، وهو الذي قتل أباه، وربّ عمله، بدون أن يرتكبا أي ذنب بحقه!! هل القاتل بريء؟
وحسين لا يشبه( 9) راسكولينكوف – الذي قتل المرأة العجوز صاحبة النزل والمرابية – في تفصيلة القتل المهمة هذه، فالتمثيل برواية (الجريمة والعقاب) وبشخصية بطلها أعلاه، بعيد عن حادثة قتل حسين لأبيه، المشابهة للجريمة التي حصلت في رواية (الإخوة كارامازوف) إذ قتل سميردياكوف أباه، بغض النظر عن الأسباب المتفاوتة في الروايتين، إلا في مبرر المشاعر المختلفة بين حسين وراسكولينكوف، الاختلاف في أن الأول يعذبه ضميره لعدم قتله لأبيه وشريف، والثاني يعذبه ضميره لأنه قتل أباه!!
حي الدهشة وعناوين الروايات
القارئ لهذه الرواية، والمطلع سابقا على روايات أخرى، أو المتخصص في قراءة الروايات، سيجد ما يمكن أن يعتبر تدخلا مباشرا للمؤلفة في متن روايتها، سيكتشف تأثيرها المباشر، ببث اهتماماتها في الرواية، عبر وجود عناوين لكثير من الروايات العربية – ليس فيها عراقية – والعالمية، استخدمت عناوين جانبية في الفصول الرئيسة، لتشكل ثريا نص، بوساطة علاقة العنوان – المقتبس- بالنص، هكذا سيشمت بعض القراء إذ يقولون لا تستطيع المؤلفة أن تخفي ذاتها، فهي روائية وتعشق قراءة الروايات، وربما سيفكر أحد قراء الرواية بوضع ببلوغرافيا للروايات وأسماء مؤلفيها في ما سيكتبه عن الرواية، لكنه سيفاجأ بوجود ثبت بعناوين الروايات “المستخدمة عناوين فرعية وأسماء مؤلفيها” في نهاية الرواية، وستثبت المؤلفة أنها أذكى من الوقوع في مطب لا يليق إلا بروائيين مبتدئين، إذ ستخلق شخصية فتاة تحب الكتابة والقراءة، وستستعين بالدكتورة هند للذهاب الى المكتبات العامة والخاصة، والى إرشادها الى الكتب والروايات، بل إنها ستقدم لها دفترا يحتوي على مذكراتها، التي كتبتها متأثرة بكتاب (أوراق حياتي) لنوال السعداوي، وستخلق لعبة فنية، لها أكثر من دلالة، واستعانت بها المؤلفة وقاية من اعتراضات على الرواية(10 )، هي لعبة الدهشة، وقد تكون اللعبة الأم في الرواية، أو هي واحدة من: .. .
القارئ لهذه الرواية، والمطلع سابقا على روايات أخرى، أو المتخصص في قراءة الروايات، سيجد ما يمكن أن يعتبر تدخلا مباشرا للمؤلفة في متن روايتها، سيكتشف تأثيرها المباشر، ببث اهتماماتها في الرواية، عبر وجود عناوين لكثير من الروايات العربية – ليس فيها عراقية – والعالمية، استخدمت عناوين جانبية في الفصول الرئيسة، لتشكل ثريا نص، بوساطة علاقة العنوان – المقتبس- بالنص، هكذا سيشمت بعض القراء إذ يقولون لا تستطيع المؤلفة أن تخفي ذاتها، فهي روائية وتعشق قراءة الروايات، وربما سيفكر أحد قراء الرواية بوضع ببلوغرافيا للروايات وأسماء مؤلفيها في ما سيكتبه عن الرواية، لكنه سيفاجأ بوجود ثبت بعناوين الروايات “المستخدمة عناوين فرعية وأسماء مؤلفيها” في نهاية الرواية، وستثبت المؤلفة أنها أذكى من الوقوع في مطب لا يليق إلا بروائيين مبتدئين، إذ ستخلق شخصية فتاة تحب الكتابة والقراءة، وستستعين بالدكتورة هند للذهاب الى المكتبات العامة والخاصة، والى إرشادها الى الكتب والروايات، بل إنها ستقدم لها دفترا يحتوي على مذكراتها، التي كتبتها متأثرة بكتاب (أوراق حياتي) لنوال السعداوي، وستخلق لعبة فنية، لها أكثر من دلالة، واستعانت بها المؤلفة وقاية من اعتراضات على الرواية(10 )، هي لعبة الدهشة، وقد تكون اللعبة الأم في الرواية، أو هي واحدة من: .. .
اللعبات في الرواية
الدخول المتجزئ لحسين في الرواية هو إحدى لعباتها، وبوساطة حسين ستقدم الرواية الجزء الأخير من أحد مشاهدها: “تابع حسين الدكتورة بعينيه، ورأى تلك الدمعة تنزل رغما عنها” (ص223)، إذ تبدو كلمة (تلك) أداة تعريف، أي إن حسين يعرف دمعة الدكتورة هند، من أين يعرفها؟ قد تكون ذاكرة القارئ قوية لتعود الى أكثر من (200) صفحة، ليقرأ “رأى نظرة الحزن والدمعة الممنوعة من الخروج” (ص10)، وفاعل رأى هو حسين نفسه، لكن الدمعة – المعرّفة بتلك – لا تبدو نفسها – إلا في اللغة – لأنها هنا ممنوعة من الخروج، وهناك نزلت!
مسار الرواية غالبا ما اتخذ التسلسل الزمني المنطقي، منذ طفولة حسين، ودراسة هند لتخصصها، لكن المعلومات، أو أجزاء الصورة ستحضر غالبا بطريقة التقسيط، والتوزيع عبر فصول متعددة، وقد تحتوي الفصول على بعض الاسترجاعات، التي قد لا تلفت الانتباه، لأن الرواية لم تركّز عليها فنيا، وقد يكون أحد الفصول أقدم زمنيا من الفصل السابق، أو متأخرا مثل الجزء المعنون بـ (المحاكمة) من الفصل المعنون بـ (حي بطينا وطى المصيطبه – بيروت أعوام 2006- 2009)، وهي حالات قليلة، فقد اعتمدت الرواية مسار الساعة، بمحور رئيس هو حياة هند، إذ يمكن اعتبار (حي الدهشة) رواية هند، البعيدة عن المؤلفة، حتى لا تستمر الاتهامات لها بأنها تكتب سيرتها الذاتية، وبمحور – بوجود محاور أخرى، طبعا – مساعد، موازٍ، لكنه صغير، لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالمحور الرئيس، هو محور حسين، الذي بدأت الرواية بفصل قصة الحب بين أمه وأبيه، والوفاة التراجيدية لأمه.
لكن اللعبة الأهم في الرواية هي ما تم الكشف عنها في نهايتها، بطريقتين، الأولى هي: التذييل التوضيحي الذي أعلن انتهاء( 11) الرواية: “انتهت الرواية”، متبوعا باسم: درية شريف، وذلك يعني أنها هي مؤلفة الرواية، ودرية هي ابنة شريف الحداد، وهي شخصية في الرواية، كانت تهوى القراءة والكتابة وتحلم بأن تكون طبيبة وكاتبة مثل الدكتورة نوال السعداوي، فضلا عن مكان وتاريخ “لندن – أيلول 2015” كتابة الرواية، ولكن الرواية لم تنتهِ بالفعل، فثمة فصل قصير آخر معنون بـ: “رسالة الناشر: هذه ليست رواية”، وهو عنوان مركب من جزأين، يمكن إحالتهما الى شخص واحد، هو المؤلفة درية شريف، التي لا تمتلك الأسباب المقنعة لإضافة هذه الرسالة الى الرواية، حسب ما جاء في الرواية، ويمكن إحالتهما الى شخصين، فـ (رسالة الناشر) هو عنوان المؤلفة درية شريف، ثم جملة: هذه ليست رواية، المستلة من متن الرسالة، هي رأي لجنة القراءة في دار النشر، التي ربما كانت عنوان رسالة الناشر.
الفصل الأخير في الرواية سيؤدي دور كشف أسرار هذه اللعبة، مقللا من أهميتها، ومحاولا هدم أسسها، وإعادة الرواية الى مؤلفتها الحقيقة؛ للأسباب:
1. عنوان الفصل من نسق عنوانات الفصول السابقة كلها.
2. الحكي بصيغة ضمير الغائب عن المؤلفة المزعومة درية شريف.
3. يكشف هذا الفصل عن آليات تأليف الرواية، وعن الأفكار التي راودت المؤلفة، والتخطيط للتأليف.
4. وسيكشف أيضا عن علاقة الرواية بالمؤلفة المفترضة في ظروف الحرب، ودور الرواية الايجابي في حياة المؤلفة.
5. فضلا عن أسماء الروائيين الذين ذكرتهم، ستشير الى أن فرانسواز ساغان هي التي دفعتها الى فكرة كتابة هذه الرواية، فقد نشرت أولى رواياتها في سن درية الأخيرة.
6. مثل الفصول الأخرى، سيحتوي هذا الفصل على عنوان جانبي، فيه قصة أو توضيح، مكتوب بضمير المتكلم، ومعنون بإسم حميمي “ملف شخصي: انفعالات”، وسبق أن احتوى الفصل الأم على توضيح لهذا الجزء: “عادت درية الى ملف روايتها، وراحت تدون لنفسها الفصل الذي لن تنشره، والذي سيبقى في مذكراتها”، لكنها – كانسان متناقض، ومتقلب، يغير رأيه متى يشاء – ستضيف: “إمكانية نشره كملحق للرواية”.
فاذا اقتنع القارئ بأن الرواية كتبتها إحدى شخصياتها، والتي هي شخصية حقيقية دخلت الى الرواية من باب المذكرات، التي تسببت بوجود التواريخ، لتجعل من الرواية رواية مذكرات، واذا اعتبر وجود رسالة الناشر ملحقا متفقا عليه بين المؤلفة – المفترضة – والناشر، فما هو سبب وجود الفصل التوضيحي المكتوب بضمير الغائب؟؟!! بل من كتبه؟؟! فضلا عن احتوائه على تتمات بعض قصص الرواية، هذا الفصل سيعيد الرواية الى الرحم الذي أنجبها، وسيمنحها بطاقة هوية دقيقة.
وبغض النظر عن مدى الإقناع، والاقتناع الذي سيختلف من قارئ الى آخر، ستبقى تلك الإحالة لعبة، لن تنتهي الرواية بها، إذ ستنوجد فصول أخرى، أو أجزاء من فصول، ليست منفصلة عن سياق متن الرواية، وحتى الجزء المعنون بـ “ملف شخصي: انفعالات” هو كذلك، لاحتوائه على تتمات لقصص الرواية، قصة حسين مثلا، ويأتي جزء آخر، معنون بعنوان رواية سابقة، فيه تتمة للرواية.
هذه لعبات، قد يختلف القارئ مع المؤلفة في موقعها على خارطة الرواية، أو أساليب تقديمها، وبغض النظر عن اختلاف القارئ مع المؤلفة باعتبار ما ورد بعد جملة (انتهت الرواية) جزء منها، فإنها ألعاب أولا، وثانيا تضفي جماليات أخرى على الرواية.
وفي الفصل الملصق بالرواية والمعنون بـ (رسالة الناشر) لمحة بسيطة من حكي الرواية عن نفسها، من جنس الرواية داخل رواية(12 )، والفصل الذي يليه والمعنون بـ (لندن – خريف عام 2015) هو فصل تشكيلي، أي يحتوي على أكثر من جنس سردي، بوجود راوٍ الخارجي، وآخر داخلي، في أجزاء معنونة بعناوين روايات، وفي الفصل توضيحات عن الرواية ومؤلفتها درية، وتوضيح بأن ما جاء بعد إشارة النهاية هو ملحق بالرواية، يحتوي على نهايات بعض القصص التي تركت بدون نهاية، أهمها قصة درية شريف، التي ذهبت الى بريطانيا للدراسة، مع الدكتورة هند، ولحقت بهما بعد الحصول على اللجوء عمتها نجوى وابنها شريف وجدتها، فعاشت “الجميلات النائمات” في بيت واحد، وظلت هند متعلقة ببلدها “فصارت تنتقل بين لندن وغازي عنتاب، إذ تشتغل طبيبة متطوعة لمعالجة النساء السوريات النازحات في المخيمات”، وقصة أمها، التي حققت حلمها بالزواج من رجل ثري، فتغيرت أخلاقها حتى مع ابنتها درية “كانت تتحدث كأنها امرأة أخرى لا أعرفها، كأنها ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، ناسية أنها تربت يتيمة في بيت خالتها”، فضلا عن حسين، الذي أخذ سعاد وذهب الى لبنان ليعيش مع أخيه وزوجة أبيه.
قد تحتاج الرواية المقسمة الى فصول معنونة، وتتقسم فصولها الى أجزاء معنونة أيضا، قد تحتاج الى فهرست( 13)، وهو ما تم تجاهله في (حي الدهشة)، في الوقت عينه وضعت ثبتا بعناوين الروايات التي استخدمت في المتن عناوين لأجزاء الفصول، شيء آخر يضاف الى الدهشة، ثبت بالمراجع، موجود في متن الرواية، ولا فهرست لرواية بتقسيمات أولية وثانوية!
الدخول المتجزئ لحسين في الرواية هو إحدى لعباتها، وبوساطة حسين ستقدم الرواية الجزء الأخير من أحد مشاهدها: “تابع حسين الدكتورة بعينيه، ورأى تلك الدمعة تنزل رغما عنها” (ص223)، إذ تبدو كلمة (تلك) أداة تعريف، أي إن حسين يعرف دمعة الدكتورة هند، من أين يعرفها؟ قد تكون ذاكرة القارئ قوية لتعود الى أكثر من (200) صفحة، ليقرأ “رأى نظرة الحزن والدمعة الممنوعة من الخروج” (ص10)، وفاعل رأى هو حسين نفسه، لكن الدمعة – المعرّفة بتلك – لا تبدو نفسها – إلا في اللغة – لأنها هنا ممنوعة من الخروج، وهناك نزلت!
مسار الرواية غالبا ما اتخذ التسلسل الزمني المنطقي، منذ طفولة حسين، ودراسة هند لتخصصها، لكن المعلومات، أو أجزاء الصورة ستحضر غالبا بطريقة التقسيط، والتوزيع عبر فصول متعددة، وقد تحتوي الفصول على بعض الاسترجاعات، التي قد لا تلفت الانتباه، لأن الرواية لم تركّز عليها فنيا، وقد يكون أحد الفصول أقدم زمنيا من الفصل السابق، أو متأخرا مثل الجزء المعنون بـ (المحاكمة) من الفصل المعنون بـ (حي بطينا وطى المصيطبه – بيروت أعوام 2006- 2009)، وهي حالات قليلة، فقد اعتمدت الرواية مسار الساعة، بمحور رئيس هو حياة هند، إذ يمكن اعتبار (حي الدهشة) رواية هند، البعيدة عن المؤلفة، حتى لا تستمر الاتهامات لها بأنها تكتب سيرتها الذاتية، وبمحور – بوجود محاور أخرى، طبعا – مساعد، موازٍ، لكنه صغير، لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالمحور الرئيس، هو محور حسين، الذي بدأت الرواية بفصل قصة الحب بين أمه وأبيه، والوفاة التراجيدية لأمه.
لكن اللعبة الأهم في الرواية هي ما تم الكشف عنها في نهايتها، بطريقتين، الأولى هي: التذييل التوضيحي الذي أعلن انتهاء( 11) الرواية: “انتهت الرواية”، متبوعا باسم: درية شريف، وذلك يعني أنها هي مؤلفة الرواية، ودرية هي ابنة شريف الحداد، وهي شخصية في الرواية، كانت تهوى القراءة والكتابة وتحلم بأن تكون طبيبة وكاتبة مثل الدكتورة نوال السعداوي، فضلا عن مكان وتاريخ “لندن – أيلول 2015” كتابة الرواية، ولكن الرواية لم تنتهِ بالفعل، فثمة فصل قصير آخر معنون بـ: “رسالة الناشر: هذه ليست رواية”، وهو عنوان مركب من جزأين، يمكن إحالتهما الى شخص واحد، هو المؤلفة درية شريف، التي لا تمتلك الأسباب المقنعة لإضافة هذه الرسالة الى الرواية، حسب ما جاء في الرواية، ويمكن إحالتهما الى شخصين، فـ (رسالة الناشر) هو عنوان المؤلفة درية شريف، ثم جملة: هذه ليست رواية، المستلة من متن الرسالة، هي رأي لجنة القراءة في دار النشر، التي ربما كانت عنوان رسالة الناشر.
الفصل الأخير في الرواية سيؤدي دور كشف أسرار هذه اللعبة، مقللا من أهميتها، ومحاولا هدم أسسها، وإعادة الرواية الى مؤلفتها الحقيقة؛ للأسباب:
1. عنوان الفصل من نسق عنوانات الفصول السابقة كلها.
2. الحكي بصيغة ضمير الغائب عن المؤلفة المزعومة درية شريف.
3. يكشف هذا الفصل عن آليات تأليف الرواية، وعن الأفكار التي راودت المؤلفة، والتخطيط للتأليف.
4. وسيكشف أيضا عن علاقة الرواية بالمؤلفة المفترضة في ظروف الحرب، ودور الرواية الايجابي في حياة المؤلفة.
5. فضلا عن أسماء الروائيين الذين ذكرتهم، ستشير الى أن فرانسواز ساغان هي التي دفعتها الى فكرة كتابة هذه الرواية، فقد نشرت أولى رواياتها في سن درية الأخيرة.
6. مثل الفصول الأخرى، سيحتوي هذا الفصل على عنوان جانبي، فيه قصة أو توضيح، مكتوب بضمير المتكلم، ومعنون بإسم حميمي “ملف شخصي: انفعالات”، وسبق أن احتوى الفصل الأم على توضيح لهذا الجزء: “عادت درية الى ملف روايتها، وراحت تدون لنفسها الفصل الذي لن تنشره، والذي سيبقى في مذكراتها”، لكنها – كانسان متناقض، ومتقلب، يغير رأيه متى يشاء – ستضيف: “إمكانية نشره كملحق للرواية”.
فاذا اقتنع القارئ بأن الرواية كتبتها إحدى شخصياتها، والتي هي شخصية حقيقية دخلت الى الرواية من باب المذكرات، التي تسببت بوجود التواريخ، لتجعل من الرواية رواية مذكرات، واذا اعتبر وجود رسالة الناشر ملحقا متفقا عليه بين المؤلفة – المفترضة – والناشر، فما هو سبب وجود الفصل التوضيحي المكتوب بضمير الغائب؟؟!! بل من كتبه؟؟! فضلا عن احتوائه على تتمات بعض قصص الرواية، هذا الفصل سيعيد الرواية الى الرحم الذي أنجبها، وسيمنحها بطاقة هوية دقيقة.
وبغض النظر عن مدى الإقناع، والاقتناع الذي سيختلف من قارئ الى آخر، ستبقى تلك الإحالة لعبة، لن تنتهي الرواية بها، إذ ستنوجد فصول أخرى، أو أجزاء من فصول، ليست منفصلة عن سياق متن الرواية، وحتى الجزء المعنون بـ “ملف شخصي: انفعالات” هو كذلك، لاحتوائه على تتمات لقصص الرواية، قصة حسين مثلا، ويأتي جزء آخر، معنون بعنوان رواية سابقة، فيه تتمة للرواية.
هذه لعبات، قد يختلف القارئ مع المؤلفة في موقعها على خارطة الرواية، أو أساليب تقديمها، وبغض النظر عن اختلاف القارئ مع المؤلفة باعتبار ما ورد بعد جملة (انتهت الرواية) جزء منها، فإنها ألعاب أولا، وثانيا تضفي جماليات أخرى على الرواية.
وفي الفصل الملصق بالرواية والمعنون بـ (رسالة الناشر) لمحة بسيطة من حكي الرواية عن نفسها، من جنس الرواية داخل رواية(12 )، والفصل الذي يليه والمعنون بـ (لندن – خريف عام 2015) هو فصل تشكيلي، أي يحتوي على أكثر من جنس سردي، بوجود راوٍ الخارجي، وآخر داخلي، في أجزاء معنونة بعناوين روايات، وفي الفصل توضيحات عن الرواية ومؤلفتها درية، وتوضيح بأن ما جاء بعد إشارة النهاية هو ملحق بالرواية، يحتوي على نهايات بعض القصص التي تركت بدون نهاية، أهمها قصة درية شريف، التي ذهبت الى بريطانيا للدراسة، مع الدكتورة هند، ولحقت بهما بعد الحصول على اللجوء عمتها نجوى وابنها شريف وجدتها، فعاشت “الجميلات النائمات” في بيت واحد، وظلت هند متعلقة ببلدها “فصارت تنتقل بين لندن وغازي عنتاب، إذ تشتغل طبيبة متطوعة لمعالجة النساء السوريات النازحات في المخيمات”، وقصة أمها، التي حققت حلمها بالزواج من رجل ثري، فتغيرت أخلاقها حتى مع ابنتها درية “كانت تتحدث كأنها امرأة أخرى لا أعرفها، كأنها ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، ناسية أنها تربت يتيمة في بيت خالتها”، فضلا عن حسين، الذي أخذ سعاد وذهب الى لبنان ليعيش مع أخيه وزوجة أبيه.
قد تحتاج الرواية المقسمة الى فصول معنونة، وتتقسم فصولها الى أجزاء معنونة أيضا، قد تحتاج الى فهرست( 13)، وهو ما تم تجاهله في (حي الدهشة)، في الوقت عينه وضعت ثبتا بعناوين الروايات التي استخدمت في المتن عناوين لأجزاء الفصول، شيء آخر يضاف الى الدهشة، ثبت بالمراجع، موجود في متن الرواية، ولا فهرست لرواية بتقسيمات أولية وثانوية!
التواريخ المرفقة بعناوين الفصول
قد تكون عملية وضع تواريخ للفصول محاولة لتجنيس هذه الرواية رواية مذكرات، لتوكيد هوية كاتبة الرواية: درية شريف، التي هي إحدى الشخصيات الثانوية في الرواية، بذريعة كونها مبتدئة في كتابة الرواية، وفي القراءة أيضا، ولأنها سبق وتأثرت بكتاب الدكتورة (نوال السعداوي) ذي العنوان: (أوراق حياتي)، وهو كتاب مذكرات، لتكتب درية شريف مذكراتها، تحكي فيها عن أهلها وعن معارفها، وعن الدكتورة هند ذات الدور الكبير في حياتها، وستضع تواريخ لتلك الفصول، يفترض أن تكون تواريخ كتابتها، وهي تواريخ حصول الأحداث، في الوقت عينه، وقد تكون التواريخ عاملا مساعدا في قراءة خارطة النص، ويمكن اعتبارها زائدة، لكنها سبب كاف لاعتبار (حي الدهشة) رواية مذكرات.
قد تكون عملية وضع تواريخ للفصول محاولة لتجنيس هذه الرواية رواية مذكرات، لتوكيد هوية كاتبة الرواية: درية شريف، التي هي إحدى الشخصيات الثانوية في الرواية، بذريعة كونها مبتدئة في كتابة الرواية، وفي القراءة أيضا، ولأنها سبق وتأثرت بكتاب الدكتورة (نوال السعداوي) ذي العنوان: (أوراق حياتي)، وهو كتاب مذكرات، لتكتب درية شريف مذكراتها، تحكي فيها عن أهلها وعن معارفها، وعن الدكتورة هند ذات الدور الكبير في حياتها، وستضع تواريخ لتلك الفصول، يفترض أن تكون تواريخ كتابتها، وهي تواريخ حصول الأحداث، في الوقت عينه، وقد تكون التواريخ عاملا مساعدا في قراءة خارطة النص، ويمكن اعتبارها زائدة، لكنها سبب كاف لاعتبار (حي الدهشة) رواية مذكرات.
حي الدهشة والحرب
سيثير تاريخ انتهاء الرواية وموقعه سؤالا جديدا، عن سهو أو قصد؟ فالفصل الأخير للرواية – والذي جاء تاريخ انتهاء الرواية في ذيله – يحمل عنوان “حي الهلك – حلب – عام 2011″، المؤرخ، بتاريخ مختلف عن الموجود في ذيل الفصل “لندن – أيلول – 2015″، بعد الإشارة التوضيحية “انتهت الرواية”، المعرفة بـ “درية شريف”، ولأن الفصل الأخير للرواية يحمل عنوان “لندن – خريف عام 2015″، الذي يشبه الإشارة التوضيحية بالمكان والزمان.
يمكن اعتبار ذلك جزء من اللعبة التي حاولت أن تقوم بها الرواية، ويبدو أنها لم تكن مقنعة تماما، فقد أدى التاريخ الموضوع في عناوين الفصول دور الإطاحة بهذه اللعبة، التي ربما سيكون لها دور – عفوي – إضافة محور مهم الى الرواية، فاذا تم رفع الإشارة التوضيحية من هنا، والاعتماد على التاريخ الموضوع في عنوان الفصل قبل الأخير، ستكون أحداث الرواية السابقة كلها قد حصلت قبل بدء الأحداث وتطوراتها، مما يعطي زخما مهما للفصل الأخير، بسبب توظيف الحرب، وهي المهيمنة(14 ) الثانية من حيث الأهمية والتواجد في روايات (مها حسن)، عبر عنوان جزء منه: “الحرب والسلام”، ستدخل الحرب في الرواية من خلال نسق استخدام عناوين روايات سابقة عناوين لأجزاء الفصول، وبوساطة واحدة من أهم روايات الحرب في العالم، والتي تكشف هويتها منذ عنوانها: الحرب والسلام، ليكون هذا العنوان كاشفا عن متن الفصل، الذي سيكشف لا عن العلاقة الوطيدة بين درية شريف والروايات، ودور الروايات التي قرأتها في عملها وتأليفها لهذه الرواية، بل عن دور الرواية في إنقاذها من الخوف واليأس، ودور الكتابة في تلمس درية شريف لدرب السلام الضيق في غابة الحرب الكثيفة!
سيثير تاريخ انتهاء الرواية وموقعه سؤالا جديدا، عن سهو أو قصد؟ فالفصل الأخير للرواية – والذي جاء تاريخ انتهاء الرواية في ذيله – يحمل عنوان “حي الهلك – حلب – عام 2011″، المؤرخ، بتاريخ مختلف عن الموجود في ذيل الفصل “لندن – أيلول – 2015″، بعد الإشارة التوضيحية “انتهت الرواية”، المعرفة بـ “درية شريف”، ولأن الفصل الأخير للرواية يحمل عنوان “لندن – خريف عام 2015″، الذي يشبه الإشارة التوضيحية بالمكان والزمان.
يمكن اعتبار ذلك جزء من اللعبة التي حاولت أن تقوم بها الرواية، ويبدو أنها لم تكن مقنعة تماما، فقد أدى التاريخ الموضوع في عناوين الفصول دور الإطاحة بهذه اللعبة، التي ربما سيكون لها دور – عفوي – إضافة محور مهم الى الرواية، فاذا تم رفع الإشارة التوضيحية من هنا، والاعتماد على التاريخ الموضوع في عنوان الفصل قبل الأخير، ستكون أحداث الرواية السابقة كلها قد حصلت قبل بدء الأحداث وتطوراتها، مما يعطي زخما مهما للفصل الأخير، بسبب توظيف الحرب، وهي المهيمنة(14 ) الثانية من حيث الأهمية والتواجد في روايات (مها حسن)، عبر عنوان جزء منه: “الحرب والسلام”، ستدخل الحرب في الرواية من خلال نسق استخدام عناوين روايات سابقة عناوين لأجزاء الفصول، وبوساطة واحدة من أهم روايات الحرب في العالم، والتي تكشف هويتها منذ عنوانها: الحرب والسلام، ليكون هذا العنوان كاشفا عن متن الفصل، الذي سيكشف لا عن العلاقة الوطيدة بين درية شريف والروايات، ودور الروايات التي قرأتها في عملها وتأليفها لهذه الرواية، بل عن دور الرواية في إنقاذها من الخوف واليأس، ودور الكتابة في تلمس درية شريف لدرب السلام الضيق في غابة الحرب الكثيفة!
الهوامش
( 1) حي الدهشة، مها حسن، دار ممدوح عدوان، 2018.(2 ) تختلف مها حسن عن نجيب محفوظ، وربيع جابر – إذ تحتفي رواياتهما بالمكان – في أمر مهم، هو: إقامتهما الدائمة في مدينتيهما، وتركها مدينتها قسرا.. إذ ربما سيتجلى ذلك الاختلاف في طريقة تقديم المكان في الرواية!! يمكن اعتبار مها حسن روائية حلب، ويمكن إطلاق اسم (روايات حلب) على رواياتها، ومن خلال تلك الروايات ستدخل مدينة حلب في ساحة مدن الروايات: القاهرة، وبيروت، والإسكندرية.. الخ.
( 3) مما يعزز كونها رواية حلب، ويدعم موقفها في الترشيح الى جنس: روايات المدن.
( 4) وقال الشاعر العراقي العاشق مثل هذا تماما، قبل نصف قرن تقريبا، قال: “طوّل يدرب السوك ريت دريولك يعثر ريت التاير اليفتر فلا يفتر”. طوّل: ازدد طولا، كن طويلا؛ لزيادة الوقت. درب: طريق. السوك: قضاء سوق الشيوخ في محافظة ذي قار/ العراق. ريت: ليت. دريولك: الدريول هو السائق. التاير: إطار السيارة. يفتر: يدور. الشاعر يتمنى أن يطول الطريق، وان تتعطل السيارة، لكي يحظى بالمزيد من الوقت مع المرأة الجميلة التي كان يجلس جنبها في السيارة.
( 5) قصة حب فيها عدد من المفارقات، منها: تسبب نجوى بأذى شديد من قبل أخيها للشخص الذي يحبها، لسبب غير حقيقي، افتعلته للعبث، والإساءة، والثانية الكلمة الجارحة، ثقيلة الوقع، التي قالتها لعريسها، قبل دخوله بها! وهنا المقارنة التي فرضها موقف نجوى من زوجها، وتطليقها إياه؛ لأنه ابن عم قاتل زوجها، بينما بنت المقتول تهوى وتتصنع المبررات للمتسبب – المنافق، وخائن النعمة والعشرة – بقتل أبيها!!
( 6) منتقلا الى قصص أو حبكات أخرى.
( 7) على القارئ أن يعرف، البحث عن ايجابية القارئ، ودوره التفاعلي مع النص، والتخلص من الأسلوب القديم في الحكي، إذ كانت تتكفل الرواية بتفصيلاتها كلها، حتى البسيط منها.
( 8) لا يبدو الاقتناع بهذا سهلا؛ لأنه أمر ليس من طبيعة الإنسان: “الفيسبوك… وصلني طلب إضافة من حسين، الذي كان يعمل في ورشة أبي، وكنت أكن له مشاعر مميزة [كانت تحبه!! قصة حب وردت عنها إشارات ضعيفة]. قبلت الطلب على الفور [يا للمبالغة!!]، حين كتب لي في رسالة خاصة (مرحبا درية.. بتتذكريني). خفق قلبي بطريقة لم تحدث معي منذ سنوات [يا لل…!!]، منذ حلب، حين كان قلبي يخفق كلما دق حسين جرس باب بيتنا هناك، لتوصيل غرض ما، أو للسؤال عن أبي حين يكون في البيت. …. قد يستغرب البعض تواصلي مع المخطط والمدبر لقتل أبي. لقد قامت الحرب في بلدي، وابتلعت كل شيء، لهذا، ربما لن يتفهم أحد مشاعري صوب حسين، بسهولة. لم أتمكن من تأثيم ما فعله، فأنا أعيش حالة فقدان البلد…. بل ربما شعرت بشعور غامض من الارتياح، لأن أبي مات ودفن في بلده… في عمقي، كنت أشعر بأن حسين لم يكن شخصاً سيئا، ولم يكن مجرماً، كانت دوافعه نبيلة، كان ثائرا ضد كل من يؤذي الأمهات الطيبات…. هل أنا ابنة عاقة؟” (ص257- 259)، شيء غير معقول، وغير مقنع، ومخالف للفطرة البشرية، أن تتحدث ابنة المقتول عن المتسبب في قتل أبيها هكذا، أبوها الذي وقف معها إذ أوصى بأن تكمل دراستها، وتحقق أمانيها كلها، بل ولا تعتبره مجرما، بالاعتماد على فكرة نسوية مبالغ فيها، هذا التناقض.. سبب آخر للدهشة!!
( 9) ينحصر الشبه بين شخصيتي حسين وراسكولنيكوف في ارتكاب كل منهما جريمة قتل، فقط، وبوجود اختلافات عدة، منها: شخصية المقتول، ودافع جريمة القتل، وتأنيب الضمير.
( 10)قد تصل الى حد الحكم عليها بـ “هذه ليست رواية”، الموضوع في عنوان رسالة الناشر.
(11 ) لم تنتهِ الرواية؛ لسبب بسيط جدا، هو: استمرار نسقها التأليفي!
( 12) رواية (سابع أيام الخلق) للروائي العراقي عبد الخالق الركابي.
( 13) في رواية (الراويات)، للمؤلفة نفسها، يوجد فهرست.
( 14) والمهيمنة الأولى هي المرأة، المرأة والحرب مشتركان بين الروائية السورية مها حسن والروائي العراقي مهدي عيسى الصقر